الرباط.. اختتام أشغال مؤتمر دولي حول الزراعة البيولوجية والإيكولوجية    المغرب يترقب اللحظة المواتية لخروج الخزينة إلى السوق الدولية    بوانو يتهم الحكومة بالتورط في تخفيض رسوم استيرداد العسل لفائدة برلماني يستورد 80 في المائة منه (فيديو)    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    "كوباك" تدعم التلاميذ ب "حليب المدرسة"    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    مقتل 10 اشخاص في حريق بدار للمسنين في شمال شرقي لإسبانيا    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة        الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    ذكرى عودة محمد الخامس من المنفى: مناسبة لاستحضار أمجاد ملحمة بطولية في مسيرة الكفاح الوطني لنيل الاستقلال    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    كيوسك الجمعة | المغرب يسجل 8800 إصابة بسرطان الرئة سنويا            زيارة المسؤول الإيراني للمغرب.. هل هي خطوة نحو فتح باب التفاوض لإعادة العلاقات بين البلدين؟    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    النيابة العامة وتطبيق القانون    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية        غسل الأموال وتمويل الإرهاب… وزارة الداخلية تضع الكازينوهات تحت المجهر    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد العام لمقاولات المغرب .. بين الانفتاح والتحفظ على مقتضيات مدونة الشغل
نشر في هسبريس يوم 04 - 07 - 2017


(1/5)
هل الدولة في خدمة المقاولة، أم المقاولة في خدمة الدولة؟ فكل منهما ترى في الأخرى سر خلودها. المقاولة تبحث عن حضانة الدولة، وهذه الأخيرة تراهن على الأخرى اقتصاديا واجتماعيا؛ إلا أنهما في الحقيقة ليستا في حاجة معا إلى حضانة أو إلى رهان، بل لتعايش، تعايش ثلاثي الأضلاع، يربط الدولة بالمقاولة، ويربط هده الأخيرة بالنقابة. تعايش لا يجب أن يكون على مضض بل على اختيار وحرية، قوامه التوازن والاتزان، يحيا على إكسير الحق، ونبض القانون.
أصدر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بمناسبة الذكرى العاشرة على سريان مفعول قانون رقم 99/65 بمثابة مدونة الشغل، "دليلا" عمليا لمنخرطيه في موضوع: مدونة الشغل، في خدمة التنمية، والمسؤولية الاجتماعية؛ وهي مبادرة مهمة أخذت بها أهم منظمة مهنية للمشغلين بالمغرب، تكشف من خلالها عن اهتمامها البالغ بأهمية وضرورة تعايش المقاولة مع أجرائها، ضمانا لاستمرارية نشاطها، واستقرار العلاقات المهنية. وتعبر هذه المبادرة في الوقت نفسه عن موقفها من مدونة الشغل، من حيث انسجامها ومواكبتها لإيقاع التطورات الاقتصادية التي يعرفها المغرب خاصة، والمجتمع الدولي عامة، وانعكاس ذلك على السير العادي لقاطرة الاستثمار، والرؤيا المستقبلية في المجالين؛ تحقيقا للعدالة الاجتماعية، بالنسبة إلى المقاولة وأجرائها على السواء.
من خلال ما قيل يتضح أن الاتحاد أصبح يعي جيدا أهمية الرأسمال البشري في إنجاح المقاولة، ويعي كذلك أن هذا الأخير أصبح طرفا حقيقيا في اللعبة الاقتصادية، جاء ذلك نتيجة لمفاوضات واحتكاكات مع المؤسسات التمثيلية، بما فيها المنظمات النقابية؛ إضافة إلى التأثير الدولي الحقوقي علي المشغلين؛ وهذا في حد ذاته يعد مكسبا للأطراف، وللمناخ الاجتماعي بالمغرب عامة.
ومن هنا، يأتي اهتمام المنظمة المهنية بإصدارها لهذا "الدليل" تواصلا منها مع محيطها عامة، والمقاولات المنضوية تحت لوائها خاصة، بتناولها للعديد من المواضيع القانونية المنظمة للعلاقة المهنية، والتي تربط المقاولة بأجرائها، سواء منها الفردية او الجماعية، مع التركيز على عقد الشغل وطبيعته، وآثاره من حيث المرونة في التشغيل.
