بعد الجولة الثامنة من المفاوضات غير الرسمية بين المغرب والبوليساريو حول الصحراء، لا وجود لمؤشرات عن إيجاد حل للنزاع في الصحراء على المدى القريب، وهو ما يعني إطالة أمد الصراع في المنطقة في المغاربية، وما يترتب عن ذلك من تعثر البناء المغاربي. وتزامنت الجولة الثامنة من المفاوضات حول الصحراء والتصويت لصالح الإصلاحات دستورية الجديدة بالمغرب، والتي حظيت بتنويه كل القوى الدولية الكبرى، ولا سيما تنصيص الدستور المغربي الجديد على مبدأ الجهوية كشكل جديد من التدبير السياسي والاقتصادي، وهو ما يعضد مصداقية المقترح المغربي القاضي بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا. ولذلك كان من الطبيعي أن تنعدم ملامح تحقيق أي تقدم في الاجتماع الثامن من مفاوضات مانهاست حول الصحراء، وذلك لاعتبارات عدة منها عدم ملاءمة السياق الدولي والإقليمي لدفع الأطراف في اتجاه التعجيل بإيجاد حل لنزاع الصحراء، حيث يستمر وضع لا استقرار في عدة بلدان عربية بعد الثورات. وكذا بعد انفصال جنوب السودان وما صاحب ذلك من اشكاليات سياسية ودولية ترخي بكثير من الضلال على طبيعة الخريطة الجيوسياسية دوليا، إذ لا تتحمس الأطراف الفاعلة في الساحة الدولية على لعب دور في قيادة نقاش جدي وجاد بين المغرب والجزائر لحل النزاع في الصحراء، وخاصة مجموعة دول أصدقاء الصحراء لانشغالها بالثورات العربية. كل هذه المعطيات من شأنها أن تغير وجه استراتيجية تفاوض الطرفين، فالمغرب المنتشي بدستوره الجديد والرضا الدولي على إصلاحاته الدستورية، والبوليساريو تحاول تماهي قضية الصحراء بتجربة استقلال "جنوب السودان"، كلها عوامل لا تعطي انطباعا بالتقدم في الجولة التاسعة المرتقبة من المفاوضات. وأمام هذا الوضع فإن ملف الصحراء، يبقى مفتوحا على خيار المفاوضات إلا أن تجد دول أصدقاء الصحراء دواعي موضوعية وقوية للدفع بالأطراف إلى الإسراع بحل النزاع في الصحراء، أو إلى حين نضج مسار التطبيع المغربي الجزائري وفق لما صرح به رئيس الدبلوماسية المغربية الطيب الفاسي الفهري بعيد اختتام الاجتماع غير الرسمي الثامن للتفاوض حول الصحراء من أن عملية التطبيع الجارية بين المغرب والجزائر من شأنها المساهمة في حل قضية الصحراء. إن الإعلان عن انعقاد الاجتماع التمهيدي التاسع من المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء "بعد الدورة 66 الخريفية المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة" في سبتمبر المقبل يؤكد بأن الأممالمتحدة تأمل في نجاح المفاوضات وإن تعددت جولاتها، فمن جهة تبقي قنوات الحوار والتواصل قائمة بين الأطراف، وتحمي الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار. إن استمرار المفاوضات بين الأطراف يبقى الخيار الأوحد في الوقت الراهن، وإن لم يحقق أي تقدم، لكنه على الأقل يحافظ على أجواء السلم في المنطقة التي لم تعد تحتمل صراعا مسلحا، بسبب تنامي التنظيمات الإرهابية، والحروب في القرن الإفريقي، والمجاعة، إضافة إلى الثورات في شمال إفريقيا، وهو ما يرفع من مستوى تهديد المصالح الأجنبية بالمنطقة. وفي هذا الصدد أكد كريستوفر روس في أعقاب الجولة الثامنة من المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء بمانهاست (ضواحي نيويورك(، أن كل طرف استمر في رفض مقترح الطرف الآخر كأساس وحيد للمفاوضات المقبلة مع تأكيد إرادتهما للعمل سويا من أجل إيجاد حل سلمي طبقا لقرارات مجلس الأمن الدولي. على الرغم من أن المفاوضات تعثرت وعلى العكس مما توقعه إبراهيم غالي عضو جبهة البوليساريو من أن الجولة الثامنة من المفاوضات التمهيدية بين البوليساريو والمغرب "ستكون حاسمة"، فإن الإبقاء على مسار التفاوض قائما يعد في حد ذاته نتيجة إيجابية، وهو ما عبر عنه مايسترو المفاوضات "كريستوفر روس" بقوله، أن "الطرفين -المغرب والبوليساريو- باشرا محادثات ستعمق خلال الأشهر المقبلة حول مواضيع الحكامة على غرار التعليم والبيئة والصحة دون المساس بالوضع النهائي لإقليم" الصحراء