صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع، بعد ظهر يوم الجمعة 28 أبريل المنصرم، لاعتماد القرار 2351 الخاص بالصحراء المغربية. وكما جرت العادة في السنوات السابقة، جدد القرار ولاية بعثة الأممالمتحدة في الصحراء المغربية لمدة سنة أخرى حتى 30 أبريل 2018. وباللغة نفسها المستخدمة في القرار 2285 (2016)، يرحب القرار الجديد "بالخطوات والمبادرات التي اتخذها المغرب مؤخرا والدور الذي قام به المجلس الوطني لحقوق الإنسان في منطقتي الداخلة والعيون وتفاعل المغرب مع الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة." إلا أن قرار هذا العام، الذي من شأنه أن يشكل انتكاسة كبيرة للجزائر والبوليساريو، يعيد التأكيد على أهمية النهج المغربي في إيجاد حل سياسي للنزاع يقبله كلا الطرفين. وبينما وضع قرار السنة الماضية المغرب والبوليساريو على قدم المساواة من خلال الإشارة إلى المقترح المغربي لعام 2007 القاضي بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا كخطوة لإيجاد حل سياسي للصراع، وإلى الاقتراح المضاد لجبهة البوليساريو الذي قدم في العام نفسه، فإن القرار الأخير يعطي أهمية أكبر إلى مقترح المغرب ويشير إليه بكثير من الاهتمام؛ بحيث يذكر أن مجلس الأمن "يرحب بالجهود المغربية الجادة وذات المصداقية لدفع العملية قدما نحو الحل". وفيما يخص مقترح جبهة البوليساريو المقدم إلى مجلس الأمن في 10 أبريل 2007، فالقرار الأخير يقتصر على إشارة بسيطة إليه دون أية إشادة تذكر. وتجدر الإشارة إلى أنه باستثناء القرار 2285 (2016)، رحبت جميع القرارات المتخذة منذ عام 2007 بالجهود التي يبذلها المغرب من أجل التوصل إلى حل سياسي يقبله الطرفان. وقد اعتبر الكثيرون أن إزالة كلمة "الترحيب" من قرار العام الماضي كانت نكسة للمغرب ومؤشرا على أن مجلس الأمن قد ينظر إلى مقترحات الطرفين على قدم المساواة. ولذلك فإن إعادة استعمال القرار الجديد لهذه الكلمة له أهمية كبيرة ويشير إلى أن مجلس الأمن يأخذ بعين الاعتبار مقترح المغرب في المقام الأول. إعادة التأكيد على حل مقبول من الطرفين يدعو القرار الأممي الأخير طرفي النزاع إلى إظهار التزامهما بتحقيق حل سياسي يقبله الطرفان. وفي هذا الصدد، خلافا لقرار العام الماضي، يؤكد النص الجديد في أربع فقرات أنه ينبغي تحديد أي حل سياسي في "سياق الترتيبات التي تتفق مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأممالمتحدة." وإذا كانت هذه الجملة قد استخدمت في قرار العام الماضي وفي القرارات المعتمدة في 2015 و2014 و2013 و2012 و2011 و2010 و2009 و2008 و2007 مرتين فقط -مرة واحدة في فقرات الديباجة ومرة واحدة في الفقرات العاملة – فإنها ظهرت أربع مرات في النص الذي اعتمده مجلس الأمن مؤخرا؛ مرة واحدة في قسم الديباجة وثلاث مرات في الفقرات العاملة. إن التركيز على هذه الجملة يتماشى مع التوصية الواردة في تقرير الأمين العام الذي دعا فيه الطرفين إلى العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي يتفقان عليه، وعلى تحديد معنى ونطاق لمفهوم تقرير المصير. وتتفق توصية الأمين العام ونص القرار الأممي مع موقف المغرب الذي طالما أصر على أن الاستقلال ليس هو السبيل الوحيد لتحقيق تقرير المصير، وأن الحكم الذاتي يدخل أيضا ضمن