أحداث مقلقة تعيشها مدينة الحسيمة، ومنطقة الريف بصفة عامة، منذ حوالي سبعة أشهر، بسبب ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية والتوتر المتصاعد نتيجة تأجيج النزاع، بعد تداخل عدد من الأحداث ذات الصلة، آخرها منع خطيب مسجد من أداء خطبته بدعوى أنها وصفت المحتجين بكونهم يشعلون الفتنة في المنطقة. وما تلا ذلك من اعتقالات في صفوف عدد من متزعمي الاحتجاج بأمر من والوكيل العام للملك، وإحالتهم على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتهم "استلام تحويلات مالية ودعم لوجستيكي من الخارج بغرض القيام بأنشطة دعائية من شأنها المساس بوحدة المملكة وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية والمؤسسات وإهانة رموز الدولة في تجمعات عامة". كما تم، بأمر من الوكيل العام للملك، توقيف ناصر الزفزافي، أحد متزعمي احتجاجات الريف، بسبب إقدامه، بمعية مجموعة من الأشخاص أثناء تواجدهم داخل مسجد محمد الخامس بالحسيمة في ظهر آخر جمعة من شهر شعبان، بحسب بلاغ الوكيل العام، بعرقلة حرية العبادات وتعطيلها أثناء صلاة الجمعة؛ وذلك بمنعه الإمام من إكمال خطبته، وإلقائه داخل المسجد خطابا تحريضيا أهان فيه الإمام، وأحدث اضطرابا أخل بهدوء العبادة ووقارها وقدسيتها. وللتذكير، فإن القانون الجنائي المغربي في فصله 221 يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، فضلا عن الغرامة، كل "من عطل عمدا مباشرة إحدى العبادات، أو الحفلات الدينية، أو تسبب عمدا في إحداث اضطراب من شأنه الإخلال بهدوئها ووقارها". وقبل القيام بأي قراءة أولية لهذه الأحداث، يجب الإقرار بداية بأن مطالب الاحتجاج المرفوعة مطالب مشروعة ومعقولة ترتبط بمجموعة من الحقوق ذات الطبيعة الاجتماعية (الصحة، الشغل)، أو الاقتصادية، أو الثقافية، وبإعمال الحكامة ومحاربة الفساد. إلى حد هنا فإن هذه المطالب مقبولة وتقتضي الاستجابة لها في حدود الممكن وما هو مسطر في البرامج الوطنية لفائدة المنطقة، وأيضا ما هو مخطط في إطار برنامج تنمية الجهة. لأنه كما يعلم الجميع، فإن عددا من المناطق القروية والجبلية الأخرى تعيش خصاصا مهولا على مستوى الحقوق ذاتها، الاجتماعية والاقتصادية، وعلى مستوى البنيات التحتية الأساسية، وبالتالي لا يمكن للسلطات أن تسقط في فخ إسكات احتجاجات منطقة على حساب أخرى؛ لأن ذلك سيخلق قاعدة مفادها بقدر ما تحتج بقدر من تُلبى مطالبُك، وهي قاعدة مغلوطة لا تستقيم مع منطق إعمال الحقوق بالتساوي وبالإنصاف بين جميع جهات المغرب. توالت زيارات أعضاء الحكومة والاجتماعات مع ممثلي السكان، وأيضا اجتماعات السلطات المحلية مع المنتخبين ومع ممثلي الساكنة، وتم الكشف عن مجموعة من البرامج والمشاريع والأوراش، منها ما هو آني وما هو على المدى المتوسط. ومع ذلك ازدادت وتيرة الاحتجاجات، بل تطورت وبصورة غير مقبولة إلى مواجهات بين عدد من المحتجين ورجال الأمن ورشقهم بالحجارة وتعنيفهم. استمرار الاحتجاج، بحسب خطابات متزعمي المحتجين، يجد تبريره في "عدم وجود ضمانات" بخصوص تلبية المطالب، لاسيما وأن سكان المنطقة -بحسب الخطابات ذاتها المنقولة عبر "فيسبوك"-اعتادوا على تدشين المسؤولين لعدد من المشاريع دون أن تجد طريقها إلى الإنجاز. وإذا كانت هناك حاجة ماسة في هذه اللحظة إلى تحمل الأحزاب السياسية والمنتخبين مسؤوليتهم في إعادة بناء الثقة، وفي إطلاق حوار حقيقي ومسؤول ومُلزم، وأيضا إلى مبادرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يمكن أن يقوم بدور الوساطة والقيام بعمليات استباقية لنزع فتيل التوتر، وإذا كان من الواجب التذكير بإعمال القانون واحترامه من الجميع: سلطات ومحتجين، فإنه من غير المقبول انحراف الاحتجاج والمس بمؤسسات الدولة والشعب المغربي، وبثوابت الأمة المغربية وهي: الدين الإسلامي والوحدة الوطنية والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي. فهذه الثوابت المنصوص عليها في الدستور ليست مِلكا لواحد دون الآخر، بل هي ملك لجميع المغاربة راكموها في تاريخهم الحضاري واتفقوا عليها وعقدوا العهد على حفظها؛لأنها هي سبب استمرارهم كأمة موحدة وكدولة مستقرة لها نموذجها الديمقراطي الذي يواصلون بناءه حجرة حجرة. لذلك، فإن الخطر كل الخطر أن ينحرف الاحتجاج ويأخذ مسارا آخر يهدد استقرار وأمن المغرب. لقد اعتُبر دستور 2011، لحظة إقراره، بكونه شكل انتصارا للحقوق والحريات بالمغرب، لاسيما وأنه خصص لها بابا كاملا (الباب الثاني من الدستور)، تضمن جل الحقوق المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومنها طبعا: حريات الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي (الفصل 29 من الدستور)، لكن إعمالها مشروط باحترام القانون؛ وبذلك فالمواطنون ملزمون في ممارستهم للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور باحترام الدستور والتقيد بالقانون، والتحلي بروح المسؤولية والمواطنة الملتزمة التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات (الفصل 37 من الدستور). *أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق المحمدية، جامعة الحسن الثاني