تقول الأخبار المروجة من طرف حكومة الأحزاب الستة أن هذه الحكومة رصدت 650 مليار سنتيم (650 مليون أورو) لإنجاز مشاريع ما بين 2017 و2019 في إطار برنامج "الحسيمة منارة المتوسط". ولا تعليق لدينا عن ضآلة المبلغ المخصص لإقليم عانى التهميش والإقصاء والشتم والتخوين في دولة الاستقلال. وإنما نتساءل مع الساكنة إلى أين سيستقر هذا المبلغ فعليا؟ برنامج "الحسيمة منارة المتوسط، تقرر منذ سنتين، في 2015، ولم يتحرك إلا حينما بدأت الساكنة حراكها، وبدل أن توضح حكومة الأحزاب الستة أسباب تعطيل البرنامج ومحاسبة من كان مسؤولا على ذلك التعطيل، راحت تعد بأن إنجاز البرنامج سيتم ما بين 2017 و2019، فسبحان الله محرك ما لم يكن يتحرك. فهل يمكن أن نأخذ ما روج له الوزراء الستة من حكومة الأحزاب الستة مأخذ الجد؟ تقول الحكمة: "من كذب علينا مرة واحدة، يمكن أن يكذب علينا ألف مرة"، أي من أخل بوعوده مرات عديدة من يضمنه بأنه سيفي بوعوده هذه المرة؟ ألم تَعِدْ الحكومات المتعاقبة على مغرب الاستقلال بالنهوض بالريف؟ نسأل المختصين في الدراسات الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والثقافية عما تحقق في الريف زمن دولة الاستقلال؟ إذا تجاوزنا عهد الحسن الثاني الذي لخص علاقة حكمه بالريف في خطاب يناير 1984، فإن الساكنة استبشرت، منذ شهر شتنبر 1999، بآمال عريضة في العهد الجديد، وفي الخطاب الملكي بالحسيمة سنة 2004 عقب زلزال الأرض، والذي جاء فيه بصفة خاصة "ومن منطلق منظورنا الاستراتيجي للقضايا الكبرى للأمة، فقد أصدرنا تعليماتنا للحكومة، قصد الانكباب الفوري ، على إعداد مخطط تنموي مندمج وهيكلي ،على المدى المتوسط والبعيد من أجل تأهيل إقليمالحسيمة، وإعمار منطقة الريف. وسنقف شخصيا، سواء من خلال المتابعة الموصولة، أو الوقوف في عين المكان، على حسن إنجاز البرنامج الاستعجالي، واعتماد المخطط المتوسط والبعيد الأمد، الكفيل بجعل منطقة الريف، التي نوليها عنايتنا الفائقة، قطبا للتنمية الحضرية والقروية، في جهة الشمال، مندمجا في النسيج الاقتصادي الوطني". قبل أن يؤكد جلالته في الخطاب نفسه ان هذا المخطط ينبغي "أن يتضمن مشاريع مضبوطة، في أهدافها ووسائل تمويلها، وآجال إنجازها وتقييمها، لتمكين المنطقة من التجهيزات الأساسية، المائية والكهربائية والطرقية الكفيلة بفك العزلة عنها، وربطها بالشبكة الوطنية عبر محور فاس - الحسيمة والاسراع بإنهاء المدار الطرقي المتوسطي ، مع إيلاء أهمية خاصة ، لتشجيع الاستثمارات والمشاريع التنموية، المدرة لفرص الشغل، خاصة في قطاعات السياحة والصيد البحري، وبناء اقتصاد فلاحي عصري ومنتج". غير أن الحكومات المتعاقبة لم تترجم ما بشر به الخطاب الملكي من مشاريع على أرض الواقع. وبدل أن تتعهد حكومة الأحزاب الستة بأنها ستُفعّل ما جاء في الخطاب الملكي، وكان عباس الفاسي قد وعد علانية بأن برنامج حكومته يقوم بتفعيل خطب صاحب الجلالة، ولكنه لم يفعل بالنسبة للحسيمة على الأقل، لجأت هذه الحكومة ممثلة في أحزابها إلى اجترار تهم حكومة أحزاب سنة 1958، وهو، أن مطالب ساكنة الريف ليست اجتماعية، بل أفكار تهدد الوحدة الوطنية وتخدم أجندة أعداء الوحدة الترابية للمغرب، في خرجتها بتاريخ 14 مايو 2017 على القنوات الرسمية. والمغاربة الحقيقيون يعرفون، لكن من خارج المقررات المدرسية والحزبية والخطب الانفعالية، أن ساكنة الريف وطنيون، لا يرضون أن يروا وطنهم نهبا وملكا مشاعا بين ورثة الاستعمار، بل يريدونه وطنا لكل المغاربة، دون استثناء في كل جهات المغرب الأربع. وإذا عدنا إلى المشاريع التي تم الإخبار بانتهاء الأشغال منها، أو تلك التي أٌعلن انطلاقها، فإننا نسأل هل الطريق المدارية التي تم انتظارها أكثر من نصف قرن، والتي تم تدشينها النهائي، قبل بضع سنين فقط، تعتبر طريقا مستوفاة لمعايير السلامة ومعايير البنية التحتية المساعدة على جلب الاستثمار للمطقة؟ وهل تثنية طريق تازة – الحسيمة التي انطلقت "أشغالها" منذ سنة 2011، وكان الوعد بانتهاء الأشغال فيها سنة 2015 قد تحققت؟ وهل إعلان الوفد الوزاري للأحزاب الستة بأن أشغالها ستكتمل في 2019 له مصداقية؟ دون أن يقدم أي ضمان حقيقي للموعد الجديد؟ مشروع آخر ، وهو متحف الريف، قُدّم الوعد بإنجازه سنة 2011 في أقرب وقت، بمساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي تقدر بأربعة (4) ملايين أورو (4 ملايير سنتيم مغربي) و200 مليون سنتيم من صندوق الجماعات المحلية التابع لوزارة الداخلية. مع العلم أن الوعاء العقاري كان ولا يزال موجود لهذا الغرض داخل مدينة الحسيمة، مقابل ساحة محمد السادس، منذ سنوات طويلة. لكن شيئا من ذلك لم يحدث ولم ينجز. فهل الأمر يتعلق بالخوف من ذاكرة الريف؟ أم يتعلق باستمرار سياسة تهميش الريف ومحاصرة تراثه على الإطلاق؟ أم أن ضياع ميزانية هذا المشروع الثقافي حدث بسبب عدم استفادة جهات معينة منها؟ أم أن هذه العوامل مجتمعة كانت وراء إبطال المشروع؟؟؟ ومن المشاريع العلمية التي تم رفعها من قبل مجموعة من الفاعلين الجامعيين والثقافيين والمؤرخين إلى هيأة الإنصاف والمصالحة برئاسة إدريس بن زكري سنة 2004 في إطار ما أطلق عليه آنذاك "جبر الضرر الجماعي"، هو إنشاء جامعتين علميتين في كل من الحسيمة والناظور تحملان اسمي رمزين وطنيين هما: محمد بن عبد الكريم الخطابي ومحمد الشريف أمزيان. وتلقينا وعودا شفوية. لكن لم يكن هناك أي التزام كتابي. (ونص المشروع موجود في أرشيف أولئك الفاعلين) ومن الأمور التي ركز عليه المشروع هو دراسة البيئة في الريف ولما تصلح له، والمساعدة على الإقلاع الصناعي المنتج للشغل والثروة. ومن السياسات التي تكرس فقدان الثقة في وعود حكومة الأحزاب الستة، كما فقدت في من سبقها، هو تعثر إتمام إنجاز "مركز الأنكولوجيا"، الذي كان يأمل منه الساكنة المساهمة في الوقاية والعلاج من مرض السرطان الشائع جدا في الريف، بأسباب لم تبادر أي حكومة مغربية أو مركز بحث علمي وطبي بالكشف عن حقيقة هذا المرض وكيفيات الوقاية منه. ربما اعتبرت حكومات المغرب المستقل، بما فيها حكومة الأحزاب الستة، أن ظاهرة السرطان في الريف، وظاهرة التهجير كذلك، حلان سحريان للتغلب على الجانب الديمغرافي المزعج في هذه المنطقة العصية عن الترويض للسياسات الحكومية المطبقة على أرض واقع المغرب غير النافع. هناك عشرات المشاريع المروج لها في وسائل الإعلام الحكومي والحزبي من أجل الاستمرار في الاستغفال والتمويه والاستحمار، وفي أحسن الأحول اللجوء إلى ممارسة "طهي الأحجار" لتنويم ما لا ينام. فيا حكومة ويا أحزاب شاهدوا أنفسكم قليلا في مرآة وطنكم وفي نصوص دستوره، وفي عيون سكان المغرب غير النافع، المغرب العميق، وفي مشاعر شباب هذا الوطن الذي تحكمونه، وفي عزوف الناخبين عن صناديق الاقتراع، وفي مستوى قراءة منشوراتكم الإعلامية المتدني جدا بين المواطنين الذين يرفضون ثقافة الرعايا الخانعين لذوي السلطة. وفي حالة الامتناع عن الركوع والخنوع يتم رميهم بكل نعوت التخوين والتهم بالعمالة لأعداء الوطن. وفي ختام هذه الكلمات الصادرة من مغربي يناضل من أجل أن يشعر بأنه مواطن في وطنه، وليس مجرد رعية عليه بالامتثال لما يقوله له وزراء الأحزاب الستة، الذين اتهموا بدون دليل أو برهان، جزءا من الشعب المغربي بالانفصال سنة 2017، سيرا على خطوات أسلافهم سنة 1958. فكل ما تغير هو عدد الأحزاب؛ ففي 1958 كان عدد الأحزاب ثلاثة (3) وأصبح الآن ستة (6 )، فهل من زيادة إلى تسعة (9 ) ليكتمل المعنى؟ الشيء الوحيد الذي حمله معهم الوزراء الستة للأحزاب الستة إلى الحسيمة في زياره 22 مايو 2017 هو إخبار وزير الداخلية أنهم جاؤوا إلى الحسيمة بأمر من صاحب الجلالة. ومعنى الخبر في نظري، أنهم (الوزراء) لولا الأمر الملكي لما جاؤوا. وكان وزير تجهيز سابق قد قال لبرلماني حسيمي عن مشروع طريق تازة – الحسيمة، بأنه لولا القرار الملكي الصارم بشأن إنجاز هذا الطريق لتخلى عنه، واصفا إياه بعدم المردودية. والمواطنون ينتظرون تكفل صاحب الجلالة بمتابعة إنجاز المشاريع المعلنة، وتلك التي يطالب بها الحراك. فلا أمل يرجى فعليا إلا في جلالته.