تحول المغرب خلال عقد ونصف إلى فاعل جهوي وقاري، يملك حضورا ملموسا في مجالات استراتيجية في القارة الإفريقية، كالاقتصاد الاجتماعي الذي يجعل المواطن الإفريقي في صلب العملية التنموية والقطاع البنكي الذي أصبح يغطي أكثر من أربعين دولة و قطاعات أخرى تعكس حاجة القارة إليها، ويضاف إلى هذا كله الثقل الديني والروحي للمغرب ، خاصة مع تفكك عدد من الدول في منطقة الساحل والصحراء وبروز الحركات الجهادية ، وتقديم المغرب لنموذج تدبير الحقل الديني والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وأخذ الحضور المغربي في القارة الإفريقية بعدا جديدا من خلال الزيارات الملكية لدول عدة في إفريقيا الغربية والوسطى ، خاصة محطتي باماكو في شتنبر 2013 وأبيدجان فبراير 2014 . حضور مغربي محصلة لعمل هيكلي مستمر ورؤية اتسراتيجية، فإن هذا الثقل لم ينعكس داخل الاتحاد الإفريقي، فرغم محدودية الدول المعترفة بجمهورية الرابوني ، وجلها موجود في إفريقيا الجنوبية الأنكلوفونية، ورغم أن المغرب أصبح رقما أساسيا في إفريقيا، فإن غيابه داخل الاتحاد الإفريقي يحرمه من واجهة سياسية، تعمل الدولة العميقة في الجزائر، وفي سياق تناحر مكوناتها الداخلية، على توظيف هذه الواجهة للحد من تموقعه الجديد داخل القارة، وهذا ما يفسر تعيين رئيس مجلس الأمن والسلم داخل الاتحاد الإفريقي وزيرا للخارجية الجزائرية، إضافة إلى تعيين مبعوث للاتحاد الإفريقي للصحراء، إضافة إلى أشياء أخرى. إن ما حصل بين سنتي 1982 و 1984 هو محصلة لسياسة المغرب في إفريقيا خلال عقدي الستينات والسبعينات، ولذلك تضامن معه فقط، منذ مؤتمر نيروبي 1981، الدول التي كانت لها معه شراكة سياسية. تفاعلت الدبلوماسية المغربية مع هذا المنعطف التاريخي لحضور المغرب في القارة الإفريقية، منذ 1982، رغم طوق العزلة الذي ضرب حوله في إفريقيا جنوب الصحراء، إذ ظهرت أوراق جديدة ساعدت الدبلوماسية المغربية على التنقيص من حجم قبول "ج ع د ص" في منظمة الوحدة الإفريقية. عمل المغرب على عزل البوليزاريو على مستوى شمال إفريقيا ،و كانت أولى الخطوات فصل ليبيا عن البوليزاريو، خصوصا عند اندلاع النزاع العسكري بين التشاد وليبيا، ولم يتدخل المغرب في التشاد، بل وقع المغرب وليبيا اتفاق وجدة سنة 1983. وضمن بذلك تبني ليبيا للطرح المغربي، وصادف أن عرفت جبهة البوليزاريو ابتداء من 1988 عودة عدد كبير من المؤسسين لهذه الجبهة إلى المغرب، وهو ما زكى الطرح المغربي إن على المستوى الإفريقي أو الدولي. موازاة مع ذلك أدى تدخل الأممالمتحدة في الصحراء الغربية منذ 1991 إلى تغيير عدد من المعطيات، فتم وقف إطلاق النار ، ودخلت الجزائر حرب دموية داخلية، دامت عشر سنوات ، وتوالى عودة المحتجزين في مخيمات تندوف إلى المغرب، الشيء الذي أدخل صراع الصحراء إلى الوضع الثابت، إضافة إلى عوامل أخرى جعل عددا من الدول الإفريقية تعاود موقفها من هذه " الجمهورية" وتسحب اعترافها بها. بل أصبحت هذه " الجمهورية" تعيش عزلة داخل المنظمة، الشيء الذي دفع عددا من الدول الصديقة للمغرب في واكادوكو في يونيو 1998، إلى طلب طرد "الجمهورية الصحراوية"، من المنظمة الإفريقية"، وطرحت نفس الفكرة في قمة الجزائر في السنة الموالية، لكن انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية الجزائرية في العام 1999، عقد الأمر أكثر، فهو الرجل الذي قاد سياسة عدائية ضد المغرب عندما كان وزير خارجية بومدين، وارتبط اسمه كثيرا بسياسة العداء ضد المطالب المغربية. في عام 1997م عهدت الأممالمتحدة إلى جيمس بيكر ليكون المبعوث الشخصي لها في الصحراء ليتم عقد اتفاق في هيوستن 1997م، بين المغرب وجبهة البوليساريو، وبحضور كل من موريتانياوالجزائر كمراقبين. وساهمت هذه التطورات في عودة الاهتمام الإعلامي بملف القضية الصحراوية. في 1999 م قدم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان اقتراح تأجيل الاستفتاء إلى ديسمبر 1999. وفي عام 2000 جرت ثلاث جولات من المباحثات، لم تستقر عن أي تقدم. في يونيو 2001 اقترح جيمس بيكر اتفاقية إطار جديدة تقضي بمنع الإقليم حكما ذاتيا قبل إجراء الاستفتاء الذي يقرر المصير النهائي للإقليم، وقد حاولت الولاياتالمتحدة جاهدة فرض هذه الخطة على الأممالمتحدة. وفي 24-25 يناير 2002 قام جيمس بيكر بزيارة للمغرب لإبلاغ المغرب رفض الجزائر وجبهة البوليساريو لمشروع الاتفاق الإطار، وأن هناك طرحاً آخر لحل النزاع، قدم من لدن الجزائر والبوليساريو لتقسيم الصحراء، وهو حل رفضه المغرب. ثم توالى مبعوثو الأمين العام ، خلص أحدهم وهو فان فنسوم إلى استحالة قيام دولة في الصحراء الغربية ، ثم عين الأمريكي كريستوفر روس الذي أصيب بدوره بساندروم الستاتيكو، وتحول في عهده نزاع الصحراء إلى حقوق الإنسان وأشياء أخرى، ونسي روس قرارات الأممالمتحدة بضرورة تسوية سياسية متوافق حولها، في سياق تعرف فيه الدولة الحاضنة لجمهورية الرابوني هزات العهدة الرابعة حيث شحذت كل الأطراف سيوفها لمعركة ما بعد بوتفليقة.