واصل الصحافي حميد المهدوي مفاجآته أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بعدما كشف تلقيه عرضا مغريا من مسؤول سام، غير أن رفضه لذلك، واستمرار انتقاد أوضاع البلاد قادته إلى الاعتقال بدون مبررات قانونية، معتبرا وجوده في السجن إجراء انتقاميا، مشيرا إلى أن سياقات المكالمات كلها كانت تافهة وغير مؤسسة على حقائق، ضمنها كشف خدعة خطيبة ناصر الزفزافي، وهو ما أكده له قائد حراك الريف أثناء لقائهما بسجن “عكاشة”. وحاول حكيم الوردي، ممثل النيابة العامة، في جلسة الجمعة الماضي بالغرفة الاستئنافية لدى محكمة الجنايات بالدار البيضاء تركيب أحداث حراك الريف، وربطها بسياق المكالمات الواردة على الصحافي حميد المهدوي، مدرجا في السياق مكالمات جرت بين قائد الحراك ناصر الزفزافي وأشخاص آخرين، غير أن الدفاع تدخل في أكثر من مناسبة للتنبيه إلى انقطاع الصلة بين الوقائع المذكورة وبين الصحافي المهدوي، وأن الأسئلة بخصوص ذلك تروم توريط المهدوي في أشياء بعيدة عن قضيته، رغم إصرار النيابة العامة على تأكيد ضلوعه في التهم المنسوبة إليه، وعلاقته بالانفصالي المبحوث عنه إبراهيم البوعزاتي. وأعاد المهدوي شرح سياق المكالمات التي تلقاها من البوعزاتي، الذي أصر على وصفه بالمخبر، موضحا أنه بمجرد إخباره بإدخال الدبابات والأسلحة، تأكد أن المتصل مختل عقليا أو مخبر من الأجهزة، مضيفا أنه تلقى منه أخبارا كثيرا ولم ينشر منها أي معلومة، سوى واحدة تتضمن انسحاب ناشطي ثلاثة أيام، لأنه في مصلحة الوطن، وإن كان غير متيقن من صحته، وذلك في معرض جوابه عن الوردي في استمرار الإنصات لمحدثه في المكالمات. وركز المهدوي، أثناء أجوبته في مرحلة الاستماع إليه، بخصوص متابعته بتهم تتعلق بعدم التبليغ عن جناية المس بأمن الدولة، أن المكالمة لا تعتبر محجوزا يمكن اعتماده لإدانته، نظرا إلى عدم تحققها، كوصول الدبابات والأسلحة، وإثبات حصول معتقلي الحراك على أموال من الخارج، أو سحب الأموال من البنوك وغيرها من المعلومات التي تلقاها عبر المكالمات الهاتفية، مشددا على أن النيابة العامة وقاضي التحقيق اعتبرا اعترافه بتلقي المكالمات، هو بمثابة دليل إدانته، وأن المكالمات لا ترقى إلى أن تكون محجوزا. وشكك مدير موقع “بديل” المتوقف عن الصدور، في أن رقم المتصل ليس صادرا من هولندا، بل من إسبانيا، موضحا أنه يوم تم اعتقال ناصر الزفزافي تلقى اتصالا من شخص أخبره أنه من إسبانيا وأن خطيبة الزفزافي تريد الاتصال به، وهو تمهيد لاتصال سيدة انخرطت في بكاء حار وأخبرته أنها خطيبة ناصر، محاولة الحصول منه على أدلة قد تورطه في تدبير المؤامرة، وهو ما فطن له، واستفسرها حول الجهاز الذي تنتمي إليه، ما جعلها تسارع إلى قطع الاتصال. وكشف المهدوي أنه كان ينتظر اعتقاله أو توريطه في مشكلات قانونية، بعد لقاء خاص مع شخص قدم له نفسه فيما بعد على أنه مسؤول بقسم الإعلام في القصر الملكي، موضحا أنه تلقى اتصالا من مجهول أخبره بضرورة لقائه في إحدى الليالي، حيث التقيا بمقهى قرب البرلمان، وعرض عليه مكتبا فاخرا مجهزا، وطاقما صحافيا في المستوى، وامتيازات أخرى، في مقابل الاشتغال لصالحه، وفق أوامر معينة ستأتيه تباعا، غير أن رفضه للعرض المغري، جعله ينتظر الانتقام، خصوصا حين نشر مقالا صحافيا ناقش خلاله أشياء تتعلق بالملك، ما لم يرق الشخص الذي قابله في السابق وجعله يتصل به ويعبر عن انزعاجه من ذلك، مشيرا إلى أن تفاصيل اللقاء وأحداث أخرى جاءت لتبرير عدم تبليغه عن الأخبار التي تلقاها عبر المكالمات الهاتفية، مؤكدا أنه اقتنع بكون المتصل ينتمي إلى جهاز المخابرات، وأن الهدف هو توريطه للزج به في السجن، خصوصا حين كشف خدعة خطيبة ناصر الزفزافي، والتي تيقن منها فيما بعد في لقائه بالزفزافي الذي أكد أنه ليست له خطيبة على الإطلاق. وعقب المهدوي على مقاطعته من طرف القاضي لحسن الطلفي المتكررة، أن ابنته “سُلافة”، البالغة من العمر 9 سنوات، ومن شدة متابعتها لقضيته وارتباطها وتأثرها، أخبرته في آخر زيارة له بالمركب السجني عكاشة بأن أمنيتها الجديدة أن تصبح قاضية لإنصاف الأبرياء، مؤكدا للقاضي أن التحول جاء مما عاشته الطفلة في اعتقال والدها، مواجها القاضي الذي لم يبد تجاوبا مع ذلك، أنه لم يحس بطفلة بريئة، فكيف له أن يحس ببراءة متهم على شاكلته. وبعد مرور جلستين انتهى الاستماع إلى حميد المهدوي، بعد أسئلة القاضي والنيابة العامة والدفاع، ليقرر القاضي رئيس الجلسة استدعاء المتهمين الأربعة في حراك الريف، المتابعين في حالة سراح، للجلسة المقررة يوم الجمعة المقبل، إذ من المنتظر أن يتضح موقفهم الحقيقي من مقاطعة المحاكمة، خاصة وأن الزفزافي وباقي معتقلي الحراك كانوا قاطعوا المحاكمة وطلبوا من هيئة الدفاع التزام الصمت، وهو الصمت الذي برره النقيب الجامعي بعدم وجود ضمانات للمحاكمة العادلة، ومجيبا بالإيجاب عن سؤال القاضي حول شمول الصمت الأربعة المتابعين في حالة سراح، غير أن أعضاء من هيئة الدفاع أكدت أن الأربعة المتابعين في حالة سراح هم من سيتخذون القرار في الجلسة المقبلة، وأن الهيئة على استعداد لمؤازرتهم في حال قرروا الاستمرار في المحاكمة.