جو روحاني ساد كل أحياء مدينة مراكش خلال ليلة القدر؛ إذ فتحت المساجد والزوايا أبوابها دون انقطاع، خلافا لباقي ليالي شهر الغفران، لإقامة الصلاة وشرب الشاي وأكل الكسكس. وبعد صلاتي العشاء والتراويح، تبقى المساجد والزوايا الصوفية مستمرة في جو إيماني بأداء صلاة التهجد، التي تخص يوما واحدا، فيما تنطلق ببعض المساجد منذ دخول العشر الأواخر. وإحياء لليلة القدر المباركة من شهر رمضان الجاري، وفي مسجد الكتبية، مثلا، ترأس عبد الفتاح البجيوي، والي جهة مراكش أسفي، بحضور رئيس المجلس الجماعي ورؤساء المصالح الخارجية ومسؤولين أمنيين، حفلا دينيا، بينما نظمت الزاوية التيجانية بحي المواسين، بعد صلاة التراويح، مسابقة في تجويد القرآن الكريم، شارك فيها مجموعة من الأطفال قدموا قراءات أتحفت مسامع الحاضرين. وعلى عكس عادات سابقة، انتفت بمعظم مساجد مدينة مراكش حيث استشرى الفكر السلفي قصاع الكسكس التي كانت تجلب ابتغاء لوجه الله في إطعام المصلين والمساكين. وكما تعم الأجواء الروحانية الاستثنائية مدينة سبعة رجال، تنشط تجارة الرصيف وينتشر الباعة الجائلون عارضين ملابس العيد بباب فتوح بالمدينة العتيقة، وشارع المصلى بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، وغيرها من المناطق كشارع الداخلة بالمسيرة ولقواس بالمحاميد. كما تنتعش تجارة البخور في ليلة القدر وفي اليوم الموالي لها؛ إذ يمتلئ محيط مقبرة باب أغمات بسيدي يوسف بن علي عن آخره بعربات الأعشاب والمواد المستعملة في الشعوذة، ويقبل روادها على إعمال وصفاتهم السحرية تزامنا مع قدوم ليلة القدر، اعتقادا منهم بقدسيتها وقدرة الجن على تنفيذ المطلوب فيها، كما يستعمل ماء الزهر في زيارة قبور الأهل والأحبة والدعاء لهم. النساء هن الأخريات يحضرن الصلاة في هذه الليلة المباركة في أمن وأمان حتى بالمناطق السوداء بكل مقاطعات مراكش، كسيدي يوسف بن علي، وعين إيطي والداوديات والمحاميد، ويقصدن المساجد ومنها البعيدة عن مقرات سكناهن دون خوف من أي يلحقهن أي أذى. سعيد لمغاري، إمام مسجد، قال إن "مدينة سبعة رجال العتيقة لها من الخصوصية ما يجعلها تستحق تسمية ألف زاوية وزاوية وقبلة المساجد؛ لأن كل هذه المؤسسات الدينية تحيي ليلة القدر، كالزاوية التيجانية بحي بريمة والمواسين، والدرقاوية، وسيدي بلعباس التي يقيم فيها المكفوفون". وأشار المتحدث ذاته إلى أن "هذه الليلة تتميز عند السادة المغاربة عن الليالي العشر بختم القرآن الكريم، وصحيح البخاري وشرحه، والتسبيح ومسابقة حفظ وتجويد القرآن". وفي السياق نفسه، قال حسن المازوني، أحد حفدة الزاوية الأمغارية ابن زاوية سيدي بلعباس، إن ليلة السابع والعشرين من رمضان "تشكل مناسبة تناجي فيها أسر كثيرة سِيدْنا قْدَرْ لوضع حد لتمنع الحظ عن أفرادها؛ لأن في ليلة القدر ترفع الأكف بالأدعية التي تختفي من أمامها الحواجز فتلبى بإذن من الله".