لم يكن المقترح الذي تقدم به فريق حزب العدالة والتنمية بإضافة بند جديد إلى مشروع قانون المالية يسمح للإدارة بالتملص من تنفيذ الأحكام القضائية، الذي وافقت عليه الحكومة، ليمر دون ردود فعل اتهمت الفريق الأول بالبرلمان بالتواطؤ مع السلطة التنفيذية للتهرب من تنفيذ الأحكام بمبرر عدم وجود اعتمادات مالية. ونصت المادة 8 مكررة، التي اقترحها فريق "المصباح" ووافقت عليها الحكومة، على أنه "يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية ألا يطالبوا بالأداء إلاّ أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية أو الجماعات الترابية المعنية"، مضيفة: "في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة أو الجماعات الترابية بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية". وتبعا للمادة المذكورة، فإنه يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبيَّن أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة، مشيرة إلى أنه "لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز لهذه الغاية". عبد اللطيف وهبي، البرلماني عن فريق الأصالة والمعاصرة، اعتبر في مقال له أن "إضافة هذه المادة من طرف الأغلبية في القانون المالي وصمت الحكومة، تكون قد خالفت الخطاب الملكي الواضح والصريح، وخرقت مسطرة التشريع، وخالفت مضمون الدستور"، وحذر من كون هذه المادة "مست بالضمانات الممنوحة للمواطنين، بل شكلت اتجاها نحو إهانة السلطة القضائية وتوجها واضحا نحو تحقير أحكامها". وتعليقا منه على الأمر، يرى عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون الإداري بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن "القاعدة العامة تؤكد أن المبادئ الأساسية لدولة القانون والمؤسسات هي احترام قرار القضاء"، مذكرا بمقولة لونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، عندما أمره القاضي بتغيير مطار عسكري خلال وجود بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، ولما صدر القرار بتغيير المطار من وسط المدينة إلى خارجها، قال عندما سئل عن رأيه: "أن يقال إن بريطانيا خسرت الحرب أفضل من أن يقال إن بريطانيا لم تحترم القضاء". أدمينو قال في تصريح لهسبريس: "عندما لا تعطي الإدارة المثال في تنفيذ الأحكام القضائية، فإنه لا معنى لها. وهذا يجعلنا نسائل المشرع حول القيمة الحقيقية للأحكام القضائية إذا لم تجد طريقها إلى التنفيذ بأي علة كانت وتحت أي ذريعة". وأكد أستاذ التعليم العالي أن "مسألة الميزانية يمكن أن تدخل ضمن الأخطاء الشخصية وليس الأخطاء المرفقية؛ حيث تنسب للإدارة عوض أن تنسب للموظف"، موردا أن "السمة الأساسية لدولة القانون هي احترام أحكام القضاء، وعدم احترامها فيه مساس بشمولية هذا المبدأ". "مهما اختلفت المبررات التي يقدمها المشرع، فإن الدستور جاء بالعديد من الضمانات المرتبطة وقدّم إمكانية للطعن من خلال الفصل 118 في القرارات القضائية أمام المحاكم المختصة"، يقول المختص في القانون الإداري الذي أكد "أن الطعن ضد الإدارة في ملفات عدم التنفيذ والجماعات الترابية ستكون دوافعه عدم توفر الالتزامات المالية، مما سيضيع حقوق المواطنين". جدير بالذكر أن الملك محمد السادس، في آخر خطاب له بمناسبة افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016، أكد أن "المواطن يشتكي بكثرة من طول وتعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة"، مضيفا أنه "من غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم؟".