أ - تطور عقد الشغل بالمغرب:
قبل سنة 1913، كانت العلاقات المهنية في المغرب - في غياب نصوص قانون – تنظمها الأعراف والعادات المحلية؛ فقد كان سائدا في المجال القروي نظاما شبيها بنظام الرق، يتملك فيه رب العمل الأرض ومن يحرثها. وفي المجال الحضري العلاقة السائدة، علاقة "معلم" و"متعلم" وهي مبنية على توجيه الأوامر، والإذعان المطلق. وكانت معروفة بالخصوص بالمدن العتيقة في الحرف اليدوية، من دباغة وحدادة وحياكة وغيرها من الصناعات التقليدية. هذا إضافة إلى خادمات البيوت، حيث كانت الخادمة تلقب ب"دادا" والتي لها علاقة تبعية روحية قريبة من الملكية، بحيث تورث الخادمة أبا عن جد.
وبحلول عهد الحماية، صدر قانون الالتزامات والعقود المغربي لسنة 1913، والذي يمكن اعتباره امتدادا للتشريع المدني الفرنسي. ولكون هذا الأخير يمنح للبرجوازية الفرنسية امتيازات تشريعية خاصة، تضمن لها الاستقرار والثبات، والذي ينبنى على ثلاثة مبادئ قارة: الملكية حق مطلق، العقد شريعة المتعاقدين، ولا مسؤولية بدون خطأ.. وهي مبادئ مستمدة من مدونة نابليون، الصادرة بتاريخ 21 مارس 1804؛ فإن إصدار قانون الالتزامات والعقود المغربي كان بمثابة الأرض الخصبة للمستثمر المعمر الفرنسي، والأوروبي، في مجالي الاقتصاد والمال، مما ينعكس تلقائيا على العلاقات المهنية، حيث يعتبر صدور هذا القانون بداية تنظيم العلاقة الشغلية بين الأجير والمؤاجر، بعد التنصيص لأول مرة على عقد "إجارة الصنعة" الذي يقابله حاليا عقد المقاولة، وعقد "إجارة الخدمة" الذي يقابله حاليا عقد الشغل. وأهم ما يثير الانتباه من مضمون هذا القانون أنه بعد تعريفه للعقدين، تم تحريم استخدام شخص لأجل غير محدد، أو لأداء عمل غير معين، وبطلان كل التزام من شخص يقدم خدماته طوال حياته، أو لمدة تبلغ من الطول حدا بحيث يظل ملتزما حتى موته. وبذلك، يمكننا أن نستخلص أن هذا القانون لا يجيز إبرام عقود شغل غير محددة المدة، أي جاء ليضع حدا لطبيعة العلاقة الشغلية التي كانت سائدة آنذاك، كما سلف الذكر، المبيحة لامتلاك المستأجرين من لدن كبار الملاكين المغاربة، إلى جانب امتلاك الأراضي. وقد جاء هذا الإصلاح التشريعي ليس بالضرورة لأسباب حقوقية أو إنسانية، بل لفتح المجال للمعمر الوافد الجديد، للاستفادة من خدمات هذه الموارد.
إذن، فالمشرع وضع حدا لإبرام عقود الشغل غير محددة المدة قبل حوالي قرن من الزمن، لتحرير العامل من "الرق"، وخدمة للاستثمار الأجنبي، واليوم يعود من جديد إلى هذا النوع من العقود، وبحلة جديدة، وبدوافع أخرى، ليجعل منها هي الأصل، ضامنا للأجير الاستقرار في العمل، والعيش الكريم، متأثرا بالتيارات الحقوقية السائدة حاليا. أما بخصوص عقود الشغل محددة المدة، فقد أباحها بشروط، جاعلا منها استثناء من القاعدة، لدوافع اقتصادية تتعلق بالمقاولة؛ والتي سنتناول الدوافع الداعية إليها بتفصيل في محورين اثنين، أولها يعود إلى طبيعة نشاط المقاولة، والآخر إلى عنصر المجازفة التي يتطلبها الاستثمار في بدايته:
- طبيعة نشاط المقاولة:
سمح المشرع لطرفي العلاقة الشغلية، بناء على المادة 16 من مدونة الشغل، بإبرام عقود الشغل المحددة المدة، لعلة تتعلق بنشاط المقاولة الذي قد يكون مؤقتا، يتوقف بانتهاء الأشغال كبناء سد أو شق طريق. وكذلك لعلة الطبيعة الموسمية للشغل، كالإشغال بمهرجان فني أو تظاهرة رياضية يقامان سنويا، أو بشكل دوري أي موسمي، كالعمل بموسم فلاحي، كالحصاد، أو الحرث، أو جني الثمار، أو موسم سياحي أثناء ازدهاره. هذا إضافة لإمكانية إحلال أجير محل أجير توقف مؤقتا عن نشاطه لسبب غير الإضراب؛ كإبرام عقد شغل محدد المدة مع سكرتيرة لتحل محل سابقتها، خلال مدة إجازة ولادة هذه الأخيرة المحددة في أربعة عشر أسبوعا.
