تقع قلعة مكونة أو تغرمت نيمكون، بالأمازيغية، على بُعد حوالي 90 كلم شرق مدينة ورزازات، وهي جماعة حضرية تابعة لإقليم تنغير، وتشتهر هذه المدينة بزراعة الورود ذات الجودة العالية. ويقام على شرف هذا المنتوج مهرجان دولي سنوي من أجل تثمينه، والتعريف به وبمشتقاته التجميلية، وتسويق المواقع السياحية والثقافية التي تزخر به المنطقة. ويعود تاريخ بناء هذه المدينة، حسب عدد من الباحثين والمؤرخين، إلى العقد الثالث من القرن العشرين. كما يعود أصل تسمية المدينةبقلعة مكونة، "تغرمت نيمكون"، إلى اسم أحد الجبال القريبة منها، ويدعى جبل مكون، والذي يبلغ علوه حوالي 4000 متر؛ وهو الجبل الذي قدم منه سكان المنطقة. وتتميز المدينة بمناخ وتضاريس جميلة تجذب السياح من كل بقاع العالم، فضلا عن كونها تشتهر في العالم بقصباتها المنتشرة، على ضفتي نهري دادس ومكون. ويبلغ عدد سكان قلعة مكونة، حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، المعلن عنها سنة 2014، حوالي 16.956 نسمة. وتعيش غالبيتها من عائدات أبنائها المهاجرين بالخارج، فضلا عن الفلاحة والتجارة، وتشتهر المنطقة بإنتاج الورد العطري، الذي يستعمل في صناعة مواد التجميل وماء الورد. كما أن قلعة مكونة تتوفر على منتوجات فلاحية أخرى ذات جودة معترف بها مثل: اللوز والجوز والتين، ومنتوجات أخرى لا تتجاوز كمياتها حدود الاكتفاء الذاتي، كالزيتون والعنب والتفاح والمشمش. تتميز مدينة قلعة مكونة بمناخها المعتدل، وهي منطقة سياحية وإستراتيجية تربط إقليمي ورزازات وتنغير، لها مؤهلات بشرية وسياحية وطبيعية وثقافية وفلاحية، في حاجة إلى استغلالها بطريقة معقولة، والاهتمام بها من أجل تحقيق تنمية مستدامة ومندمجة في جميع القطاعات. كما أن المنطقة هي صلة وصل بين العديد من المناطق التابعة لإقليم تنغير، كمنطقة أوزيغيمت عبر الجماعة الترابية إغيل نمكون، وإقليم أزيلال. التلوث يفسد ملامح المنطقة بالرغم من أنها معروفة بقلعة السياحة والورود، نظرا لما تزخر به من مؤهلات طبيعية وفلاحية مهمة في هذين المجالين، ما زالت مدينة قلعة مكونة، إلى حدود اليوم، تعاني مجموعة من الإكراهات التي لن تساعدها لتنافس مدنا أخرى معروفة بالسياحة، أهمها التلوث البيئي الذي لطالما اعتبرته الساكنة كونه قنبلة موقوتة، في انتظار الانفجار؛ وهو ما يهدد البيئة والبشر والشجر بهذه المدينة. المطرح البلدي للنفايات الذي يوجد بالقرب من الساكنة له تأثير كبير على حياة المواطنين هنا بهذه المدينة الهادئة، نظرا للروائح النتنة والكريهة التي يستنشقها الصغار والكبار، خاصة في أوقات التي تهب الرياح على المنطقة؛ وهو ما يستوجب، حسب العديد من المواطنين، التعجيل بنقل المطرح البلدي الحالي إلى منطقة بعيدة عن السكان، لتفادي انتشار بعض الأوبئة والأمراض الخطيرة التي تسببها النفايات للإنسان، خصوصا وباء الليشمانيا الذي أصبح يؤرق سكان قلعة مكونة ونواحيها. وحسب الفاعل الجمعوي محمد أوشطو، فإن هذا المطرح يسبب للسكان معاناة كثيرة وكبيرة، حيث كلما تهاطلت الأمطار على المنطقة تقوم سيول الأودية بنقل الأزبال والنفايات إلى واد ميرنا، وبعدها إلى واد امكون، ومباشرة بعد ذلك يأخذها الواد الكبير إلى سد المنصور الذهبي بورزازات؛ وهو ما يهدد حياة البشر والشجر والبهائم، ونفوق الأسماك الموجودة بالسد سالف الذكر. كما عاينت جريدة هسبريس غياب الحاويات الخاصة بالنفايات والأزبال في