لعب الحوار الاجتماعي أدوارا مهمة تغيرت مع تغير المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عالميا وقطريا ، فقد سجل أدوارا خاصة في القرن الماضي ارتبطت أساسا بالطبيعة الاحتجاجية والتصعيدية للحركة النقابية التي مزجت حينها بين المطالب الاجتماعية وضرورات التغيير السياسي وبنيات أنظمة الحكم ، لكن ومع مطلع تسعينيات القرن الماضي فرضت المتغيرات الدولية ميلاد حوار اجتماعي جديد بمعطيات جديدة وبعلاقات جديدة ، أخذ بعين الاعتبار تلك الأحداث العالمية وفي مقدمتها العولمة وبروز أكثر للسياسات النيوليبرالية ،استمر بعدها الحوار الاجتماعي بالانتظام في إيلائه دورا ممأسسا واضحا يتجلى بالخصوص في صيغة المواثيق الاجتماعية ، ولم يبرز إلى الواجهة في المغرب إلا مع انعقاده سنة 1996 ، الذي أفرز حينها وبعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات اتفاق فاتح غشت الشهير ، والذي لم يكن حينها سوى عنصرا ضمن حزمة من الترتيبات التي هيأت للانتقال السياسي . ومع ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 أصبح لزاما القيام بعملية تحديث للحوار الاجتماعي وإعادة تشكيل التعاطي مع القضايا والمتطلبات الاجتماعية وتجاوز قصر النظر الاجتماعي " myopie sociale " ، والانتقال من حوار اجتماعي يدبر الاستعجال ويجيب على الطوارئ ، إلى حوار اجتماعي يتعاطى مع الاستراتيجيات ويحسم في الأولويات الاجتماعية ، ويحلل الظرفية الاقتصادية والاجتماعية ، فلا يجب أن ينظر إلى الحوار الاجتماعي كوسيلة تقي من الاستشاطة الاجتماعية وتخمد نار الاحتجاج المعبرة أحيانا عن واقع الظلم الاجتماعي والتهميش الفئوي والمجالي ، ولا يمكن للحوار الاجتماعي أن يصبح أداة لإيقاف القلق الناجم عن الغبن الاجتماعي ، أو أن يصبح وسيلة ملحة فقط لتمرير الإصلاحات التي تفرضها الظرفية الوطنية أو العالمية أحيانا . الحوار الاجتماعي تبرره ضرورة تحسين الوضع الاجتماعي وتخليق النشاط الاقتصادي وعدالة اقتسام الثروة ، تلك العناوين التي تعد جزءا من المصلحة العامة للوطن وأحد منافذ الاستقرار الاجتماعي والسير العادي للمؤسسات ، ذلك ما يفرض توفر شروط ومقتضيات تجديد الحوار الاجتماعي " le renouveau du dialogue social " ونجاحه في مهامه ومنها أساسا : 1 – مأسسة الحوار الاجتماعي ، وهي تمثل انتظام على امتداد المساحة الواسعة التي تلتقي فيها الأطراف الثلاثة ، وهي لا تعني فقط اجتماعات ثلاثية دورية مع رئيس الحكومة بحضور ممثلي المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا وممثلي رجال الأعمال ، بل المأسسة تعني أن يجرى الحوار الاجتماعي : قطاعيا مع وزارة التشغيل لبحث قضايا القطاع الخاص والحماية الاجتماعية ، ومع وزارة الوظيفة العمومية لبحث قضايا القطاع العام ، ومع مختلف الوزارات الحكومية لبحث قضايا وخصوصيات تلك القطاعات ؛ مرفقيا مع المؤسسات العمومية بمختلف أصنافها ونشاطاتها ؛مجاليا مع الجهات والجماعات والسلطات المحلية والمصالح الخارجية ؛داخل المجالس الإدارية والمجالس الاستشارية الدستورية والوطنية . 2- إصدار قانون للنقابات لتحديد التمثيلية النقابية مركزيا وقطاعيا وطنيا ومجاليا ، فلا يمكن إقصاء النقابات النشيطة مجاليا أو قطاعيا لأن المركزية النقابية التي تنضوي تحتها ، لم تحصل على التمثيلية العامة الوطنية ؛ 3- إعادة النظر في منظومة انتخابات ممثلي المأجورين ، لتجاوز اختلال عدم التوازن في التمثيلية بين القطاع الخاص والقطاع العام ؛ 4– توحيد آلية التمثيلية داخل المجالس الإدارية والاستشارية الوطنية، باعتماد تمثيلية المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا ؛ 5 – حصر المرجعيات القانونية ذات الصلة بالقانون الاجتماعي ، وفتح حوار بشأن المرجعيات الدولية غير المصادق عليها ؛ 6 - اعتماد منهجية واضحة تعتمد على المشاورات الأولية بين الأطراف الثلاثة في إطار لجنة تقنية تساعد اللجنة العليا للتشاور في عملها ، واعتبار الحوار الاجتماعي كما عرفته منظمة العمل الدولية ، يتضمن كل أشكال المفاوضة والمشاورات وتبادل المعطيات بين الأطراف الثلاثة ، حول القضايا التي تمثل اهتماما مشتركا له صلة بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية ؛ إن اعتماد منهجية واضحة في سيرورة الحوار الاجتماعي من جهة ومأسسته من جهة أخرى ، عمل من شأنه أن يرفع من هذه الآلية ويجعلها تجيب على الإشكالات المطروحة في عالم الشغل من نزاعات فردية وجماعية وإغلاق للمقاولات وتسريح للعمال وخسائر في الاقتصاد وتشريد للأسر ، وتردي في ظروف العمل داخل العديد من الإدارات العمومية ، وضعف المردودية لدى شريحة واسعة من الموظفين ، والتفاوتات المادية والمعنوية في أوساط الموظفين والمستخدمين والأجراء . لكن في الأخير لابد من القول إن الحوار الاجتماعي هو وسيلة تفاوضية ثلاثية تفضي إلى توافقات بين الأطراف حول القضايا المطروحة للنقاش والتحليل ، والطلب والجواب والمفاوضة الجماعية بشأن المطالب المطروحة سواء عقب الحركات الاحتجاجية أو في غيابها ، الكل في إطار تقاسم متوازن للجهد والرضى على النتائج ، ذلك ما يمكن أن يعطي للحوار الاجتماعي المصداقية ولنتائجه القبول الأوسع من طرف مختلف الشرائح المعنية . *عضو مجلس المستشارين