وللإشارة، ففي هذه الحالات لم يحدد المشرع سقفا لمدة العقد محدد المدة، وبذلك تبقى مدته مفتوحة.
إذن، فهنا تبدو إرادة المشرع واضحة، في حصر الحالات التي يمكن فيها إبرام هذا النوع من العقود، مستندا على الطبيعة المؤقتة للنشاط، وإن كان الواقع العملي يفيد بأنه قد تم التوسع في تفسير مفهوم "ازدياد نشاط" المقاولة، وكذا الطبيعة الموسمية للشغل؛ وهو ما أدى إلى شيوع إبرام عقود الشغل محددة المدة، لتصبح في بعض القطاعات هي الأصل، خصوصا أن المشرع لم يرتب اللجوء إلى هذا النوع من العقود في المجالات غير المسموح بها بأية جزاءات.
وتضيف المادة 16 المذكورة إمكانية إبرام هذا الصنف من العقود كذلك في بعض القطاعات، والحالات الاستثنائية، التي ستحدد بموجب نص تنظيمي، بعد استشارة المنظمات المهنية والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلية. وفي هذا المضمار، فإذا كانت بعض القطاعات التي يجب أن سيحددها النص التنظيمي يعرف نشاطها انخفاضا واضحا خلال بعض فترات السنة، كالسياحة ومقاولات التصبير أو التلفيف للمنتجات الفلاحية، فإن التوافق بين ممثلي الأجراء وبين ممثلي المشغلين يبقى بعيد المنال بالنسبة إلى باقي القطاعات؛ فإن كانت المنظمات النقابية تسعى إلى تقليص عدد القطاعات، والحالات المعنية، فإن ممثلي المؤاجرين يسعون إلى فتح الباب على مصراعيه في هذا المجال. ولعل مرد ذلك لغياب معرفة المقصود بالحالات الاستثنائية موضوع النص التنظيمي التي نص عليها القانون.
- عنصر المجازفة في الاستثمار:
في إطار التشجيع على الاستثمار بدفع الأفراد إلى فتح مقاولات، تقوم الدولة بعدة تسهيلات وإعفاءات ضريبية، لتخفيف التكاليف الأولية لإنشاء الوحدات الإنتاجية؛ نظرا للصعوبات التي تعرفها هذه المشاريع في بدايتها إلى حين استئناسها بسوق المنافسة. وفي الاتجاه نفسه سارت مدونة الشغل في المادة 17، في مجال التشغيل، حيث سمحت بإبرام عقود شغل محددة المدة عند فتح مقاولة لأول مرة، أو مؤسسة جديدة، أو إطلاق منتوج جديد لأول مرة؛ إلا أنها هذه المرة قيدت هذه الإباحة بمدة أقصاها سنة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة. لتبقى المدة المسموح بها هي سنتان على أبعد تقدير، وهي المدة – حسب تقدير المشرع – التي تمكن المشغل من التموقع بسوق المنافسة بأريحية؛ ضامنة له الاستمرارية.
وفي القطاع الفلاحي حدد المشرع هذه المدة في ستة أشهر قابلة للتجديد، على ألا تتجاوز مدة العقود المبرمة سنتين؛ وبعدها يصبح العقد غير محدد المدة. ومرد تخفيض المشرع لمدة العقد المسموح بها من سنة إلى ستة أشهر، للطبيعة الموسمية للقطاع الفلاحي .
لنستخلص من كل هذا أن أرادة المشرع واضحة، جاعلة العقود غير محددة المدة هي الأصل، ومحددة المدة هي الاستثناء.
ب – عقد الشغل من منظور الاتحاد العام لمقاولات المغرب:
تعتبر المقتضيات القانونية المتعلقة بعقد الشغل وبمدته والأجر والمؤسسات التمثيلية بمثابة المادة الصلبة بمدونة الشغل؛ والمحاور الأساسية التي من خلالها يمكننا ضبط تنظيم العلاقات المهنية؛ سواء منها الفردية أو الجماعية. وعلى هذا الأساس، بنى الاتحاد العام لمقاولات المغرب مشروعه الاجتماعي، الذي أصدره على شكل "دليل عملي"؛ ففي بادئ الأمر، سلط أضواءه على المادتين 16 و17 من مدونة الشغل، المحددتين للحالات الحصرية التي يسمح فيها القانون بإبرام عقود شغل محددة المدة، مثيرا وجود صعوبات في تطبيق هده المقتضيات- حسب رأيه-، وبالخصوص المتعلقة بالمادة الأولى، متمنيا تدارك هذه الصعوبات بالنص التنظيمي المرتقب إصداره؛ مقدما مشروعا لهذه المادة التنظيمية، اقترح من خلاله إقرار عقود العمل لوقت جزئي، أي لمدة دون المدة القانونية الأسبوعية، كنوع جديد لعقد الشغل، يضاف إلى عقد الشغل محدد المدة، وكذلك عقود العمل بغاية إنجاز شغل معين، سعيا منها إلى توسيع مجال المرونة في التشغيل.
