منذ دستور فاتح يوليوز 2011، دخلت المملكة مرحلة جديدة من إقرار منظومة من المؤسسات والمجالس ذات الصلاحيات الواسعة والأبعاد استراتيجية؛ منها "المجلس الأعلى للأمن"، بصفته جهازا يرسم السياسات الأمنية ويراقب ويشرف على تنفيذها. ولأول مرة في تاريخ التشريع المغربي، ينص الفصل 54 من الدستور على إحداث مجلس أعلى للأمن بصفته "هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة"، وهي المؤسسة الدستورية التي يرأسها الملك الذي له حق تفويض رئاسة اجتماعها لرئيس الحكومة على أساس جدول أعمال محدد. وفي ما يخص تشكيلة المجلس، يشير الفصل المذكور إلى عضوية كل من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى جانب وزراء الداخلية والخارجية والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يُعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. وبعد مرور ست سنوات على إقرار الدستور للمجلس الأعلى للأمن، والإشارة إلى ضرورة إحداث نظام داخلي للمجلس يحدد قواعد تنظيمه وتسييره، فإن هذه المؤسسة الاستراتيجية الهامة لم تر النور بعد، بالرغم من أهميتها الاستراتيجية في تقوية مأسسة السياسة الأمنية للمملكة التي تعيش في ظل رقعة جغرافية إقليمية تهددها مخاطر أمنية متسارعة، كالإرهاب وتهريب البشر والسلاح والمخدرات والجريمة المنظمة. الصديق قسطالي الدامون، خبير في الشأن الأمني، شدد على الأهمية الدستورية في إقرار إحداث مجلس يهم الأمن القومي للمملكة، وقال إنه "تنصيص عالي المستوى لمأسسة السياسة الأمنية بالمغرب على المستوى الداخلي والخارجي والدفع بتوسيع المشاورات في الشأن الأمني للمملكة وتدبير حالات الأزمات التي قد تشكل مخاطر على الأمن القومي للدولة المغربية". وأشار ضابط الشرطة الممتاز المتقاعد من صفوف الأمن الوطني، في تصريح لهسبريس، إلى أهمية إشراك مدنيين في التشاور حول الشأن الأمني الداخلي والخارجي، ومنهم "رئيس الحكومة ووزراء في قطاعات العدل والداخلية والخارجية "، مؤكدا على ضرورة إضافة إدارة الجمارك ووزارة المالية، مستدلا على ذلك بالتجربة الفرنسية "التي أحدثت مجلس الأمن الداخلي". إشارة القسطالي أثارت جمع النموذج الفرنسي لمتدخلين من السلطة التنفيذية كممثلين عن وزارة العدل، وهي قطاع السجون ووزارتي الداخلية والدفاع، بما فيها الدرك، إلى جانب وزارة المالية والاقتصاد، بما فيها إدارة الجمارك، موردا أورد أنه تم فعلا تخصيص ميزانية خاصة للمجلس منذ 2011، وهو ما يحيل إلى وجود الإرادة لإخراج المجلس الأعلى للأمن إلى الوجود. ويرى المتحدث أن توجه الفصل 54 من الدستور يمضي صوب تظافر الجهود من أجل إنتاج نموذج متفرد من السياسات الأمنية ذات البعد الاستراتيجي بالمنطقة، "خاصة في شمال إفريقيا التي ينتمي إليها المغرب، وهي محط استهداف أمني لضرب استقرارها؛ فيكفي العلم بأن أزيد من 50 مليون قطعة سلاح تم تهريبها من ليبيا في السنوات الأخيرة، إضافة إلى الوضع الأمني المتدهور للجارة الجزائر".