في غياب التصريحات والمؤتمرات الصحفية، كشفت إشارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أول جولة له أن أفضل حلفائه موجودون بمنطقة الشرق الأوسط وأنه أراد أن يبدو جادا في أوروبا من اجل تحقيق أهدافه. واستخدم ترامب بالكاد شبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) في التفاعل، الأمر غير المسبوق بالنسبة له خلال حملته الانتخابية ومنذ وصوله إلى الرئاسة في يناير الماضي، فيما قلل البيت الأبيض من خطاباته واتصالاته مع الصحافة لأدنى حد ممكن تجنبا للأخطاء والردود العفوية على قضية روسيا وإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إفي بي اي) وقضايا أخرى مثيرة للجدل. إلا ان لغة الجسد والإشارات كشفت مواقف الرئيس الأمريكي خلال رحلته، التي استهلها في 19 من مايو وشملت زيارات لكل من السعودية وإسرائيل والضفة الغربية والفاتيكان وبروكسل وصقلية (إيطاليا). فقد تباهى ترامب في عدة مناسبات خلال رحلته بالاتفاقيات التي وقعها مع السعودية لبيع أسلحة بقيمة 11 مليار دولار لهذه المملكة العربية، وكذلك بالعلاقة الطيبة التي أرساها مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، الذي يرى أنه له دور اساسي في محاربة الإرهاب. وكرمز للتحالفات الجديدة لترامب في إطار استراتيجية مكافحة الإرهاب، التقطت صورة في الرياض يظهر بها الرئيس الأمريكي بجوار العاهل السعودي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهم يضعون أيديهم على كرة أرضية صغيرة وبراقة، وقد انتشرت هذه الصورة بشكل كبير على شبكات التواصل الاجتماعي. وتكررت الابتسامات والإشادات ومظاهر التناغم في إسرائيل، حيث برهن ترامب على العلاقة الممتازة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أشار إليه باسم "بنجامين" أو "بيبي". كما أصبح ترامب أول رئيس أمريكي يزور أثناء توليه منصبه حائط المبكى ببلدة القدس القديمة (التي تحتلها إسرائيل)، ما أدى إلى ارتياح بين الإسرائيليين. وكانت إسرائيل وكذلك بيت لحم، حيث اجتمع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، محطتين لهما قيمة رمزية كبيرة بالنسبة لترامب، الذي تعهد بدفع عملية السلام في المنطقة دون اي يقدم حتى الآن اي مقترح أو إجراء محدد لتحقيق هذا الهدف. ويبدو ان زيارة الرئيس الأمريكي للفاتيكان تركت أثرا كبيرا لديه، فخلالها لم تترك الابتسامة شفتيه خلال اجتماعه مع البابا فرانسيس مقابل وجه مضيفه الذي بدا جادا في البداية، كما لم يتوقف عن الإشارة إلى ما تعنيه معرفة الحبر الأعظم من "شرف" بالنسبة له. وكانت محطته التالية في بروكسل لحضور قمة زعماء دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ولكن ترامب أراد في البداية الاجتماع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مأدبة غداء خاصة. وستبقى المصافحة الممتدة بحرارة بين ترامب وماكرون، وفقا للحاضرين، بين أكثر الامور التي أثارت التعليقات خلال الجولة، وبالمثل ستظل محفورة في الذاكرة دفعة لزعيم الأمريكي لرئيس وزراء مونتنيجرو، داسكو ماركوفيتش، كي يقف ترامب في الصف الأول بالصورة الجماعية لقمة الناتو في بروكسل. تلت هذه الدفعة الخطاب التحذيري لترامب الذي اتهم خلاله الحلفاء بعدم توجيه الموارد الكافية للدفاع المشترك، وللتناقض أشاد في الوقت نفسه بما بدا من التزام باتفاق الحماية المتبادلة للحلف. وفي الناتو شوهد ترامب في حالة من التوتر والجدية والانعزال، فيما بدا أكثر راحة وهدوءا في الاجتماعات مع مجموعة محدودة من المتحدثين وفي أجواء أكثر حميمية في قمة زعماء مجموعة الدول السبع (جي7) بمدينة تاورمينا الإيطالية، حيث اختتم جولته. وقد أجرى زعماء (جي7) نزهة في شوارع تاورمينا دون ترامب، الذي تنقل على متن سيارة جولف، بعدما بدا خلال القمة وحده أيضا في تشككاته حيال اتفاق باريس حول التغير المناخي وإدانة الحمائية الاقتصادية.