إن الدستور المغربي خوّل للحكومة مهمة السلطة التنظيمية، التي يمارسها رئيس الحكومة، ويوقعها بالعطف الوزير المكلف بتنفيذها، ولم يضعها تحت أية رقابة، سواء كانت برلمانية أو غيرها، إلا إذا نص في صلب القانون إلزامية استشارة جهات معينة، كما هو الأمر بالمادة 16، التي دعت إلى استشارة المنظمات المهنية للمشغلين، والمنظمات النقابية الأكثر تمثيلا.
وإذا اعتبرنا ما ورد ب"الدليل" الصادر عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب رأيا في الموضوع، وتصورا لما يصبو إليه في رسم طبيعة العلاقة التي تربطه بالأجير، والذي جاء على شكل مشروع نص تنظيمي مقترح، وبعد قراءة متأنية له، فلا بأس من الإشارة إلى الملاحظات التالية:
+ قام المشروع المقترح بتعريف لعقد الشغل محدد المدة، بكونه: "عقد يقوم على إثره تشغيل أجير من طرف مشغل، لمدة محددة، أو لتنفيذ مهمة محددة ومؤقتة، فقط في الحالات التي يسمح فيها القانون". ويضيف المشروع بإمكانية إبرام هذه العقود في جميع القطاعات، سواء منها الفلاحية أو غير الفلاحية، وفي جميع الحالات التي لا تكون فيها علاقة الشغل ذات طبيعة دائمة.
إن التعاريف من حيث المبدأ تعود إلى القوانين وليس إلى النصوص التنظيمية، إضافة إلى كون النصوص القانونية الحديثة أصبحت تتفاداها - إلا للضرورة – وبالخصوص القوانين التي تنظم علاقات تعرف تطورا سريعا بين الأفراد، كما هو الأمر بالعلاقة الشغلية؛ فقد فعل المشرع خيرا بعدم تعريفه لعقد الشغل بالمدونة، بل اكتفى بتعريف كل من الأجير والمؤاجر، ومن خلال التعريفين يمكن أن نستنبط تعريفا لعقد الشغل. وبذلك، لا يمكننا أن نتصور أن يقوم نص تنظيمي بهذه المهمة.
- إن المطلوب من النص التنظيمي للمادة 16 من مدونة الشغل هو تحديد القطاعات والحالات الاستثنائية التي يسمح فيها بإبرام عقود الشغل محددة المدة، التي تضاف إلى حالات إحلال أجير محل أجير في حالة توقف عقد شغل هذا الأجير، وازدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة وإن كان الشغل ذا طبيعية موسمية؛ إلا أن الملاحظ في المشروع المقترح من لدن الاتحاد العام لمقاولات المغرب أنه وسع مجال النص التنظيمي، قياسا بما أسماه إنجاز "مهمة محددة زمنيا" وكذلك ما أسماه "صفقة خدمات محددة زمنيا"، وهي حالات لم ترد في النص القانوني، وليست لها طبيعة تنظيمية. وبذلك، يكون هاجس المشروع هو توسيع فضاء المرونة في التشغيل، بفتح المجال أمام إبرام عقود الشغل محدد المدة بشكل واسع، وليس هو ما يصبو إليه المشرع، من خلال هاتين المادتين 16 و17 من مدونة الشغل، المحددتين للحالات المسموح في إطارها إبرام عقود الشغل محددة المدة، الشيء الذي يجعل من هذه الأخيرة استثناء، وغير محدد المدة هو الأصل.
- هناك مقترحات في المشروع (المادة 2) ليست لها الصبغة التنظيمية، وإنما هي ذات طابع قانوني، وتم ذكرها فضلا عن دلك في المدونة كما هو الشأن:
- فقرة "تشغيل أجير في شغل لا يمكن أن يتم في إطار عقد شغل غير محدد المدة"؛ وهو مقتضى ذكر أصلا بالمادة 16؛
- وكذا ما ورد به من إمكانية إبرام عقود شغل محددة المدة عند افتتاح المقاولة لأول مرة أو مؤسسة جديدة، أو إطلاق منتوج جديد لأول مرة، وهي مقتضيات وردت بالمادة 17 من مدونة الشغل؛ فالنص التنظيمي هو تنظيم لكيفية تطبيق القانون، بدون إضافات تشريعية، فقد يكون مفسرا لروحه وليس متمما له ولا مقيدا له.
