كلميمة مدينة تقع بالجنوب الشرقي للمغرب، وتبعد عن مدينة الرشيدية بحوالي 60 كيلومترا، مشهورة بواحات النخيل، كما أنها تزخر بمؤهلات جغرافية وطبيعية وسياحية مهمة. كلميمة أو مدينة الأدمغة معروفة بكونها أنجبت عددا مهما من الأطر العليا بمختف التخصصات: أساتذة جامعيون وباحثون يدرسون بالجامعات المغربية، والجامعات الأوروبية والأسيوية، فضلا عن كون الجيل الأول يشتغل معظمهم في مناصب سامية بالمؤسسات العمومية والأمنية. وبقليل من الغيرة، كان بإمكان هؤلاء المسؤولين استغلال هذه المؤهلات، لكي تلعب دورا أساسيا في التنمية وتحقيق الإشعاع الترابي؛ غير أن كلميمة ومنذ أمد بعيد تعيش ركودا تنمويا، لأسباب أرجعها البعض إلى انتقام الدولة بسبب أحداث أكتوبر من سنة 1981، والبعض الآخر إلى غياب إرادة حقيقة لتنزيل برامج تنموية من قبل القائمين على تدبير شؤونها. بالرغم من كثرة الكوادر التي أنجبتهم كلميمة، فإن هذه المدينة لم تستفد من خدماتهم أسوة بأقرانهم في المدن الأخرى، من حيث الأفكار والتجارب والاقتراحات، وظلت علاقتهم بها تقتصر على زيارات الاستجمام أو صلة الرحم لا المجال. كلميمة هي قصة أخرى لفشل المقاربات التنموية التي تساوي السهول بالجبال، وما زال عدد من سكان البلدة يتجرعون مرارة الحياة، إذ لم ينالوا حقهم من التنمية بعد؛ فهم يعيشون تحت وطأة التهميش، ويكابدون مظاهر البؤس والحرمان نتيجة غياب أدنى متطلبات الحياة. تنمية منعدمة تعيش مدينة كلميمة جملة من المشاكل والنقائص التي تعكر صفو حياة الساكنة المحلية، منذ عقود من الزمن، حسب ما أكدته تصريحات متطابقة استسقتها جريدة هسبريس الإلكترونية من الساكنة. وأعربت الساكنة عن استيائها وتذمرها الشديدين جراء الأوضاع المزرية التي تعيشها المدينة في ظل غياب أدنى شروط الحياة الكريمة الذي جعلت آلاف من الأسر والعائلات يعيشون في فقر مدقع يتجرعون مرارته منذ سنوات. لا يختلف اثنان في كون المدينة تعيش ركودا تنمويا خطيرا، في عدة مجالات أسهمت فيها عدة عوامل؛ وهو ما يتضح من خلال هشاشة البنيات التحتية الأساسية بمختلف أحياء مدينة كلميمة، حيث ما زالت بعض الأزقة والشوارع بالمركز توصف لدى الساكنة والزوار ب"الكارثية"؛ وهو ما بات ينغص حياتهم اليومية في جميع الأوقات. صابر حمو، فاعل جمعوي، قال، في حديثه لهسبريس، إن "ساكنة كلميمة تعيش على طول الفصول الأربعة معاناة يومية مع ما تخلفه الأزقة والشوارع غير المؤهلة من غبار وما تخلف البرك المائية الموجودة بوسطها في أوقات فصل الشتاء"، مشيرا إلى أن كلميمة تشهد "في فصل الصيف مثلا تصاعد الغبار والأتربة، فتكون هي عنوانا لكل مجمع ولقاء"، مضيفا "التقلبات المناخية وتساقطات الأمطار تحول الأزقة والشوارع والطرقات إلى برك مائية يصعب من مأمورية اجتيازها والخروج لمجابهة الحياة؛ وهو ما زاد من معاناتهما"، يقول المتحدث. وعن انعدام قنوات الصرف الصحي في بعض الأحياء، يقول المتحدث ذاته: "هذا الوضع أرغم السكان