ترتيبات الأممالمتحدة التي من شأنها تحقيق تقرير المصير. وفي الوقت الذي تتشبث فيه البوليساريو بخيار الاستقلال عن طريق الاستناد إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 الصادر في ديسمبر 1960 الذي يعطي الأولوية لاستقلال الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، فقد أصر المغرب على أن تقرير المصير لا ينبغي أن يكون مرتبطا بالضرورة باستقلال الصحراء المغربية. ويستند موقف المغرب إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 (د - 25) المؤرخ في 24 أكتوبر 1970. ووفقا لهذا القرار، فإن "إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، أو الارتباط أو الاندماج مع دولة مستقلة أو ظهور أي مركز سياسي آخر يحدده الشعب بحرية، كلها تشكل وسائل لممارسة حق تقرير المصير من جانب ذلك الشعب". وبالإضافة إلى التأكيد على أهمية تجديد الأطراف التزاماتها بالعملية السياسية والإعداد لجولة خامسة من المفاوضات، يضيف القرار جملة جديدة: "تُشجع الدول المجاورة على تقديم إسهامات هامة في هذه العملية". وقد دعا المغرب مجلس الأمن منذ فترة طويلة إلى اعتبار الجزائر طرفا رئيسيا في الصراع. لهذا فإن إضافة القرار لغة جديدة تدعو الدول المجاورة إلى المساهمة في العملية السياسية هو مؤشر على أن الجزائر يجب أن تشارك في هذه العملية السياسية، وأن دعوات المغرب السابقة في هذا الشأن اتخذت بعين الاعتبار. من ناحية أخرى، يعتمد القرار لغة أكثر دقة في ما يتعلق بمسألة تسجيل الصحراويين الذين يعيشون في مخيمات تندوف. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب طالب مجلس الأمن منذ فترة طويلة بإجبار البوليساريو على السماح للأمم المتحدة بإجراء إحصاء للسكان المقيمين في مخيمات تندوف، إلا أن البوليساريو والجزائر لم تقبلا بعد بإجراء مثل هذا الإحصاء. إن اللغة الجديدة المعتمدة في قرار مجلس الأمن لهذا العام قد تبشر بمرحلة جديدة من المفاوضات، ربما تمهد الطريق أمام مجلس الأمن لإجراء هذا الإحصاء. وفي الوقت الذي لم يتجاوز فيه مجلس الأمن في قراره العام الماضي دعوة الأطراف إلى الامتثال لطلبات الأممالمتحدة، يؤكد القرار الجديد لهذا العام على ضرورة إجراء تعداد للسكان في مخيمات تندوف. دينامكية المفاوضات في صالح المغرب كانت النسخة النهائية من القرار باللون الأزرق (بمعنى أنها جاهزة للتصويت)، المقدمة إلى أعضاء المجلس صباح يوم الخميس 27 أبريل، ملزمة وسلبية للبوليساريو. ورحب القرار في ديباجته "باستجابة المغرب الإيجابية في 26 فبراير 2017 لنداء الأمين العام لكلا الطرفين بالانسحاب من الشريط العازل في الكركرات"، وأعرب عن "بالغ القلق لأن عناصر جبهة البوليساريو لا تزال في الشريط العازل في الكركرات، معرقلة بذلك حركة المرور التجارية العادية". وبالإضافة إلى ذلك، أعربت الفقرة 3 من النص نفسه الذي قدم للتصويت يوم الخميس عن قلقها العميق لاستمرار وجود عناصر من جبهة البوليساريو في الشريط العازل في منطقة الكركرات، وحثت بشدة جبهة البوليساريو على الانسحاب الفوري الكامل وغير المشروط من الشريط العازل بالكركرات. ويعكس النص الأول المقدم باللون الأزرق اللغة الواردة في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الصحراء المغربية. ولكن قبل بضع ساعات من