- تطرق الاتحاد العام لمقاولات المغرب للصعوبات التي تشوب إبرام عقود الشغل محددة المدة في المجال الفلاحي؛ فحين سمح المشرع المغربي بإبرام هذا النوع من العقود، حدد مدتها في ستة أشهر قابلة للتجديد، على ألا تتجاوز مدة العقود المبرمة سنتين، ويصبح العقد بعد ذلك غير محدد المدة. وبناء على هذا، يرى الاتحاد المذكور أن هناك صعوبة في إبرام عقود شغل محددة المدة لأشغال مرتبطة بمواسم فلاحية مختلفة ومتتالية. وبذلك نرى أننا قد ابتعدنا عن مفهوم العمل الموسمي في المجال الزراعي، بحيث أصبح لا يجوز تشغيل أجراء في موسم فلاحي معين، سبق أن اشتغلوا في الضيعة نفسها خلال سنتين في موسم سابق، وإلا أصبحوا أجراء قارين، وهذا ما سار عليه القضاء في تفسير النص، مجانبا المنطق في تفسير الشغل ذي الطبيعة الموسمية، الذي سمحت به المادة 16 بشكل مطلق.
إننا نتقاسم الرأي مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بأن المشرع المغربي لم يبذل جهدا كبيرا في صياغة هذا النص، وبالدقة اللازمة التي تحميه من سوء التفسير، عند التمييز بين الأجير القار وبين الأجير الموسمي في المجال الفلاحي، لا من لدن القضاء فحسب، بل كذا من أطراف العلاقة الشغلية، وجهاز تفتيش الشغل، لتمييز الأجراء القارين عن الموسميين بالاستغلاليات الفلاحية.
- طالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بإصدار مذكرة توضيحية، أو دليل تطبيقي، لتفسير مجال تطبيق المادة 17، لتحديد مساحة مرونته، من حيث القطاعات أو الأنشطة المعنية؛ وهو أمر نوافقهم عليه، وذلك لتوحيد التفسير على الأقل على مستوى مفتشيات الشغل بربوع المملكة، بل ونتمنى أن يصبح ذلك تقليدا تقوم به وزارة الشغل والإدماج المهني، بخصوص العديد من الإشكاليات التي تطرحها مدونة الشغل؛ وذلك انطلاقا من الأعمال التحضيرية، التي على ضوئها يمكن الوقوف على إرادة المشرع لتفادي سوء التفسير، على الأقل في انتظار أن يستقر القضاء على تفسير موحد.
- جاء في "الدليل"، الذي أصدره الاتحاد العام لمقاولات المغرب، اقتراحا حول إمكانية إبرام عقود للشغل، بما اصطلحت عليه ب"العمل لوقت جزئي"، contrat de travail a temps partiel، بموجبه يتفق أطراف العلاقة الشغلية على مدة عمل في الأسبوع أو السنة أقل من المدة المحددة قانونيا التي هي 44 ساعة في الأسبوع أو 2288 ساعة في السنة، وهو مطلب يقدمه الاتحاد إلى المشرع للسماح به وتنظيمه، دعما للمقاولة، وفتح باب نوع جديد من العقود.
إننا نرى، إن كان المشرع المغربي لم يشر إلى هذا النوع من العقود، كما فعل المشرع التونسي بالفصل 94 مكرر وما يليه من "مجلة الشغل التونسية"، إلا أنه – المشرع المغربي- لم يمنع إبرام هدا النوع من عقود الشغل، بل تركه لتراضي الطرفين؛ فالأصل في الأمور الإباحة، فمن خلال المادة 6 من مدونة الشغل، عرف المشرع الأجير "بكونه شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين.....".. وبذلك، فإن اشتغال الأجير عند عدة مشغلين لا يمكن أن نتصوره إلا في إطار هذا النوع من العقود الذي يقترحه الاتحاد؛ شريطة أن يكون مكتوبا، ومحددا لعدد ساعات العمل المتفق عليها في الأسبوع أو السنة، وألا يخالف الحد الأدنى من الحقوق التي يضمنها القانون للأجير بصفة عامة.
يتبع ...
ممارس وباحث في القانون الاجتماعي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.