وجه السيد أحمد ابن الصديق منذ أيام رسالة للملك معلنا خلعه البيعة و كاشفا عن بعض مواطن الفساد التي تضر الوطن كله و ليس فقط صاحب الرسالة، و معبرا عن استياءه من الصمت الملكي ومن صمت المؤسسات إزاء ملفات كبرى و تجاوزات جسيمة. وقد وقف القراء على هذه المراسلة في الشبكة العنكبوتية ، وكانت ردودهم وتعليقاتهم متشابهة أحيانا ومتباينة أحيانا أخرى. إلا أن الرد الملفت للنظر هو الذي أسهب فيه الشيخ عبد الباري الزمزمي ، لما تضمنه التعقيب والرد من أسانيد لم يعد محتاجا إليها المستفيد منها ناهيكم عن الجمهور المخاطب بها ، لذا فقد كلفت على نفسي مناقشته والتعقيب عليه ومفندا أفكاره الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان وبالمنطق السليم مستلهما في ذلك قيم حقوق الإنسان ، ليس دفاعا عن الرجل المستهدف، فقضيته عادلة لا تحتاج إلى دفاع بل لاستغرابي لفكر الشيخ المفترض فيه التشجيع على نهي المنكر وهو متغاض ومتعاطف معه بل ومنضم إليه. وهكذا فقد استهل الشيخ الزمزمي مقالته بكونه اطلع بالصدفة على تصريح ابن الصديق في موقع هسبريس ، فقرر الرد عليه واصفا شكواه منذ البداية بأنه شأن يعنيه، ولئن نحيي بدئا انفتاح الشيخ على الإعلاميات و الأنترنيت. فإننا نسائله عن ماهية التضامن بين المسلمين لديه ، ذلك البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا، ومتى أعتبر حق التشكي والتقاضي شأن يهم المشتكي وحيدا دون أن يمتد إلى واجب والتزام المشتكى إليه في النظر المنصف والعادل؟ و هل تفطن السيد الزمزمي أن ما طرحه السيد ابن الصديق من طبيعة عامة وليست خاصة و مسائل صرف المال العام شأن يهم الجميع، و هل خطر بذهن الشيخ أن الفساد موجود في البلاد بدليل التقارير العالمية وباعتراف الجهات الرسمية ؟ وهو سرطان يلتهم حقوق المواطنين و يضخم ثروات المفسدين ويؤخر تنمية البلاد.. وفي هذا الصدد يجدر بالشيخ الجواب عن بعض التساؤلات الإنكارية: ألم يكن الشيوخ يفتون في تساؤلات المفتين فيما يعترضهم في شؤون دينهم ودنياهم ؟ ألم يكن القضاة يبثون في قضايا المدعين ؟ ألم يكن المدعون العامون يباشرون التحقيقات بمجرد الشكاية أو البلاغ أو حتى الوشاية ؟ وهل نترك المتضررين والضحايا وشأنهم ؟ لربما يمارسون العدالة بأنفسهم ، ألم تكن رغبة العيش في الجماعة نتاج تخلي وتنازل الفرد عن ممارسة عدالته مقابل توليه من فوضه تولي أمره ،بغض النظر عن شكل التعاقد السياسي بينهما؟ لقد تاه الشيخ وهو يبحث عن أسانيد لشرعية خضوع المحكوم فأتى بأحاديث كثيرة تجعل من الإذعان حتمية وضرورة بغض النظر عن عدل الحاكم أو لا وصلحه وفضله أو لا في سبيل هدف حفظ البلاد وحماية الأمة من الشقاق والتفرقة ، وكأن عدالة المواطن أحمد بن الصديق والنظر في مظلمته وشكواه من شأنه أن يبث الفوضى ويزرع التفرقة بين الأمة والمواطنين. فماذا تضمنته شكوى أحمد بن الصديق من فتن وألغام وأخطار على لحمة ووحدة وتماسك الأمة والوطن؟ وهل فضح الفساد والمفسدين وناهبي المال العام والمفترين باسم الملك فضيلة؟ أم خطيئة تهدد الوطن؟ وهل التغاضي والتستر والمشاركة والمساهمة في الفساد والتزام السكوت ليس هو الخطر نفسه الذي يهدد الوطن ويقلص من حقوق المواطنين أم العكس يا مولانا الشيخ؟ وهل تضمنت مظلمة أحمد بن الصديق التماسا ومطالب بمصالح شخصية يريد حمايتها ؟ فأحمد بن الصديق آثر الدفاع عن المصالح العامة قبل الشخصية المتهم بها من قبل الشيخ. والمصالح الشخصية لا تقوم أمامه مقام العامة ، فقد ضحى بحقوقه الأساسية والمكتسبة منها الشغل والمنصب الذي ناله بالكفاءة على مجرد الرغبة في الاغتناء على حساب حقوق المواطنين، الاغتناء الذي دأب عليه المشتكى بهم ورفضه ابن الصديق، وهم الذين يسيئون إلى الوطن وحقوق المواطنين. فما فتواك أيها الشيخ فيهم؟ لا شك أنك لن تقول شيئا في حقهم وستلتزم بذلك السكوت . و أنت من المؤيدين لهم ما دمت تتوهم أن التفرقة والشقاق قد يهدد وحدة الوطن بفضحهم بمجرد التشكي بهم. وها أنت أيها الشيخ تعطي حجة لأحمد بن الصديق وتعترف من حيث لا تدري أنه فسد حياته الدنيا وهو لا ريب تقصد رغيدها ومتاعها- الذي تصفون في خطبكم أنه زائف- بسبب رأيه ، لا مراء رأيه في فضح الفساد والجهر به ضد الذين عبثوا بصحة المواطنين بحامة مولاي يعقوب ويهددون حياتهم بين الحين والآخر، أولائك الذين لم يقدروا توجيهات ملك البلاد في ما أناطه من مهام بأحمد بن الصديق لكفاءته، أولائك الذين يفترون على هذا المواطن إزعاجه وعدم احترامه للملك، أولائك الذين يقفون ضد وصول مظلمة أحمد بن الصديق إلى الملك. وهو رأي يستحق عليه التكريم وليس تشريد أسرته ومحاولات تخوينه. أخيرا فإن خوف الشيخ وهاجسه من رأي أحمد بن الصديق ليس من ما أصاب الرجل من إحباط ويأس لطول انتظار وتراخي النظر في موضوع مظلمته. وإفلات ناهبي المال العام من العقاب ، السبب المباشر في ما أقدم عليه أحمد بن الصديق ، بل خوفه وفزعه في أن يكون رأيه وموقفه سنة قد تتواتر في البلاد ، دون أن يكلف الشيخ نفسه عناء البحث عن الحجج في الأحاديث وغيرها التي توجب على المشتكى إليه النظر في المظلمة بعدل وإنصاف وفي زمن معقول. من خلال عقاب من أساء إلى المشتكي وأساء إلى حقوق المواطنين إن ثبتت إدانتهم مهما كانت درجة قربهم من محيط الملك. بمحاكمة نطلب توفيرها عادلة لهم . وقد أصبحت حقا دستوريا أو محاكمة أحمد بن الصديق إن هو فعلا أذنب وأجرم، وهو مطلبه و التماسه. فما قولك أيها الشيخ لو اتهمتك رسميا هيأة لها نفوذ كبير بل هي أكبر مؤسسة مالية في البلاد بعدم احترام الملك و إزعاجه و نصبت نفسها دون أن تقدم الحجج ناطقا باسم الملك ؟ صميم ما حدث لابن الصديق ، بعدما رفض الصمت و رفض أن يترك أرواح الناس عرضة لخطر انهيار البناية ، و هل ترضى أيها الشيخ أن تذهب لمولاي يعقوب فيكشف عنك طبيب اشتغل 12 سنة دون رخصة قانونية ؟ موضوع شكاية أحمد بن الصديق و هل ترضى أيها الشيخ و هل أرضى وهل يرضى غيري من المواطنين وهل يرضى الملك نفسه أن يصبح اسمه سلاحا للانتقام؟ وهو ملك الجميع. وقد ثار الشيخ في آخر مقالته وخرج عن آداب وقواعد الكتابة فوصف دون حق رأي الرجل بالغوغائية والهمجية غير الشرعية وغير الحضارية واللاديمقراطية . وأجزم أن الشيخ لم يقنع نفسه فبالأحرى إقناع جمهور المواطنين الذين آمنوا بثقافة حقوق الإنسان وبحق أحمد بن الصديق غير القابل للتصرف في تقديم التظلمات والشكايات وواجب المشتكى إليه في نظر شكواه النظر العادل. وهو الذي يعلم أن القاضي يسمع من الطرفين فهل سمع جواب المطلوبين في مظلمته؟ و هل اطلع على تقرير المرفوع اليه شكواه؟ أو حتى أمر ببحث فيها؟ فمن أين إذن تملك أدوات ومعطيات وحيثيات الفتوى و الحكم على الرجل؟ لقد تحدى أحمد بن الصديق في مقابل تهافت الشيخ دون أن يكون في مستوى الاستجابة فعوضا عن الحث على نظر شكاية أحمد بن الصديق ، عمله الأساسي في النهي عن المنكر، راح يشجع على التجاهل فوصف رأي الرجل بفعل الجاهلية. وكأن إطباق الصمت و المراقبة والحراسة على أحمد بن الصديق قد يثنيه عن النضال من أجل إقرار حقوقه وحقوق المواطنين . فالسكوت أيها الشيخ ليس دائما من ذهب، بل قد يكون جريمة.{والحصول الشيخ الفقيه لي كنتسناو براكتو دخلتي الجامع ببلغتو}. وأخيرا أحيلك أيها الشيخ على أبيات شعرية قد تنطبق عليك وعلى أمثالك أخذتها من قصيدة طويلة تفوق 120 بيت مطلعها العدل لا تمطره السماء و هي موجودة على الشبكة العنكبوتية، فجاهِر بالحقيقة لا تخادعْ وعند الله في ذاك الجزاءُ بِقولِ الصدقِ أوصى أتقياءٌ بقول الصدق أوصى أنبياءُ ولا تخذلْ ضعيفا أو غريباً وعندك قدرةٌ وله رجاءُ لئنْ تبخلْ بمال أو بعلمٍ فطبْعُ الأكرَمين هو السّخاءُ وإنْ تبذلْ بقرشٍ عزَّ نفسٍ فعِزّ النفس سومته غلاءُ ويمدحُ مادحٌ قومًا لكسبٍ ومِلءُ فؤادِه لهُمُ هجاءُ ولو نطقَ النفاقُ بحرفِ رُشدٍ فقد لا يُعوزُ الغيَّ الذّكاءُ وإن لبسَ الظلامُ لَبُوسَ ضوءٍ فإن الفسقَ ليس له حياءُ وقد يبدو الخطيبُ وعاءَ علمٍ و كلّ كلامه عسلٌ صفاءُ فتحسبه أبرَّ الناس لكنْ إلى الإخلاص ليس له انتماءُ و إنَّ فساده من شرِّ جِنْسٍ و قد عَلِقتْ بذِمَّته دِماءُ و إنَّ الأمنَ كلَّ الأمنِ عدلٌ يُلاذ بظلّه و به احتماءُ و رمز القسط قاضٍ قد تساوَى ذَوُو ضعفٍ لديهِ و أقوياءُ و عينُ القسط ميزانٌ تساوَى بنو فقرٍ لديهِ و أغنياءُ فإن صلُحَ القضاء فنمْ قريراً و إنْ فسدَ القضاء فما العزاءُ وإن وَهَنَ القضاةُ طغى طغاةٌ سلاحهُمُ الخراب و الاعتداءُ هل تدري من نظمها أيها الشيخ؟ إنه أحمد ابن الصديق نفسه....