كافة أرجاء المجال الترابي لمدينة الورود، بما فيها جنبات مقر بلدية قلعة مكونة؛ وهو ما فسره الفاعل الجمعوي محمد اشطوا بأن المجلس البلدي غارق في نومه ولا تهمه مصلحة المواطنين أو حماية البيئة، مشددا على أن المنطقة تعرف مجموعة من الاختلالات الكبيرة والكثيرة، والتي قال عنها إن المجلس الأعلى للحسابات أشار إلى بعضها في التقارير السابقة، دون اتخاذ أي إجراءات قانونية لمعاقبة المتورطين في القضايا والاختلالات التي كشف عنها المجلس سابق الذكر. كما طالبت ساكنة ميرنا، حسب تصريح أدلى به "سعيد ا" أحد المتضررين، لجريدة هسبريس، بضرورة تحويل مكان المطرح البلدي للنفايات الحالي إلى منطقة بعيدة، للحفاظ على البيئة وحماية الأطفال الصغار والمسنين من الأوبئة التي قد تصيبهم بسبب الروائح الكريهة، التي يستنشقونها صباحا ومساء؛ وهو ما يشكل خطرا على صحتهم. كما دعت الساكنة المسؤولين بالإقليم إلى تحمل مسؤوليتهم في ما ستشهده المنطقة من كوارث بيئية خطيرة مستقبلا، في حالة استمرارهم في التزام الصمت وعدم التحرك من أجل إيجاد حلول مناسبة لمشاكل التلوث بالمنطقة. جريمة بيئية بكل المقاييس شبكة التطهير السائل بقلعة الورود لها نصيب كبير في المعاناة التي تعيشها الساكنة، خاصة الأحياء السكنية والمؤسسات العمومية القريبة من محطة التطهير، التي تبين لجريدة هسبريس خلال معاينتها أنها مصدر الروائح الكريهة وبعض الأمراض التي تصيب الإنسان بهذه المنطقة التي لطالما اعتبرتها الجهات المسؤولة بأنها منطقة سياحية وجنة الورود، وغيرها من الألقاب التي تختفي بمجرد أن تزور المنطقة وتتجول بأحيائها. وأوضحت جمعية السلام للتنمية والثقافة أن سكان غالبية الدواوير التابعة لبلدية قلعة مكونة، كآيت بعمران وآيت بوبكر وتلتنمارت وزاوية اكرض والركن والقلعة القديمة والحارث وآيت مغار وآيت عيسى وميرنة العليا والسفلى وتلموت وجزء من حيي الانبعاث والنهضة، هم الأكثر تضررا خصوصا مع غياب وانعدام شبكة التطهير السائل؛ وهو ما يهدد الفرشة المائية بالتلوث، وانتشار برك مائية تخرج منها الروائح الكريهة، تفسد جماليةالمدينة وملامحها السياحية. واعتبرت الجمعية أن شبكة الصرف الصحي من بين المشاكل الكبيرة والكثيرة التي تعانيها منطقة قلعة مكونة، نظرا إلى غياب رؤية مستقبلية لدى القائمين على تدبير شؤون المجلس البلدي، لإصلاح محطة التطهير التي أصبحت مصدرا للروائح الكريهة والنتنة؛ وهو ما يهدد المتمدرسين والأطر التعليمية بالثانوية الإعدادية الورود، والمركز الصحي، ودار الثقافة، وعددا من الأحياء السكنية الموجودة بالقرب من محطة التطهير. كما شددت الجمعية على ضرورة فتح تحقيق لمعرفة الجهة المسؤولة عن الوضع الكارثي، الذي أصبحت هذه المحطة تخلفه في نفوس السكان أكد محمد أوشطو، الكاتب العام لجمعية السلام للتنمية والثقافة، أن المشكل لا يقتصر على الروائح الكريهة التي تسببها محطة التطهير، التي شيدت من لدن المكتب الوطني للماء الصالح للشرف ومنظمة تعاون ألمانية، وإنما هناك مشاكل أخرى تتجلى في كون المياه العادمة تسربت إلى بعض الحقول الفلاحية، وتقتات منها بعض المواشي؛ وهو ما يهدد سلامة وصحة مستهلكي لحوم تلك المواشي، فضلا عن أن تسرب المياه العادمة يسبب في تلوث البيئة والفرشة المائية الجوفية والسطحية. وكشف الكاتب العام للجمعية، في حديثه مع جريدة هسبريس الإلكترونية، عن مدى حجم المعاناة التي يعيشها المواطنون بقلعة