ما رأي الحكومة في العصابات التي تهاجم بالأسلحة البيضاء مسيراتنا الاجتماعية السلمية؟ وما رأي فقهاء الفتاوى؟ أليست هذه فتنة؟ هل يسمح - بهذا السلوك - القانون المغربي، والمواثيق الدولية التي صادق عليها بلدنا؟ لماذا يقع هذا أمام أنظار وصمت الجهات المختصة؟ إن "فيالق العنف" قد ظهرت مجددا في طنجة وغيرها.. تهاجم المشاركات والمشاركين في المسيرات السلمية الهادفة للمطالبة بالحقوق الاجتماعية المشروعة.. ماذا يعني هذا؟ ألا يعني أن "جهة ما" تقف وراءها؟ تحركها عندما تريد.. وتنومها عندما تريد.. هذه "المليشيات" تتكون من أفراد "مدنيين" مدججين بالسيوف والخناجر، وأدوات أخرى من الزجر والقمع والاعتداء.. يجب البحث عن عناصر هذه العصابات، وعن الجهات التي تنومها، ثم توقظها في وقت لاحق.. فما هي هذه الجهات؟ وهل تستطيع أن تتحكم في هذه الشبكات، وتضبطها؟ هل "الشبكات الإجرامية" تحت السيطرة؟ أم هي عشوائية، قابلة للانفلات؟ ولم لا تشكل خطرا حتى على من استقدموها؟ فما هي هيكلة هذه "المليشيات"؟ ومن المستفيد من "خدماتها"، إذا كانت فعالها "خدماتية"؟ قيل: "تقوم بدور أمني"! إذا كان كذلك، فما هو هذا "الدور الأمني"؟ أمن من؟ هل أباطرة الإدارات؟ أو أباطرة المخدرات؟ أو تأمين كبار لصوص البلد؟ تأمين من؟ وماذا؟ ولماذا؟ هل نحن اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أمام ميلاد عصابات منظمة؟ عصابات يتم استقدامها لمهاجمة مواطنين عزل لا يطالبون إلا بحقوق اجتماعية مشروعة؟ ألا تشكل هذه العصابات خطرا على الدولة نفسها؟ إن ما أظهرته تسجيلات "المواقع الاجتماعية" يفيد أن "مليشيات العنف" هذه ليست عشوائية.. هي مدربة.. تهاجم بمهنية واحتراف، أهدافا بشرية مضبوطة.. فماذا تريد هذه "المليشيات" من الحراك الاجتماعي؟ إذا كان أفرادها لصوصا، فاللصوص لا تهمهم إلا الجيوب.. هذا إذا اندسوا في مسيرات المطالب الاجتماعية من أجل المال.. لكن هؤلاء، هذه الأيام، يهاجمون المظاهرات بكيفية منظمة.. - هل الجهات المختصة على علم بهذه الهجومات العنيفة من قبل عصابات؟ وهل أجهزة الأمن تراقب العنف المسمى "تشرميل"؟ هذا تعبير غريب على لغتنا.. فمن أدخل هذا المصطلح إلى شوارعنا؟ ومرة أخرى: من له المصلحة في عنف مترام على شوارع المطالب الاجتماعية.. مهما يكن، فالعنف يولد العنف.. والعنف، مهما كان، يرتد على من صنعه.. فمن صنع هذه العصابات؟ ولماذا؟ إن من لا يتقن إلا الاعتداء والتعنيف، لا ثقة فيه.. وهو قد يرتد على صاحبه في أي وقت، ولأدنى سبب.. هو مثل كلاب مروضة عنيفة صرنا نراها، هي أيضا، في بعض شوارعنا.. فبين حين وآخر، يظهر شخص يقود كلبا من النوع العنيف.. وسواء كان الشخص يقود الكلب، أو الكلب يقود "صاحبه"، فيجب على الدوائر الأمنية أن تتدخل، وتتأكد مما إذا كان الكلب بحوزته أوراق ثبوتية، وليس مصابا بأمراض معدية.. هي كلاب مروضة، مدربة، يجب البحث فيها.. والتحقيق معها! فأين الجهات المختصة؟ ولماذا هي صامتة على الكلاب، وعلى عصابات العنف؟ وهذا العنف ليس يتيما.. هناك أنواع أخرى من العنف قد ظهرت في أجواء الحراك الاجتماعي.. حراك مطالبه مشروعة.. هذا لا جدال فيه.. ولكن الوعي والحكمة والسلمية لا تكفي لضبط "شوارع المطالب".. انفلاتات سلوكية ولفظية قد تنطلق من هنا وهناك، وتقدم لمن يسمعها خطابا غير سليم، اجتماعيا ووطنيا وسياسيا... وهنا تحدث تقاطعات.. كل فرد يفسر ما يقع بطريقته الخاصة.. وهذا التواصل "الغير مؤطر" تسبب في تقسيم المغاربة إلى جزئين: أحدهما مع الحراك، والثاني ضد الحراك.. ولو كانت عندنا أحزاب في المستوى المطلوب، لقامت بواجبها.. واجب التأطير على "ثقافة المواطنة، وعلى الحق في الاختلاف".. لكن، لا الأسرة تؤطر، ولا الحي، ولا المسجد، ولا المدرسة، ولا ولا ولا... وأصبحنا غارقين في فوضى تواصلية تجعل حتى بعض "المثقفين" يقعون في الفخ، ويصطفون مع العنف اللفظي في تعاملهم مع "الحقوق الاجتماعية".. حتى الحكومة متسرعة في الحكم على الناس.. فالحكومة وأحزابها المسماة "أغلبية"، وصفت مسيرات "الحسيمة" بالانفصال.. وحتى مسؤول في "محكمة" تسرع في نشر الاتهامات على زعيم الحراك، "الزفزافي ومن معه".. وانتشرت الاتهامات العشوائية ضد من تم اعتقالهم.. وأكثر من ذلك جاء المسجد فأثار كلمة "الفتنة"، ليضفي الشرعية على استعمال العنف ضد المسيرات السلمية.. وتكلم في التلفزيون "خبير" فقال إن زعيم الحراك شيعي.. وكأن المغرب ليس فيه شيعة وسنة وأديان، وعلمانيون ومن لا يؤمنون... ثم جاء فقيه إلى قناة دوزيم، واستنتج "القتل لمن يخرج عن الجماعة".. ثم تكلم في الإذاعة شخص يقال إنه "بسيكولوجي" وقال بصدد حديثه عن "الزفزافي" زعيم الحراك: أنا سأقطعه (أي: أقطعه قطعة قطعة).. وفي "بني بوفراح" بضواحي "الحسيمة" هدد قائد أحد الشباب قائلا له بالدارجة، وأمام العموم: "سأمارس عليك الجنس".. وهذا تحقير وتحطيم لكرامة الإنسان.. ودعوة صريحة من المسجد والتلفزيون والإذاعة إلى ممارسة الإرهاب.. هي ذي "سمعيات بصريات" تحرض على العنف.. فهل اتخذت "الهاكا" إجراءات ضد هذه القنوات الإذاعية والتلفزية؟ أم هي فوق القانون؟ مطلوقة اللسان، لنشر الإشاعات ضد مواطنين عزل؟ وانضافت إلى هذه الفئة "مليشيات مدنية"، فصارت تهاجم المسيرات السلمية، وتضرب وتركل وتطعن، على هوى أفراد العصابات.. فأين الحكومة؟ أليست مسؤولة؟ وإذا لم تكن مسؤولة، فما دورها؟ وأين القانون؟ وفي هذه الأثناء، تعددت ببلادنا أنواع الألفاظ والسلوكات التي تنشر "ثقافة العنف" بين أطفال فيهم من لا يدرسون، وشباب بلا شغل، ولا تأطير، ولا وعي اجتماعي وسياسي.. وليست لهؤلاء أية ثقة في أي كان.. ماذا تنتظر الجهات المسؤولة من هؤلاء الشباب الضائعين المضيعين الغاضبين؟ ولا يزعمن أحد أن المغرب فقير.. بلدنا ليس فقيرا.. الفقر موجود بسبب سوء التدبير.. وتوزيع خيرات البلد بكيفية ريعية مختلة.. وأحزابنا ليست أحزابا.. وكذلك الجماعات المحلية، ومؤسسات الجهات، وغيرها... وأين مجلس حقوق الإنسان؟ أليس له لسان؟ لماذا بلع لسانه؟ إن على دولتنا أن تحسم في ظاهرة العنف ضد مجتمع مسالم أعزل.. وأي حديث عن "مليشيات العنف"، يقود الذاكرة إلى سنوات "فيالق الموت"، وهي محطات سوداء.. وذكريات أليمة في التاريخ البشري.. فقد أقدمت بعض الدول، في القرن الماضي، على تأسيس تنظيم "فيالق الموت" لضبط الأمن، ولو على حساب حياة مواطنين عزل.. ووقف مخابرات تلك الدول وراء "فيالق الموت" لزرع التخويف والرعب والعنف، والاعتماد عليها في فرض الأمن، على أساس عنفي.. وهكذا أعطوا للمجرمين دورا أمنيا! فاقترفوا جرائم ضد الإنسانية لضبط الأمن! وكثيرا ما تنسب هذه الجرائم إلى غيرهم، وإلى تنظيمات إرهابية.. أمريكا الوسطى والجنوبية عاشت خلال ثمانينات القرن الماضي، تحت كوابيس هذه العصابات "الرسمية".. ودول أخرى، منها أقطار عربية، وصلتها هذه "الموضة" الإجرامية التي تعتمد السرعة والخفة في محاربة معارضيها.. وفي التخلص من متسولين ومشردين وعجزة وأطفال وغيرهم.. وهكذا تقمصت تلك الدول الدكتاتورية شخصية عصابات إجرامية لفرض توازناتها، رغم أنف كل المواطنين.. وبعض الدول العربية وصلتها هذه الظاهرة، ومنها مناطق النزاعات المسلحة، مثل العراق، حيث اتضحت الاستعانة بعصابات، من أجل فرض الأمن العام.. وعلينا بالانتباه إلى ما يحدث حولنا، حتى لا توقعنا عصابات في نفس الفخ.. نريد بلدنا سليما معافى من كل الاوبئة السلوكية التي تحصل في مناطق من العالم، حيث لا حقوق ولا أمن، ولا كرامة إنسانية، ولا حتى حياة.. وعلينا أن نتجنب هذه المخاطر التي وقع فيها غيرنا، بسبب توظيف مجرمين في كل ما هو مطلب اجتماعي.. وإن بلادنا بحاجة إلى هيكلة جذرية.. وفيما يلي جملة اقتراحات للحل، إلى من يهمهم الأمر: - تشكيل حكومة انتقالية (غير متحزبة) من كفاءات مغربية (من الداخل والخارج).. - تغيير كل المسؤولين الكبار في منطقة الشمال، وتنصيب مسؤولين جدد، لا علاقة لهم بأباطرة المخدرات والعقار وكبار المفسدين... - إلى المحكمة: كل من ثبت تورطهم في نهب المال العام، والرشوة، وأي نوع من الفساد الإداري.. - متابعة لحل المشاكل الاجتماعية التي رفعتها المسيرات المطلبية بمختلف جهات البلد.. مع تحديد سقف زمني للإنجاز.. - إعادة النظر في السياسة الإعلامية، كي يكون الإعلام في خدمة الوطن والمواطنين.. - مراجعة القوانين التي أعدتها الحكومة "البنكيرانية"، والحكومة "العثمانية"، كي تكون لنا منظومة قانونية جديدة في مستوى "المغرب الجديد".. - إصلاح جذري للإدارة، كي ترقى إلى خدمة المواطنين، بعيدا عن الشبهات.. - تضامن وطني مفتوح، للمساهمات الجماعية في صندوق خاص بتكفل الدولة بمن لا دخل لهم... هذه جملة اقتراحات.. وهناك أخرى، لدى آخرين، ما دام في الإشكالية نقاش وتنوع فكري.. والهدف هو: مساهمتنا جميعا، في استقرارنا الإيجابي الفعال، وبناء المغرب الجديد، بقيادة رئيس الدولة، ملك البلاد.. [email protected]