الغربية... وأنهما قررا العمل مع الأممالمتحدة خلال الأشهر المقبلة بشان مسائل الموارد الطبيعية وإزالة الألغام لتعميق المحادثات في إطار المفاوضات، وبحث تطبيق برنامج العمل لسنة 2004 والزيارات العائلية برا، وقد أعرب الطرفان عن نيتهما في المشاركة في الملتقى الذي ستنظمه المفوضية السامية للاجئين بمادير (البرتغال) في سبتمبر 2011 وفي اللقاء التقييمي المقبل مع مكتب المفوضية السامية للاجئين بجنيف المقرر عقده في أكتوبر2011. ولذلك سارعت فرنسا إلى الإشادة بمواصلة المفاوضات من أجل "حل سياسي واقعي ومستدام ويحظى بقبول جميع الأطراف" لقضية الصحراء، لأن العرقلة بحسبها "ليست في مصلحة أحد". إن الاستراتيجية التفاوضية للمغرب خلال هذه المفاوضات عملت على تقوية مصداقية مقترح منح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا بعد التنصيص عليه في دستور البلاد الجديد، عرض تفاصيلا شاملة حول مقترحه وفق ما تقتضيه مبادئ الشرعية الدولية. وتنسجم بذلك الاستراتيجية التفاوضية للمغرب مع التذكير بفضاعة الأوضاع الإنسانية في مخيمات تندوف، تجويع وتنكيل، والاتجار في المساعدات الغذائية المرصودة للمحتجزين في المخيمات... ومواصلة تكثيف الضغط الدبلوماسي على الجزائر بتجديد دعوة المجتمع الدولي والجزائر، الدولة المضيفة للاجئين، إلى تطبيق القوانين الدولية الإنسانية وحقوق الإنسان في المخيمات التي تقع ضمن مسؤولية والتزامات الجزائر، ولاسيما الالتزام بمقرر تقرير بان كيمون الأخير حول الصحراء، والذي دعا الجزائر إلى السماح للمنظمة الأممية للاجئين بإحصاء سكان المخيمات فوق التراب الجزائري. وقد أثمر إلحاح المغرب على وشك تنفيذ هذه التوصية والاتفاق على تعميق النقاش حول سبل إشراك أعضاء صحراويين نافذين يحظون بالمصداقية من الأقاليم الجنوبية أو من خارجها في الاجتماعات المقبلة "حتى يساعدوا في البحث عن حل نهائي للقضية". وإذا كانت الأممالمتحدة تتحدث عن حل سياسي متوافق عليه لحل النزاع في الصحراء، فإن تصريحات جبهة البوليساريو تحاول استثمار استقلال جنوب السودان والثورات العربية لإقناع الأممالمتحدة بإعادة مبدأ تقرير المصير في معناه التقليدي، ولذلك لم تتناغم نبرة تصريحات قادتها الأخيرة مع ما تسميه ب "كفة الحل السلمي للأزمة"، مبقية على تمسكها بما تقول عنه الشرعية الدولية. ولذلك عوضت تصريحات التهديد بخطاب أكثر دبلوماسية هذه المرة، حين استبقت المفاوضات بحديث عبد العزيز المراكشي عن "استعداد "جبهة البوليساريو" وصفه ب "التعاون البناء" من اجل تطبيق ميثاق وقرارات الأممالمتحدة المتعلقة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية". وهو الخطاب الذي يرفض إيجاد أي تسوية سياسية لحل النزاع في الصحراء. وأمام هذا التصعيد لجبهة البوليساريو المنتشية بنجاح استقلال جنوب السودان، فإن الدبلوماسية المغربية التزمت الهدوء والدفاع الدبلوماسي، حيث عبر رئيس الدبلوماسية المغربية الطيب الفاسي عن "التزام المغرب بتعميق علاقاته متعددة الأوجه مع المنتظم الأممي خدمة للسلم والأمن وتعزيز الحريات الفردية والجماعية". وعلى العموم فإن عدم تحقيق تقدم بخصوص التوافق على نقط مشتركة يمكن أن تشكل أساس المفاوضات الرسمية قد يدفع في اتجاه اقتراح آليات بديلة لحل النزاع في الصحراء، كتقديم بديل حاسم على الأطراف مرفقا بآلية تفعيله. أي أن قناعات إيجاد حل سياسي مقبول للطرفين سيتم التراجع عنه في الاقتراحات الأممية المقبلة لصالح اقتراح بديل جديد يفرض على الأطراف. وإن كانت بوادر هذا الخيار بعيدة الحدوث على الأقل في الظروف الحالية، إلا أنه وبعد انفصال السودان فإن البوليساريو ستبقي العصا في عجلة المفاوضات إلى حين حصول هذه القناعة مادامت لا تمتلك الشجاعة الكافية لاتخاذ قرار مستقل بشأن رؤيتها تجاه مستقبل النزاع في الصحراء إلا بإشارة من الجزائر، وهو ما لا يجعلها تقبل بأي حل لا يرضي رغبة الجزائر في الهيمنة على المنطقة، ما لم بفرض الحل أمميا. *محلل سياسي مهتم بقضية الصحراء