التصويت يوم الخميس، واستشعارا منها لما يمكن أن يجره ضغط القرار من ردود حازمة ضدها من قبل مجلس الأمن في حالة عدم الامتثال، وجهت البوليساريو رسالة إلى نيكي هالي، السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة رئيسة مجلس الأمن لشهر أبريل، تبلغها فيها بقرارها سحب قواتها من منطقة الكركرات. وعقب تحرك البوليساريو هذا، تمت إعادة جدولة اجتماع الخميس؛ حيث أبلغت الولاياتالمتحدة بصفتها راعية للقرارات المتعلقة بالنزاع أعضاء مجلس الأمن بأنها ستنتظر تأكيد انسحاب البوليساريو من منطقة الكركرات. وفي الوقت نفسه، أرسل المغرب رسالة إلى مجلس الأمن يبلغ فيها أعضاءه بأنه لن يوافق على "إعادة انتشار" عناصر البوليساريو في المنطقة، ويدعو هذه الأخيرة إلى الامتثال لمجلس الأمن وسحب قواتها فورا. وقد نجحت مساعي المغرب في تأمين انسحاب كامل للبوليساريو من الكركرات. وكادت وضعية البوليساريو أن تكون أسوأ لو أيدت روسيا والمملكة المتحدة مشروع القرار الأول الذي قدمته الولاياتالمتحدة إلى مجموعة أصدقاء الصحراء. فالمسودة الأولى التي قدمت في 21 أبريل لم تكتف فقط بحث البوليساريو على الانسحاب من منطقة الكركرات، ولكنها أيضا أدانت وجودها هناك ودعت الأمين العام إلى إطلاع مجلس الأمن في غضون 15 يوما من اتخاذ القرار حول ما إذا كانت البوليساريو قد امتثلت لطلب هيئة الأممالمتحدة. وطبقا لمنظمة مجلس الأمن غير الحكومية، ومقرها نيويورك، رفضت بوليفيا وأوروغواي، المعروفتان بدعمهما للبوليساريو، استخدام كلمة "إدانة" في الاجتماع الأول لكامل أعضاء مجلس الأمن يوم الثلاثاء. وبالإضافة إلى روسيا والمملكة المتحدة، دعمت كل من إثيوبيا وكازاخستان والسويد بوليفيا وأوروغواي رفضهما استعمال كلمة "إدانة". وإذا كان من المبكر التنبؤ إلى أي مدى ستُتَرجم لغة القرار بشكل إيجابي في العملية السياسية التي أطلقها المغرب في عام 2007، فإن تبني قرار يوم الجمعة 28 أبريل قد يبشر بمرحلة جديدة في كيفية تعاطي الأممالمتحدة في مساعيها لحل صراع الصحراء المغربية. إن الدبلوماسية الاستباقية والهجومية التي اعتمدها المغرب في السنوات الأخيرة، ووجود أمين عام للأمم المتحدة ذي معرفة عميقة بتعقيدات الصراع وآثاره الجيوسياسية على المغرب الكبير ومنطقة الساحل وأوروبا، بالإضافة إلى تعيين المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء المغربية، كلها عوامل يمكن أن تلعب لصالح المغرب في إيجاد حل سياسي طويل الأمد ومقبول من الطرفين. لقد وضع هذا القرار وديناميكية المفاوضات التي سبقته مقاربة جديدة للسنوات الأربع القادمة، وهو ما سيجعل البوليساريو في وضع الدفاع. فالمغرب، على ما يبدو، نجح في قلب الأمور لصالحه، وفي سحب مسألة "استغلال الموارد الطبيعية" في الأقاليم الجنوبية ومسألة حقوق الإنسان من طاولة النقاش. والآن سيكون على البوليساريو أن تظهر استعدادها للعمل من أجل إيجاد حل سياسي كما دعت إليه جميع القرارات التي اتخذت منذ عام 2007. ومن المرجح أن أي تحرك من جانب البوليساريو والجزائر لتسييس مسألة حقوق الإنسان والموارد الطبيعية سَيُفهم على أنه مجرد محاولات أخرى لتحويل النقاش عن المسألة الأساسية المتمثلة في التوصل إلى حل سياسي للصراع. *مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News