على تدبر أمورهم ببديل يتمثل في حفر "مطامير" تقليدية للتخلص من المياه العادمة؛ لكنها أثبتت أنها طريقة لا تنفع، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة خلال هاته الأيام، إذ هناك احتمالية انتشار الروائح الكريهة المنبعثة منها؛ وهو ما يشكل خطرا حقيقيا يحدق بالساكنة وأبنائها"؛ وهو ما يستدعي، حسب المتحدث نفسه، اتخاذ الإجراءات اللازمة للإسراع في إنجاز قنوات للصرف الصحي من أجل تفادي كارثة صحية محتملة قد تصيبهم بأمراض خطيرة"، وفق تعبيره. إلى جانب هذه المشاكل التي تعاني منها ساكنة كلميمة، شدد صابر حمو على أن المدينة تعاني أيضا من مشكل آخر والذي يتمثل في انعدام المرافق الترفيهية، حيث أصبح شباب المنطقة يعيشون روتينا قاتلا؛ فلا يجدون ما يقومون به في ظل عدم وجود مرافق كافية ولا ملاعب القرب يقضون فيه أوقاتهم ويروحون فيه عن أنفسهم. وناشد الفاعل الجمعوي السلطات المحلية والجهوية بالتدخل العاجل من أجل انتشال المدينة من حالة الركود التنموي، الذي تشهده منذ سنوات وإدراج بعض المشاريع التنموية للتخفيف عن معاناة الساكنة وترفع الغبن عنها. الصحة معاناة القطاع الصحي بمدينة كلميمة هو عنوان آخر لمعاناة المرضى الذين يبحثون عن العلاج داخل بناية شبه فارغة من الأطر والتجهيزات، فلا يجد المريض من يخفف آلامه أو يداوي جراحه، فيتألم إلى حين إيصالهم إلى مستشفى مولاي علي الشريف، أو يسلم روحه إلى خالقه، فتبدأ التبريرات وبلاغات لا تسمن ولا تغني، من أجل الإفلات من العقاب والخروج من دائرة الاتهام، والغريب في الأمر هو أن قطاع الصحة العامة والخاصة يعج بأطر طبية ماهرة من هذه الرقعة من الوطن، وفق تعبير خالد مكور فاعل جمعوي. مدينة كلميمة، التي يقطنها ما يزيد عن 16419 نسمة حسب إحصائيات الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط، تتوفر على مستشفى محلي "20 غشت"، يعاني مجموعة من المشاكل والإكراهات التي تحول دون تقديم العلاجات للمرضى في أحسن الظروف؛ من أهمها غياب التجهيزات والبنية التحتية، فضلا عن التقصير في الخدمة من بعض الأطر الطبية، حسب ما أكده خالد مكور فاعل جمعوي بالمنطقة. وشدد المتحدث، في حديثه لجريدة هسبريس، على أن المستشفى المحلي لكلميمة يفتقر إلى الإمكانات اللوجيستيكية الكفيلة بإنقاذ أرواح المواطنين، فضلا عن الخصاص المهول في الأطر الطبية، التي بإمكانها تقديم خدمات علاجية أولية للمرضى "العاديين"، مسترسلا "كل هذه الأمور جعلت من مستشفى 20 غشت مجرد محطة عبور لنقل المرضى نحو مستشفى مولاي علي الشريف بالرشيدية، حتى وإن كان المرض أو الإصابة بسيطا". وطالب خالد مكور في الأخير القائمين على تدبير القطاع الصحي بالجهة بتدارك الوضع المتأزم الذي يعيش القطاع بكلميمة، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتوفير التجهيزات الطبية والأطر لتسهيل عملية العلاج للمرضى خصوصا المعوزين منهم وكبار السن، داعيا وزارة الصحة "إلى ضرورة