أنا، هنا، لست خبيراً إستراتيجيا ولا محللاً سياسياً.. أنا صحافي، ولا أدّعي المعرفة الخارقة والفهم الدقيق لتفاصيل الأمور.. لكن ولكوني صحافي متتبع للشأن العام وما يدور في بلدي، أعتقد أن الدولة وضعت نفسها في مأزق كبير حين اعتقلت ناصر الزفزافي ورفاقه بتلك الطريقة وفي تلك الظروف، وذهبت حدّ متابعتهم أمام القضاء بتهم ثقيلة جدّاً. الدولة، اليوم، في حرج كبير بعدما قررت متابعة الموقوفين في ملف "حراك الريف" بتهم خطيرة جدّاً يمكن إجمالها في "استهداف أمن الدولة وزعزعة استقرارها"، بحسب ما أعلن الوكيل العام الملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء. فإدانتهم بهاته التهم، خصوصا الزفزافي، لن تزيد الريف إلاّ غضباً والحسيمة إلاّ اشتعالاً، وستجد الدولة نفسها أمام مئات الزفزافيين الهائجين الذين لن يقبلوا بوقف الاحتجاج؛ لأنهم سيعتبرون ذلك خيانة لقضيتهم، ولمن سجن في سبيلها. كما أن الحكم ببراءة المتابعين سيربك الدولة ويحرجها أكثر؛ أولاً لأنه سيعطي المعتقلين وكل المحتجين الحق، وكذلك الاعتراف بمشروعية الحراك ومطالبه، وسيزيدهم قوة وصموداً.. لأنهم، حينها، سيكونون بحكم والقانون والمحكمة أصحاب حق وقضية عادلة، ولن تتمكن الدولة من إحباط حراكهم وإعادتهم إلى بيوتهم إلاّ بتحقيق مطالبهم أو الجزء الأكبر منها على الأقل. أما الإحراج الثاني الذي سيسببه الحكم ببراءة المتابعين، فهو إدانة الشرطة والأجهزة الأمنية بمختلف تخصصاتها؛ لأن القضاء إذا أسقط التهم عن المتابعين، فذلك يعني أنه جرى اعتقالهم ومتابعتهم بتهم غير صحيحة وربما ملفقة من دون أدلة ثابتة، وهو ما يعني أن الأجهزة الأمنية ستجد نفسها صغيرة أمام الرأي العام والمحتجين؛ لكونها إما لفقت لهم تلك التهم، أو أنها فشلت في إيجاد الأدلة الكافية لإدانتهم بالرغم من تورطهم فيها. وفي كل هذا، فالدولة هي الخاسرة، وهي صاحبة الموقف الأضعف. فهل يستحق "حراك الريف" كلّ هذه الاعتقالات؟ وهل التعامل مع الأزمة يكون هكذا بقرار اعتقال مائة شاب وشابة؟! لذلك، فالملك محمد السادس هو الوحيد القادر على التحكيم والفصل في النزاع، مع حفظ ماء وجه الدولة وأجهزتها، وكسب ثقة المحتجين وتهدئة غضبهم، من أجل طيّ هاته الصفحة والانتصار لمصلحة الوطن، ولو على حساب الدولة، ولفائدة الشعب. فليس كل متضامن مع حراك الريف انفصالياً؛ وليس كل معارض له خائناً، لأن الوطن أكبر وأبقى. وقبل كلّ شيء وقبل أي شيء، #عاش_الوطن_ولا_عاش_من_خانه. *صحافي وإعلامي مغربي