مكونة مع الروائح الكريهة التي يستنشقونها صباحا ومساء وتسبب لهم أمراضا جمة، إضافة للمخاطر الكبيرة التي يتعرض لها أطفال المنطقة لوجود عدد من البرك للمياه العادمة. ووصف المتحدث مدى تأثير الساكنة من هذه المشاكل البيئية صحيا، فضلا عن توالد الذباب والبعوض وتلوث الجو بالروائح الكريهة ليكون بذلك مهددا لأمراض كثيرة وخطيرة. ودعا الفاعل الجمعوي جميع المتدخلين إلى ضرورة تحمل مسؤوليتهما، في التزامها الصمت أمام هذه المشاكل البيئية التي تهدد ببروز وضع كارثي خطير بالمنطقة، مشددا على أن التزام الصمت أمام ما هو واضح لن يزيد إلى اشتعال غليان الساكنة، وسيؤدي إلى مشاكل وعواقب خطيرة ستكون وزارة الداخلية هي المسؤولة. البلدية تجيب من جانبه، اتهم إبراهيم آيت القاسح، نائب رئيس المجلس البلدي لقلعة مكونة، جمعيات محسوبة على بعض التيارات السياسية التي تكن العداء للمجلس ممن يحاولون الاصطياد في الماء العكر واستغلال جميع التحركات ومطالب المواطنين، لتمرير مغالطات سياسية عبر وسائل الإعلام إلى الرأي العام، مشددا على أن المجلس البلدي لقلعة مكونة يتعامل مع جميع المواطنين بروح المسؤولية، بعيدا عن حسابات ضيقة وسياسية، إيمانا منه بأن المصلحة العامة فوق كل اعتبار، حسب تعبيره. وأشار إبراهيم آيت القاسح، في تصريح لجريدة هسبريس الالكترونية، إلى أن حي الانبعاث يشهد خلال هذه الأيام أشغال ربطه بشبكة التطهير السائل، والذي خصص له غلاف مالي يناهز مليونيْ درهم، بحسب ما أكد المتحدث. وأضاف المسؤول الجماعي أن حي النهضة بدوره سيستفيد من هذه الشبكة خلال الأشهر المقبلة، بعد أن قامت البلدية وشركائها إتمام إنجاز الدراسة الخاصة بهذا المشروع وبرمجته الذي وصفه المتحدث بالمهم والضروري. ونفى إبراهيم آيت القاسح أن تكون المياه العادمة تتسرب إلى الحقول الفلاحية أو تقتات منها المواشي، كما جاء في تصريح الكاتب العام لجمعية السلام للتنمية والثقافة، مشددا على أن البلدية حريصة على أن تبقى بيئة المدنية ونواحيها نظيفة، حفاظا على سلامة المواطنين، وحماية المدينة والاعتناء بها، باعتبار أن مدينة الورود مدينة تعرف بالسياحة من مختلف الأصناف. ولم يخف المتحدث ذاته كون المطرح البلدي للنفايات يعتبر نقطة سوداء، مشيرا إلى أن الوزارة المكلفة بالبيئة سبق أن خصصت له غلافا ماليا لبناء مطرح جديد؛ لكن المبلغ المخصص غير كاف من أجل بنائه بمعاييره. وأضاف المسؤول الجماعي أن الجماعات، بما فيهم بلدية قلعة مكونة، توصلت بمقترح على أساس بناء مطرحين للنفايات مشتركين بالإقليم الأول بتنغير والثاني ببومالن دادس، إلا أن الاقتراح إلى حدود الساعة أقبر لأسباب مجهولة، مشددا على أن المجلس البلدي مستعد للمساهمة في بناء مطرح مشترك أو بناء جديد بمعاييره الصحية. واسترسل المتحدث أن المجلس البلدي برمج، ضمن مشاريعه المستقبلية، بناء مطرح جديد للنفايات بمعايير صحية، مشددا على أن قلعة مكونة لا يمكن أن تتوفر على حاويات الأزبال؛ لأن المواطنين هنا ليست لديهم ثقافة الحاويات. وفي الأخير، أكد آيت القاسح أن المكتب الوطني للماء الصالح للشرب هو المسؤول عن محطة المعالجة، وهو المؤهل لتوفير مواد محافظة لعدم تسرب الروائح الكريهة، مشددا على أن المجلس سيقوم بدراسة هذه المشاكل مع المكتب الوطني للماء لحلحته في أقرب الآجال، داعيا الساكنة إلى وضع يدها في يد المجلس الجماعي لتحقيق التنمية المندمجة والمستدامة بهذه المدينة.