تعيين أطباء وأطر شبه طبية إلى المنطقة لتقليص الخصاص المهول في الموارد البشرية". آيت لحو: التنمية مغيبة وجوابا عن سؤال طرحته جريدة هسبريس على إدريس أيت لحو، أستاذ السوسيولوجيا بجامعة قاضي عياض بمراكش وابن المنطقة، حول رأيه بخصوص التنمية الغائبة بمدينة كلميمة، حيث قال إن "كلميمة لا تستحق أبدا أن تسمي مدينة لأن المدينة لها مقومات سوسيوجغرافية تميزها حضرية وديموغرافية وتدبيرية وغيرها"، مضيفا أن التنمية مغيبة بفعل فاعل عن هذه المدينة مع سبق الإصرار. وأشار أستاذ السوسيولوجيا بجامعة قاضي عياض بمراكش وابن كلميمة إلى أن هذه الأخيرة "كانت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي تعتبر قطبا حيويا على مستوى الجنوب الشرقي، خصوصا في ما يتعلق بالبنية التحتية التي كانت في أحسن المستوى"؛ غير أنها، يضيف المتحدث، "ومنذ بداية الثمانينيات بدأت معالم المدنية فيها تتلاشى حتى وصلت إلى ما هي عليها الآن"، مرجعا ذلك إلى عدة أسباب أهمها بحسبه تغييب الإرادة لدى المسؤولين على مستوى المركزي أي على مستوى الدولة. ولم يُخف آيت لحو أن منطقة كلميمة، ومناطق الجنوب الشرقي بصفة عامة، تدخل في إطار "العقاب الترابي" أو مناطق للتجريب، مضيفا "لا اعتقد أن هناك إرادة حقيقة للإصلاح بمدينة كلميمة على مستوى إعداد التراب"، وزاد "الوثائق التي تخص التعمير مثلا والتي أشتغل عليها شخصيا، فارغة من المحتوى، أو منسوخة عن وثائق أخرى"، مضيفا أن "كلميمة تحولت، منذ بداية الثمانينيات، إلى مركز جذب للانتهازيين والوصوليين من أبنائها وغيرهم؛ وذلك بمباركة الوزارة الوصية"، معتبرا بلدية كلميمة ضعيفة جدا ولا وزن للفاعلين الترابيين بها محليا أو إقليميا أو جهويا أو حتى مركزيا. وعن الوضع التنموي المتأزم بكلميمة، شدد آيت لحو على أن هناك جهات عدة مسؤولة عن الوضع؛ من بينهم الفاعلون الترابيون والسياسيون والإدارة، وكل من سهر ولا يزال يسهر على تدبير الشأن العام الترابي بالبلدة. واعتبر المتحدث بلدية كلميمة "نسقا صغيرا ديناميا داخليا ومرتبطا بمحيطه الترابي الإقليمي والجهوي والوطني من جهة، فضلا عن ارتباطه بمحيطه البيئي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي يحتاج إلى ثورة حقيقية على مستوى المقاربات الترابية". وتساءل أستاذ السوسيولوجيا بجامعة قاضي عياض بمراكش وابن كلميمة، في الأخير: "كيف نطلب من فاعل ترابي أن يكون مسؤولا وهو في الأصل لا يتوفر على إمكانات القرار؟ وكيف نحمله مسؤولية إبداع المقاربات وتصميم البرامج والإستراتيجيات وهو لا يتوفر على أدنى معرفة في المجال وتعوزه الموارد البشرية والمادية لتحقيقها على أرض الواقع، مسترسلا: "خلاصة القول كلميمة نموذج مصغر لمغرب الهامش والذي أريد له أن يكون كذلك". ولتقريب وجهة نظر القائمين على تدبير الشأن المحلي بكلميمة، اتصلت جريدة هسبريس برئيس البلدية وإحدى نائباته دون تلقي أي جواب، حيث ظلت هواتفهما ترن منذ أيام دون مجيب.