جيب يا فم شقة الكوابيس أشهد أن لا شقة جعلتني أشق جيوبي إلا أنت. شقة الأحلام التي تحولت إلى شقة الكوابيس. الشقة التي حصلت عليها بشق النفس إلى شقين؛ شق في الحائط وشقيقة في الرأس. وإني خيرتك فاختاري ما بين السقوط في غيابات الحب أو السقوط من النافذة والارتطام بالأسفلت. والشعب يريد وأنا أريد وأنت تريد. أنا أريد قفصا إسمنتيا، أسجن فيه أسرتي، وخمس دجاجات في ثلاجتي، وديك حسن الصوت، يوقظني فجرا كي أتضرع إلى خالقي بأن يحمي هذا البلد الأمين من كيد المحتجين. وإذا الشعب يوما أرد الحياة، فلا بد له من قبر الحياة، يدفن فيه أولاده وأحلامه. ولا بد له أن يقتطع شهريا قطعة من لحمه ويرميها للكلاب كي تكف عن النباح. وأنا كلما اتصلت بهاتف الحكومة أجده مشغولا. فيا حكومتي، أرفع إليك شكواي والشكوى لغير الله مذلة. فأنا مواطن ذليل. أعتز بذُلّي. سمعت عن شيء يسمى الكرامة، قيل لي إنها تباع في الأسواق الممتازة، لكنها غالية عليّ. لذلك لم أتذوقها قط. مطالبي اجتماعية محضة؛ أطالب بتقوية صبيب الإنترنت وتطهير الأزقة من الصراصير وتكثيف الدوريات الأمنية واعتقال دعاة الانفصال عن زوجاتنا والخونة الذين يخونون زوجاتهم مع عشيقاتهم. عقلي فقد عقله. فقد اشتريت شقة اقتصادية ذات جدران مصممة تصميما بديعا رائعا؛ الجدار مثل غربال مهمل، كثير الثقوب والشقوق. وطبقت نظرية بريخت القائلة بتكسير الجدار الرابع بيني وبين جيراني. فكلما ضرط جاري ضرطته الصباحية، تهب الرياح لتحمل الرائحة العطرة إلى خياشيمي.. وقد تعوّدنا على تحية بعضنا البعض كل صباح بتلك الطريقة. وأنا أتنصت دائما على جيراني وهم يمارسون السياسة في الظلام. واحد منهم يعتبر من كبار السياسيين في عمارتنا، فهو يمارس السياسة عشرين مرة في اليوم حتى أنه صار يشكو من وخز حاد في ضميره أسفل الظهر. فهلاّ أعطيتني سيجارك الكوبي الفاخر.. أشفط شفطة واحدة ثم أعيده إليك. كتوقع زعطوط.. أنت مطرود ساعة في الجحيم. هذه الساعة التي سيقضيها زعطوط هي أصعب ساعة في حياته. ذهب كعادته إلى معمل السردين حيث يشتغل. وقبل أن يتخطى عتبة الباب الرئيسي، سمع صوتا قويا يأمره بأن يعود من حيث أتى. التفت زعطوط مفزوعا ليجد المدير شخصيا أمامه. المدير: "لقد عقدنا اجتماعا مغلقا بإحكام وقررنا تسريحك أنت وثلة من زملائك المُعوّجين.. فكل مُعوّج مصيره أن يُسرَح". زعطوط: "وما ذنبي سيدي المدير.. طالبت فقط بإطعام القطط الجائعة ببقايا السردين". المدير: " لو أنك تهتم بجوعك وتترك القطط لجوعها". هنا سمع زعطوط أصوات القطط تموء وكأنها تهتف في وجهه: "إرحل". ابتسامة خبيثة على وجه المدير وهو يتفرج على خيبة زعطوط. فقد كانت هي نفسها القطط التي كان زعطوط يخوض إضرابات متتالية عن الطعام مطالبا بحقها في الحصول على بقايا السردين. غامت الدنيا في عين زعطوط وكاد يسقط مغشيا عليه. هكذا، فقد تم تدبيج قرار طرده، وتم استدعاؤه مرات عديدة كي يوقع على قرار طرده. ولأنه رفض رفضا قاطعا، قطعوا أصبعه وبصموا به على القرار ثم وضعوه في مكان عال حتى لا يكون في متناول القطط الجائعة. لذلك يستحقون الشكر على حرصهم على سلامة أصبع زعطوط. راس الحانوت *أنا مسؤول فاسد. أنتم سبب فسادي.. لأنكم لم تضعوني في الثلاجة قبل أن تفوح رائحتي وتزكم أنوفكم. *تسهر حكومتنا على وضع مخططات لتنمية المناطق المهمشة.. ولأن حكومتنا تسهر فإنها تستيقظ دائما متأخرة. دقة ببصلة نوجهها لبعض الآباء الذين يشترون لأبنائهم دراجات نارية أشبه بالدبابات. دراجات تصدر أصواتا مزعجة ومرعبة. يقودها بعض المتهورين المهووسين بالمغامرة والسرعة الفائقة دون مراعاة لمن هم في الشارع والبيوت من كبار السن والأطفال.