هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد العام لمقاولات المغرب .. بين الانفتاح والتحفظ على مقتضيات مدونة الشغل
نشر في هسبريس يوم 04 - 07 - 2017


(1/5)
هل الدولة في خدمة المقاولة، أم المقاولة في خدمة الدولة؟ فكل منهما ترى في الأخرى سر خلودها. المقاولة تبحث عن حضانة الدولة، وهذه الأخيرة تراهن على الأخرى اقتصاديا واجتماعيا؛ إلا أنهما في الحقيقة ليستا في حاجة معا إلى حضانة أو إلى رهان، بل لتعايش، تعايش ثلاثي الأضلاع، يربط الدولة بالمقاولة، ويربط هده الأخيرة بالنقابة. تعايش لا يجب أن يكون على مضض بل على اختيار وحرية، قوامه التوازن والاتزان، يحيا على إكسير الحق، ونبض القانون.
أصدر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بمناسبة الذكرى العاشرة على سريان مفعول قانون رقم 99/65 بمثابة مدونة الشغل، "دليلا" عمليا لمنخرطيه في موضوع: مدونة الشغل، في خدمة التنمية، والمسؤولية الاجتماعية؛ وهي مبادرة مهمة أخذت بها أهم منظمة مهنية للمشغلين بالمغرب، تكشف من خلالها عن اهتمامها البالغ بأهمية وضرورة تعايش المقاولة مع أجرائها، ضمانا لاستمرارية نشاطها، واستقرار العلاقات المهنية. وتعبر هذه المبادرة في الوقت نفسه عن موقفها من مدونة الشغل، من حيث انسجامها ومواكبتها لإيقاع التطورات الاقتصادية التي يعرفها المغرب خاصة، والمجتمع الدولي عامة، وانعكاس ذلك على السير العادي لقاطرة الاستثمار، والرؤيا المستقبلية في المجالين؛ تحقيقا للعدالة الاجتماعية، بالنسبة إلى المقاولة وأجرائها على السواء.
من خلال ما قيل يتضح أن الاتحاد أصبح يعي جيدا أهمية الرأسمال البشري في إنجاح المقاولة، ويعي كذلك أن هذا الأخير أصبح طرفا حقيقيا في اللعبة الاقتصادية، جاء ذلك نتيجة لمفاوضات واحتكاكات مع المؤسسات التمثيلية، بما فيها المنظمات النقابية؛ إضافة إلى التأثير الدولي الحقوقي علي المشغلين؛ وهذا في حد ذاته يعد مكسبا للأطراف، وللمناخ الاجتماعي بالمغرب عامة.
ومن هنا، يأتي اهتمام المنظمة المهنية بإصدارها لهذا "الدليل" تواصلا منها مع محيطها عامة، والمقاولات المنضوية تحت لوائها خاصة، بتناولها للعديد من المواضيع القانونية المنظمة للعلاقة المهنية، والتي تربط المقاولة بأجرائها، سواء منها الفردية او الجماعية، مع التركيز على عقد الشغل وطبيعته، وآثاره من حيث المرونة في التشغيل.
أ - تطور عقد الشغل بالمغرب:
قبل سنة 1913، كانت العلاقات المهنية في المغرب - في غياب نصوص قانون – تنظمها الأعراف والعادات المحلية؛ فقد كان سائدا في المجال القروي نظاما شبيها بنظام الرق، يتملك فيه رب العمل الأرض ومن يحرثها. وفي المجال الحضري العلاقة السائدة، علاقة "معلم" و"متعلم" وهي مبنية على توجيه الأوامر، والإذعان المطلق. وكانت معروفة بالخصوص بالمدن العتيقة في الحرف اليدوية، من دباغة وحدادة وحياكة وغيرها من الصناعات التقليدية. هذا إضافة إلى خادمات البيوت، حيث كانت الخادمة تلقب ب"دادا" والتي لها علاقة تبعية روحية قريبة من الملكية، بحيث تورث الخادمة أبا عن جد.
