رمضان مراكش ليس فقط المائدة المملوءة بما لذ وطاب، والاصطفاف وراء الأئمة في بيوت الله، بل هو أيضا رمضان الصدقات الجارية، وصدقات الإطعام. ففي جو من الرهبة ونكران الذات يتنافس المحسنون الذين وجدوا أنفسهم، في السنوات الأخيرة، مع الجمعيات التي تهتم بالجانب الإنساني، على خط البر والإحسان، وأول هذه القيم في هذا الشهر المبارك توزيع وجبات الافطار على الأسر المعوزة، وتنظيم موائد إفطار بالمجان. المقاهي بدورها تنخرط في هذه القيم الإنسانية لتقديم إفطار مجاني للصائمين. وهكذا تنصب خيام موائد الرحمان بمختلف أحياء مدينة مراكش، كواحدة من مظاهر البر في رمضان، يقبل عليها العديد من المعوزين، خاصة أن عائلات فقيرة بكاملها لا تقوى على مجاراة إيقاع الاستهلاك في شهر الصيام. هسبريس رصدت هذه المظاهر التي تنم عن البر والخير، من خلال زيارتها إلى إحدى هذه الخيام، التي دأبت على إقامتها مع بداية شهر رمضان جمعية المسيرة للتنمية والتضامن، وشاركت مجموعة من المواطنين فطورا جماعيا. الأجناس هنا مختلفة؛ قد تجد بجانبك مهاجرا من دولة إفريقية، ولاجئا سوريا، وآخر من دول الساحل، وتحديدا من مالي أو النيجر، إلى جانب من تقطعت بهم السبل، أو خرجوا من مقر أعمالهم متأخرين وتزامن وصولهم إلى الخيمة مع أذان المغرب، و"كسروا" صيامهم بكوب حليب وبعض التمرات. قال إلياس، مواطن ينحدر من سوريا، لهسبريس، إن المغاربة يتميزون بالكرم وحب الغير، وأضاف أنه استقر بالمغرب منذ ثلاث سنوات، ويتمنى أن يحصل على أوراق الإقامة، مبرزا أنه في كل رمضان يأتي إلى هذه الخيمة بحي المسيرة بمراكش ليستفيد من فطور مجاني، مفيدا بأن المحسنين يعتنون بالمهاجرين ويقتسمون معهم الفطور والابتسامات. ولأن شهر رمضان شهر المغفرة والتضامن، فقد باشرت جمعية المسيرة للتنمية والتضامن، مع بداية شهر رمضان الفضيل، بحي المسيرة بمراكش، تنفيذ عملية إفطار الصائم المحتاج، من خلال توزيع حوالي 200 وجبة فطور كاملة يوميا على الأسر المعوزة، وعلى المحتاجين وعابري السبيل؛ وذلك في إطار أنشطتها الاجتماعية واستمرارا لدعمها المتواصل للفئات المحتاجة. ويسعى أعضاء الجمعية، الذين اعتادوا تنظيم مثل هذه العملية خلال شهر رمضان منذ إنشائها، إلى مساعدة الفئات المعوزة، ومؤازرتهم، وإشباع حاجياتهم البسيطة، وتحفيز وتشجيع الجمعيات المدنية على الاهتمام بالعمل الاجتماعي وتحبيب العمل التضامني والتكافل الاجتماعي إليها، من خلال الانخراط في مجموعة من الأنشطة الاجتماعية. تقول فتيحة بوروس، رئيسة جمعية المسيرة للتنمية والتضامن، إن هذه الأخيرة "أصبحت مبنية على روح التضامن التي يستوجب ترسيخها في المجتمع المغربي، تماشيا وتجسيدا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي تدعو إلى الانخراط في المشروع المجتمعي الحداثي المتشبع بقيم الدين الإسلامي والتقاليد المغربية والمنفتح على مختلف الثقافات العالمية". وأضافت بوروس في حديثها لهسبريس أن جمعيتها "مصممة على مواصلة الجهود، من أجل توفير وجبات الإفطار للأسر المعوزة بمدينة مراكش". ودعت بوروس كافة فاعلي الخير إلى التطوع لتقديم كل المساعدات الممكنة لإنجاح هذه العملية، التي تهدف إلى مؤازرة المعوزين، وإشباع حاجياتهم البسيطة التي لا تتعدى الحصول على قوت يسد جوع يوم حار، ويسقي أفواها ظامئة بعد صيام يوم شاق. من جانبه، أوضح أمين بنكيران، صاحب مقهى تتواجد بحي الشرف دأبت على تقديم إفطار مجاني للصائمين، أن شهر رمضان يشكل بالنسبة إليه مناسبة لإبراز قيم التضامن والتكافل الاجتماعي، مشيرا الى أنه مع بداية شهر رمضان يجمع الصائمين حول موائد الإفطار، بعد يوم طويل خال من الزبائن بسبب الصيام، من خلال تحضير وجبات لمن لا يجدون مأوى أو قدرة مالية، أو لعجز عابري السبيل عن الوصول إلى بيوتهم وقت الإفطار، أو العمال الذين لا يجدون الوقت للإفطار مع ذويهم، وحتى الطلبة المغتربين. وتشهد "موائد الرحمن"، التي تقدم وجبات إفطار مجانية في رمضان، تزايدا ملحوظا في عدد من أحياء مدينة مراكش، تتوحد في المضمون وتختلف في التفاصيل، سواء من حيث الوجبة المقدمة والطاقة الاستيعابية، أو من حيث من يدعم تنظيمها ماديا ومعنويا.