ينضم الحادث المأساوي بمدينة مانشيستر الانجليزية ليوم الإثنين 22 ماي، الذي خلف حوالي 22 قتيلا و50 جريحا، إلى لائحة الأحداث الإرهابية الأخيرة كحادث لندن في مارس الماضي، أو حادث الشانزيليزيه الباريسي في أبريل، وغيرها في مناطق مختلفة من العالم... وحادث 22 ماي بمانشيستر هو الأعنف بعد حادث محطات لندن في يوليوز 2005 الذي خلف بدوره حوالي 50 قتيلا و700 جريح. التكتيك نفسه المتبع، أي مفاجأة الأبرياء بالإجهاز عليهم في أماكن عامة ودون رحمة... "ذئاب منفردة" تتوصل بتعليمات عن بُعْد ويتم تدجينها عن طريق "الكوتش الافتراضي"، هدفها زعزعة الطمأنينة والسلم الاجتماعي، كما يستغلون بكل حقارة جنح الظلام، سواء بمسرح البتكلان الباريسي أو فضاءمانشيستر، في ارتكاب جرائمهم الإرهابية. لذلك كنا نطرح في كل مناسبة أسئلة تتعلق بتوقيت العمليات الإرهابية واقترانها بزمن الانتخابات في بلدان أوروبا؟ ومن يخدم من؟ خاصة وأحداث قطار مدريد لسنة 2004 ليست ببعيدة؛ حيث وقعت الانفجارات قبل 3 أيام من انتخابات مارس 2004، كما أن حادث الشانزليزيه وقع 3 أيام قبل رئاسيات فرنسا في أبريل 2017، وهي أحداث تُقوي مشروعية التساؤل. بريطانيا تعيش اليوم حدادا وطنيا، وهي تُحصي قتلاها وجرحاها، وتُساندها القوى الحية في العالم وتُعلن عن حدادا إنسانيا، وتُعلن رفضها لكل أنواع العنف والتطرف الديني أو السياسي أو الفكري... لكن بريطانيا تعيش أيضا فصلا سياسيا متشابك المصالح ومتعدد التصورات؛ فهي من جهة جعلت على رأس عاصمتها لندن السيد صادق خان، ذو الأصل الباكستاني المنتمي لحزب العمال البريطاني، وهي بهذه الصورة تُعطي مثالا ايجابيا للمجتمع متعدد الثقافات والديانات والمنفتح على أبنائه ذوي الأصول المهاجرة المسلمة، ومن جهة أخرى تُقرر باستفتاء 23 يونيو الخروج من الاتحاد الأوروبي لتحفظ حدوها وأمنها من المهاجرين والإرهاب، وغير ذلك. وسيزاد المشهد إثارة عندما ستقرر رئيسة الوزراء، السيدة تيريزا ماي، عن حزب المحافظين (الطُوري)، في منتصف أبريل الماضي، إجراء انتخابات مبكرة في 8 يونيو 2017 . وقد اختلفت تعاليق العديد من المراقبين حول قرار الانتخابات المبكرة بين وصفه بالمفاجئ والتكتيكي، وذهب آخرون أبعد من هذا بوصفه "انقلابا". على اعتبار أن الولاية الحالية ستنتهي في 2020، بمعنى أن ماي تيريزا أمامها فقط سنتيْن على رأس الحكومة، لهذا كان الهدف هو التمديد من عمر الولاية، وتأكيد سيطرة حزب المحافظين لخمس سنوات قادمة، في حين جاء تبرير السيدة تيريزا لقرار الانتخابات بأنها تريد أغلبية قوية ومنسجمة في مفاوضات البريكسيت! وغير بعيد عن الحقيقة، لا بد من الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي المؤيدة لحزب المحافظين اقتربت من نسبة 50%، وفارق 20 نقطة عن الحزب العمالي المعارض برئاسة جريمي كوربين، بالإضافة إلى الحالة القانونية لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، أي التبليغ الرسمي للبركسيت (في 28 مارس 2017) وتطبيق مقتضيات الفصل 50 من ميثاق لشبونة... ووجود فريق داخل المحافظين لن يقبل بسهولة بعض بنود التفاوض مع بروكسيل. كل هذه عوامل دافعة ومشجعة لرئيسة الحكومة لإعلانها عن انتخابات 8 يونيو. من جهة أخرى، يمكن القول إن تيريزا ماي كانت مُجبرة على السير نحو انتخابات مبكرة؛ لأنها ورثت نتائج البريكسيت، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي وكذا الأمني. فقد تصاعد الدخان الأسود بعد اللقاءات الأولى بين كل من جونكير، رئيس اللجنة الأوروبية، ومايكل بارتني، المفوض الأوروبي للبريكسيت، ومسؤولي لندن، وخرجوا