وبحلول عهد الحماية، صدر قانون الالتزامات والعقود المغربي لسنة 1913، والذي يمكن اعتباره امتدادا للتشريع المدني الفرنسي. ولكون هذا الأخير يمنح للبرجوازية الفرنسية امتيازات تشريعية خاصة، تضمن لها الاستقرار والثبات، والذي ينبنى على ثلاثة مبادئ قارة: الملكية حق مطلق، العقد شريعة المتعاقدين، ولا مسؤولية بدون خطأ.. وهي مبادئ مستمدة من مدونة نابليون، الصادرة بتاريخ 21 مارس 1804؛ فإن إصدار قانون الالتزامات والعقود المغربي كان بمثابة الأرض الخصبة للمستثمر المعمر الفرنسي، والأوروبي، في مجالي الاقتصاد والمال، مما ينعكس تلقائيا على العلاقات المهنية، حيث يعتبر صدور هذا القانون بداية تنظيم العلاقة الشغلية بين الأجير والمؤاجر، بعد التنصيص لأول مرة على عقد "إجارة الصنعة" الذي يقابله حاليا عقد المقاولة، وعقد "إجارة الخدمة" الذي يقابله حاليا عقد الشغل. وأهم ما يثير الانتباه من مضمون هذا القانون أنه بعد تعريفه للعقدين، تم تحريم استخدام شخص لأجل غير محدد، أو لأداء عمل غير معين، وبطلان كل التزام من شخص يقدم خدماته طوال حياته، أو لمدة تبلغ من الطول حدا بحيث يظل ملتزما حتى موته. وبذلك، يمكننا أن نستخلص أن هذا القانون لا يجيز إبرام عقود شغل غير محددة المدة، أي جاء ليضع حدا لطبيعة العلاقة الشغلية التي كانت سائدة آنذاك، كما سلف الذكر، المبيحة لامتلاك المستأجرين من لدن كبار الملاكين المغاربة، إلى جانب امتلاك الأراضي. وقد جاء هذا الإصلاح التشريعي ليس بالضرورة لأسباب حقوقية أو إنسانية، بل لفتح المجال للمعمر الوافد الجديد، للاستفادة من خدمات هذه الموارد.
إذن، فالمشرع وضع حدا لإبرام عقود الشغل غير محددة المدة قبل حوالي قرن من الزمن، لتحرير العامل من "الرق"، وخدمة للاستثمار الأجنبي، واليوم يعود من جديد إلى هذا النوع من العقود، وبحلة جديدة، وبدوافع أخرى، ليجعل منها هي الأصل، ضامنا للأجير الاستقرار في العمل، والعيش الكريم، متأثرا بالتيارات الحقوقية السائدة حاليا. أما بخصوص عقود الشغل محددة المدة، فقد أباحها بشروط، جاعلا منها استثناء من القاعدة، لدوافع اقتصادية تتعلق بالمقاولة؛ والتي سنتناول الدوافع الداعية إليها بتفصيل في محورين اثنين، أولها يعود إلى طبيعة نشاط المقاولة، والآخر إلى عنصر المجازفة التي يتطلبها الاستثمار في بدايته:
- طبيعة نشاط المقاولة:
سمح المشرع لطرفي العلاقة الشغلية، بناء على المادة 16 من مدونة الشغل، بإبرام عقود الشغل المحددة المدة، لعلة تتعلق بنشاط المقاولة الذي قد يكون مؤقتا، يتوقف بانتهاء الأشغال كبناء سد أو شق طريق. وكذلك لعلة الطبيعة الموسمية للشغل، كالإشغال بمهرجان فني أو تظاهرة رياضية يقامان سنويا، أو بشكل دوري أي موسمي، كالعمل بموسم فلاحي، كالحصاد، أو الحرث، أو جني الثمار، أو موسم سياحي أثناء ازدهاره. هذا إضافة لإمكانية إحلال أجير محل أجير توقف مؤقتا عن نشاطه لسبب غير الإضراب؛ كإبرام عقد شغل محدد المدة مع سكرتيرة لتحل محل سابقتها، خلال مدة إجازة ولادة هذه الأخيرة المحددة في أربعة عشر أسبوعا.
وللإشارة، ففي هذه الحالات لم يحدد المشرع سقفا لمدة العقد محدد المدة، وبذلك تبقى مدته مفتوحة.
إذن، فهنا تبدو إرادة المشرع واضحة، في حصر الحالات التي يمكن فيها إبرام هذا النوع من العقود، مستندا على الطبيعة المؤقتة للنشاط، وإن كان الواقع العملي يفيد بأنه قد تم التوسع في تفسير مفهوم "ازدياد نشاط" المقاولة، وكذا الطبيعة الموسمية للشغل؛ وهو ما أدى إلى شيوع إبرام عقود الشغل محددة المدة، لتصبح في بعض القطاعات هي الأصل، خصوصا أن المشرع لم يرتب اللجوء إلى هذا النوع من العقود في المجالات غير المسموح بها بأية جزاءات.
وتضيف المادة 16 المذكورة إمكانية إبرام هذا الصنف من العقود كذلك في بعض القطاعات، والحالات الاستثنائية، التي ستحدد بموجب نص تنظيمي، بعد استشارة المنظمات المهنية والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلية. وفي هذا المضمار، فإذا كانت بعض القطاعات التي يجب أن سيحددها النص التنظيمي يعرف نشاطها انخفاضا واضحا خلال بعض فترات السنة، كالسياحة ومقاولات التصبير أو التلفيف للمنتجات الفلاحية، فإن التوافق بين ممثلي الأجراء وبين ممثلي المشغلين يبقى بعيد المنال بالنسبة إلى باقي القطاعات؛ فإن كانت المنظمات النقابية تسعى إلى تقليص عدد القطاعات، والحالات المعنية، فإن ممثلي المؤاجرين يسعون إلى فتح الباب على مصراعيه في هذا المجال. ولعل مرد ذلك لغياب معرفة المقصود بالحالات الاستثنائية موضوع النص التنظيمي التي نص عليها القانون.
- عنصر المجازفة في الاستثمار:
في إطار التشجيع على الاستثمار بدفع الأفراد إلى فتح مقاولات، تقوم الدولة بعدة تسهيلات وإعفاءات ضريبية، لتخفيف التكاليف الأولية لإنشاء الوحدات الإنتاجية؛ نظرا للصعوبات التي تعرفها هذه المشاريع في بدايتها إلى حين استئناسها بسوق المنافسة. وفي الاتجاه نفسه سارت مدونة الشغل في المادة 17، في مجال التشغيل، حيث سمحت بإبرام عقود شغل محددة المدة عند فتح مقاولة لأول مرة، أو مؤسسة جديدة، أو إطلاق منتوج جديد لأول مرة؛ إلا أنها هذه المرة قيدت هذه الإباحة بمدة أقصاها سنة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة. لتبقى المدة المسموح بها هي سنتان على أبعد تقدير، وهي المدة – حسب تقدير المشرع – التي تمكن المشغل من التموقع بسوق المنافسة بأريحية؛ ضامنة له الاستمرارية.
وفي القطاع الفلاحي حدد المشرع هذه المدة في ستة أشهر قابلة للتجديد، على ألا تتجاوز مدة العقود المبرمة سنتين؛ وبعدها يصبح العقد غير محدد المدة. ومرد تخفيض المشرع لمدة العقد المسموح بها من سنة إلى ستة أشهر، للطبيعة الموسمية للقطاع الفلاحي .
لنستخلص من كل هذا أن أرادة المشرع واضحة، جاعلة العقود غير محددة المدة هي الأصل، ومحددة المدة هي الاستثناء.
ب – عقد الشغل من منظور الاتحاد العام لمقاولات المغرب:
تعتبر المقتضيات القانونية المتعلقة بعقد الشغل وبمدته والأجر والمؤسسات التمثيلية بمثابة المادة الصلبة بمدونة الشغل؛ والمحاور الأساسية التي من خلالها يمكننا ضبط تنظيم العلاقات المهنية؛ سواء منها الفردية أو الجماعية. وعلى هذا الأساس، بنى الاتحاد العام لمقاولات المغرب مشروعه الاجتماعي، الذي أصدره على شكل "دليل عملي"؛ ففي بادئ الأمر، سلط أضواءه على المادتين 16 و17 من مدونة الشغل، المحددتين للحالات الحصرية التي يسمح فيها القانون بإبرام عقود شغل محددة المدة، مثيرا وجود صعوبات في تطبيق هده المقتضيات- حسب رأيه-، وبالخصوص المتعلقة بالمادة الأولى، متمنيا تدارك هذه الصعوبات بالنص التنظيمي المرتقب إصداره؛ مقدما مشروعا لهذه المادة التنظيمية، اقترح من خلاله إقرار عقود العمل لوقت جزئي، أي لمدة دون المدة القانونية الأسبوعية، كنوع جديد لعقد الشغل، يضاف إلى عقد الشغل محدد المدة، وكذلك عقود العمل بغاية إنجاز شغل معين، سعيا منها إلى توسيع مجال المرونة في التشغيل.
إن الدستور المغربي خوّل للحكومة مهمة السلطة التنظيمية، التي يمارسها رئيس الحكومة، ويوقعها بالعطف الوزير المكلف بتنفيذها، ولم يضعها تحت أية رقابة، سواء كانت برلمانية أو غيرها، إلا إذا نص في صلب القانون إلزامية استشارة جهات معينة، كما هو الأمر بالمادة 16، التي دعت إلى استشارة المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية الأكثر تمثيلا.
وإذا اعتبرنا ما ورد ب"الدليل" الصادر عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب رأيا في الموضوع، وتصورا لما يصبو إليه في رسم طبيعة العلاقة التي تربطه بالأجير، والذي جاء على شكل مشروع نص تنظيمي مقترح، وبعد قراءة متأنية له، فلا بأس من الإشارة إلى الملاحظات التالية:
+ قام المشروع المقترح بتعريف لعقد الشغل محدد المدة، بكونه: "عقد يقوم على إثره تشغيل أجير من طرف مشغل، لمدة محددة، أو لتنفيذ مهمة محددة ومؤقتة، فقط في الحالات التي يسمح فيها القانون". ويضيف المشروع بإمكانية إبرام هذه العقود في جميع القطاعات، سواء منها الفلاحية أو غير الفلاحية، وفي جميع الحالات التي لا تكون فيها علاقة الشغل ذات طبيعة دائمة.
إن التعاريف من حيث المبدأ تعود إلى القوانين وليس إلى النصوص التنظيمية، إضافة إلى كون النصوص القانونية الحديثة أصبحت تتفاداها - إلا للضرورة – وبالخصوص القوانين التي تنظم علاقات تعرف تطورا سريعا بين الأفراد، كما هو الأمر بالعلاقة الشغلية؛ فقد فعل المشرع خيرا بعدم تعريفه لعقد الشغل بالمدونة، بل اكتفى بتعريف كل من الأجير والمؤاجر، ومن خلال التعريفين يمكن أن نستنبط تعريفا لعقد الشغل. وبذلك، لا يمكننا أن نتصور أن يقوم نص تنظيمي بهذه المهمة.
- إن المطلوب من النص التنظيمي للمادة 16 من مدونة الشغل هو تحديد القطاعات والحالات الاستثنائية التي يسمح فيها بإبرام عقود الشغل محددة المدة، التي تضاف إلى حالات إحلال أجير محل أجير في حالة توقف عقد شغل هذا الأجير، وازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة وإن كان الشغل ذا طبيعية موسمية؛ إلا أن الملاحظ في المشروع المقترح من لدن الاتحاد العام لمقاولات المغرب أنه وسع مجال النص التنظيمي، قياسا بما أسماه إنجاز "مهمة محددة زمنيا" وكذلك ما أسماه "صفقة خدمات محددة زمنيا"، وهي حالات لم ترد في النص القانوني، وليست لها طبيعة تنظيمية. وبذلك، يكون هاجس المشروع هو توسيع فضاء المرونة في التشغيل، بفتح المجال أمام إبرام عقود الشغل محدد المدة بشكل واسع، وليس هو ما يصبو إليه المشرع، من خلال هاتين المادتين 16 و17 من مدونة الشغل، المحددتين للحالات المسموح في إطارها إبرام عقود الشغل محددة المدة، الشيء الذي يجعل من هذه الأخيرة استثناء، وغير محدد المدة هو الأصل.
- هناك مقترحات في المشروع (المادة 2) ليست لها الصبغة التنظيمية، وإنما هي ذات طابع قانوني، وتم ذكرها فضلا عن دلك في المدونة كما هو الشأن:
- فقرة "تشغيل أجير في شغل لا يمكن أن يتم في إطار عقد شغل غير محدد المدة"؛ وهو مقتضى ذكر أصلا بالمادة 16؛
- وكذا ما ورد به من إمكانية إبرام عقود شغل محددة المدة عند افتتاح المقاولة لأول مرة أو مؤسسة جديدة، أو إطلاق منتوج جديد لأول مرة، وهي مقتضيات وردت بالمادة 17 من مدونة الشغل؛ فالنص التنظيمي هو تنظيم لكيفية تطبيق القانون، بدون إضافات تشريعية، فقد يكون مفسرا لروحه وليس متمما له ولا مقيدا له.
- تطرق الاتحاد العام لمقاولات المغرب للصعوبات التي تشوب إبرام عقود الشغل محددة المدة في المجال الفلاحي؛ فحين سمح المشرع المغربي بإبرام هذا النوع من العقود، حدد مدتها في ستة أشهر قابلة للتجديد، على ألا تتجاوز مدة العقود المبرمة سنتين، ويصبح العقد بعد ذلك غير محدد المدة. وبناء على هذا، يرى الاتحاد المذكور أن هناك صعوبة في إبرام عقود شغل محددة المدة لأشغال مرتبطة بمواسم فلاحية مختلفة ومتتالية. وبذلك نرى أننا قد ابتعدنا عن مفهوم العمل الموسمي في المجال الزراعي، بحيث أصبح لا يجوز تشغيل أجراء في موسم فلاحي معين، سبق أن اشتغلوا في الضيعة نفسها خلال سنتين في موسم سابق، وإلا أصبحوا أجراء قارين، وهذا ما سار عليه القضاء في تفسير النص، مجانبا المنطق في تفسير الشغل ذي الطبيعة الموسمية، الذي سمحت به المادة 16 بشكل مطلق.
إننا نتقاسم الرأي مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بأن المشرع المغربي لم يبذل جهدا كبيرا في صياغة هذا النص، وبالدقة اللازمة التي تحميه من سوء التفسير، عند التمييز بين الأجير القار وبين الأجير الموسمي في المجال الفلاحي، لا من لدن القضاء فحسب، بل كذا من أطراف العلاقة الشغلية، وجهاز تفتيش الشغل، لتمييز الأجراء القارين عن الموسميين بالاستغلاليات الفلاحية.
- طالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بإصدار مذكرة توضيحية، أو دليل تطبيقي، لتفسير مجال تطبيق المادة 17، لتحديد مساحة مرونته، من حيث القطاعات أو الأنشطة المعنية؛ وهو أمر نوافقهم عليه، وذلك لتوحيد التفسير على الأقل على مستوى مفتشيات الشغل بربوع المملكة، بل ونتمنى أن يصبح ذلك تقليدا تقوم به وزارة الشغل والإدماج المهني، بخصوص العديد من الإشكاليات التي تطرحها مدونة الشغل؛ وذلك انطلاقا من الأعمال التحضيرية، التي على ضوئها يمكن الوقوف على إرادة المشرع لتفادي سوء التفسير، على الأقل في انتظار أن يستقر القضاء على تفسير موحد.
- جاء في "الدليل"، الذي أصدره الاتحاد العام لمقاولات المغرب، اقتراحا حول إمكانية إبرام عقود للشغل، بما اصطلحت عليه ب"العمل لوقت جزئي"، contrat de travail a temps partiel، بموجبه يتفق أطراف العلاقة الشغلية على مدة عمل في الأسبوع أو السنة أقل من المدة المحددة قانونيا التي هي 44 ساعة في الأسبوع أو 2288 ساعة في السنة، وهو مطلب يقدمه الاتحاد إلى المشرع للسماح به وتنظيمه، دعما للمقاولة، وفتح باب نوع جديد من العقود.
إننا نرى، إن كان المشرع المغربي لم يشر إلى هذا النوع من العقود، كما فعل المشرع التونسي بالفصل 94 مكرر وما يليه من "مجلة الشغل التونسية"، إلا أنه – المشرع المغربي- لم يمنع إبرام هدا النوع من عقود الشغل، بل تركه لتراضي الطرفين؛ فالأصل في الأمور الإباحة، فمن خلال المادة 6 من مدونة الشغل، عرف المشرع الأجير "بكونه شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين.....".. وبذلك، فإن اشتغال الأجير عند عدة مشغلين لا يمكن أن نتصوره إلا في إطار هذا النوع من العقود الذي يقترحه الاتحاد؛ شريطة أن يكون مكتوبا، ومحددا لعدد ساعات العمل المتفق عليها في الأسبوع أو السنة، وألا يخالف الحد الأدنى من الحقوق التي يضمنها القانون للأجير بصفة عامة.
يتبع ...
ممارس وباحث في القانون الاجتماعي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.