بانطباع الصعوبة والتصادم، مما جعل جونكير يقول بأن الاتحاد الاوروبي ليس ناد للعبة الغولف بحيث يمكن للأعضاء الانسحاب دون أداء... ردا على رفض لندن لتسديد ديون للاتحاد الاوروبي تراوحت بين 60 و100 مليار يورو، بالإضافة إلى تعقد مصير 3 ملايين أوروبي يقيمون ببريطانيا، فيما بادرت اللجنة الأوروبية بتحديد يوم 19 يونيو كبداية لمفاوضات البريكست، أي بعد انتخابات 8 يونيو. لقد تعودنا على عناصر الإثارة والمفاجأة في المشهد السياسي البريطاني، لذلك لا يمكن الجزم باكتساح حزب المحافظين لانتخابات 8 يونيو، على الرغم من نتائج الانتخابات المحلية في 4 ماي الماضي التي شملت حوالي 88 بلدية وكرست هيمنة المحافظين ( الطوري ) بحصة الأسد، وخسر فيها حزب ناجيل فراج ( حزب الاستقلال البريطاني) لحوالي 146 مقعدا، مما جعل دوغلاس كارلويل، وهو البرلماني الوحيد لحزب ناجيل فراج، يعلن عن نهاية الحزب وانسحابه منه منذ مارس 2017 لأنه فقد سبب وجوده، أي تحقيق مطلب البريكسيت! فانتخابات 8 يونو مفتوحة على جميع الاحتمالات، خاصة وأن الأسابيع الأخيرة عرفت تصاعدا لحزب العمال (الوينْغْ) على حساب حزب المحافظين (الطُوري)، بعد تبني حكومة المحافظين بعض الإجراءات التي ضربت مكتسبات الحماية الاجتماعية، لاسيما لطبقة المسنين. في حين قدم جريمي كوربين برنامجه العمالي راجعا بعقارب الساعة إلى الوراء بتبني تأميم قطاعات النقل والبريد والماء والطاقة وتطبيق ضرائب جديدة على الشركات، وهو منطق يتماهى مع المرجعيات اليسارية. مما جعله يقلص الفارق الكبير بينه وبين حزب المحافظين. من جانب آخر، فالبركسيت فتحت ملفات ساخنة أمام السيدة تيريزا ماي كعدم رغبة أسكوتلندا في مغادرة الاتحاد الأوروبي وتلويحها بإجراء استفتاء للانفصال عن لندن، لكن التوازنات الاقتصادية تحد من هذا الإجراء؛ إذ تبلغ مبادلات أسكوتلندا مع لندن حوالي 48،5 مليار جنيه استرليني، في حين لا تتجاوز 11،6 مليار جنيه مع الاتحاد الاوروبي. وفي زحام الحملة الانتخابية وبحث الأحزاب الرئيسية عن امتدادات وسط النسيج البريطاني، وما تعرفه المرحلة من تدافع من خلال تقديم برامج تستهوي انتماءات مختلفة للناخبين، تتوقف عقارب الساعة لتعلن عن حادث إرهابي ليوم 22 ماي ذهب ضحيته صبية وأطفالا صغارا كانوا في حفل موسيقي، ليعم الحزن والإدانة، ويتم تعليق الحملة الانتخابية على بُعد أسبوعين فقط من 8 يونيو! فهل ستحصل رئيسة الحكومة البريطانية على أغلبية مريحة وقوية تمكنها من مباشرة مفاوضات البريكسيت؟ وهل هول تداعيات البريكست وواجب تسديد لندن ما عليها لفائدة بروكسيل بين 60 و100 مليار يورو يتطلب صلابة سياسية لقرارات تاريخية خالدة، لذلك كان لابد من طلب شرعية أكبر وأقوى من خلال صناديق الاقتراع؟ وهل في الأمر شيء من مصلحة الحزب للانتخابات أكثر من الدولة مادامت مفاوضات البريكسيت تتطلب سنتيْن حسب الفصل 50 من ميثاق لشبونة، وهي المدة نفسها وتزيد لولاية حزب المحافظين الحاكم، أي سنة 2020؟ لكن ما يُؤرقنا حقا هو تزامن الضربات الإرهابية مع الانتخابات بالدول الغربية، ويبدو وكأن الأمر مخطط له مسبقا؛ فعند وقوع حادث إرهابي يقوم فريق بالتنديد وإقامة مجالس العزاء في العالم، ويقوم فريق آخر بفرض عقوبات وسياسات جديدة، في حين يقوم فريق ثالث بتجهيز عملية إرهابية جديدة، وهكذا! لكن الخطير في الأمر هو أن يتكون لدينا استعداد ذهني ونفسي بقبول دورنا في مجلس العزاء وإعلان التنديد، وأن يتكون لدينا "كليشي" عن الحادث الإرهابي وكأنه "حادثة سير" في الطريق العام! *الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج