للحديث عن الديبلوماسية الموازية كمفهوم حديث يتعين ربطه بالديبلوماسية التقليدية أو النظامية أو الإتفاقية التي أبدعها العقل البشري كوسيلة لربط العلاقات بين الشعوب و المجتمعات و الدول منذ زمن بعيد في تاريخ الإنسانية، كوظيفة تجيب على مطالب صيانة المصالح وتهدف إلى تفادي الصدامات والحروب بين الأمم. الديبلوماسي التقليدي النظامي يجسد عمل الموظف المأمور لتنفيذ السياسة الخارجية للبلد تحت إشراف وزارة للخارجية، باعتبارها الشخص المعنوي الوحيد المخول للتواصل الخارجي في العلاقات الدولية طبقا لما استقرت عليه الأعراف الأممية وما تبنته المواثيق الدولية. وبهذا الخصوص تخضع الديبلوماسية التقليدية أو النظامية التابعة لإدارة الدولة كمرفق عام، لتدبير إداري بيروقراطي يقتضي وجوبا وجود سلم إداري و يفرض احترام مجموعة من القوانين و الأعراف، خصوصا المعاهدات الدولية لفيينا لسنة 1961 و 1963 المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية و القنصلية. هي دبلوماسية علنية تشتغل بمنطق التفاوض للوصول إلى اتفاقات، ويفرض الولوج إلى ممارستها تحصيل مؤهلات علمية مدرسية والتقيد بنظام مهني للموظف كأولوية تسبق في الترتيب الإهتمام بالقدرة الإنسانية على التواصل في إطار اللباقة وحسن الظهور للديبلوماسي الموظف أو المهني، ملزمة كذلك بواجب التحفظ و التقيد بعدم إصدار الآراء و المواقف في الشؤون الداخلية للدول أو في قضاياها الحساسة؛ هي ديبلوماسية متمتعة بحصانة دولية؛ مثقلة بعدد من الشكليات و البروتوكولات في التواصل مع الدولة الأجنبية أو المنظمات الدولية؛ يؤاخذ عليها أنها دبلوماسية بطيئة في اتخاذ القرارات خصوصا في ظروف مستعجلة وهامش حريتها ضيق لاتخاذ المواقف و الآراء دون الرجوع إلى وزارة الخارجية؛ ثم إنها دبلوماسية سياسية بالدرجة الأولى بمعنى تعطي عناية كبرى للتفاهمات السياسية أكثر من أي مجال آخر كالإقتصاد والثقافة مثلا. على العكس من ذلك كله، تتميز الديبلوماسية الموازية غير المتمتعة بالحصانة الإتفاقية الدولية، بالحرية في المبادرة و اتخاذ المواقف و التعبير عن الآراء بدون معيقات تنظيمية أو اتفاقية كيفما كان نوعها مبتعدة عن النسق الميكانيكي الجامد للديبلوماسية الإتفاقية لتنسج روابط أكثر إنسانية ولاتشتغل بعقلية المفاوض بقدر ما تعتمد على خلق صداقات إنسانية تخلق وتدعم الثقة وتمهد للتفاوض؛ هي أيضا دبلوماسية سرية "متخفية" نوعا ما وغير مهيكلة بمعنى غير خاضعة لأي نوع من التنظيم القانوني أو الإداري المهني أو لأي قواعد دولية أو اتفاقيات أممية ولا تتطلب أي محصلات أكاديمية بقدر حاجتها إلى التوجيه والمواكبة وامتلاك حس إنساني للتواصل لتفادي المس بالخطوط الكبرى للسياسة الخارجية و المس بالحساسيات الثقافية والهوياتية للدول الأخرى؛ هي ديبلوماسية سريعة الحركة بفضل انسحابها من حيز الرقابة التسلسلية الإدارية ومن مجال الشكليات القانونية الشيء الذي يجعلها أكثر فاعلية في الأداء و في الحصول على نتائج مهمة لصالح البلاد أو لفائدة قضايا مشتركة دولية محددة. تتميز أيضا بالتنوع و عدم الاكتفاء بالجانب السياسي، بحيث أنها قد تكون اقتصادية أو ثقافية في إطار ما يسمى بالديبوماسية الناعمة للتعريف بالبلاد ومواردها الطبيعية وإمكاناتها الاستثمارية وموروثها ومنتجاتها الثقافية والفنية، و قد تكون أيضا ذات بعد ديني روحي لخلق روابط مع شعب معين أو فئات معينة داخل الدول الأجنبية، بل وأصبح المختصون اليوم يتحدثون عن الديبلوماسية الموازية الرقمية paralle digital diplomacy، أو ديبلوماسية البث الحي real-time diplomacy، تسعى للتواصل المباشر والآني مع مجموعة بشرية معينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإقناعهم باتخاذ موقف معين. وقد عرفت العلاقات الدولية عدة تجارب ناجحة للدبلوماسية الموازية التي ساهمت في حل مشاكل دولية استعصت على الديبلوماسية الإتفاقية، كالوساطة في القضية الفلسطينية والاتفاق الذي أزال القطيعة بين أمريكا في عهد أوباما وكوبا بواسطة الفاتيكان، وكانت نتائجها موفقة في تحقيق السلام في ايرلندا الشمالية وهناك أمثلة كثيرة ومتنوعة. وتلجأ الدول إلى هذا النوع من الوسطاء تفاديا للإجراءات البيروقراطية في تعيين السفراء، نظرا أيضا لحجم الصداقات والعلاقات الخاصة التي بإمكانها أن تؤسس لأرضية لاشتغال الديبلوماسي النظامي للتفاوض مستقبلا، وتستعملها كذلك القيادات السياسية المتخوفة من فقدان مصداقيتها أو من عدم التوصل إلى اتفاق إن هي فضلت القنوات الرسمية العلنية. ومع ذلك هناك نقاط التقاء وتقاطع بين النوعين، باعتبار أن الموازي لاينافس الرسمي و إنما يكمله و يسنده في تنفيذ أولويات السياسة الخارجية، و بالتالي يفترض خلق نوع من التنسيق و التشاور الأولي حول ترتيب الأولويات المتعين خدمتها. فيما يتعلق بالمغرب فإن الأولويات السياسة متركزة في ثلاث محاور كبرى: العمل على الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة و محاصرة الخصوم خارجيا باقتحام جميع المنتديات الدولية و إقناع الجهات المؤثرة في القرار الدولي لمختلف أشخاص المجتمع الدولي بما في ذلك المنظمات الدولية. المحور الثاني يعنى بجلب الإستثمار الأجنبي المباشر لتدعيم الاقتصاد المغربي بتقديم عروض حول الإستثمار و التعريف بالامكانات التي يوفرها المغرب حاليا للمستثمر الأجنبي خصوصا في المجال الفلاحي و الطاقات النظيفة. و أخيرا المحور الثالث المرتبط بالعمل على إبراز مميزات وخصائص النظام السياسي المغربي و الإنتقال الديمقراطي الذي أفرز نموذجا متفردا في المنطقة، نموذجا يتميز بتنافس سياسي قوي و مؤسسات تتقوى تدريجيا داخل بيئة تتمتع بالتعايش و التنوع الثقافي و الأمن و الاستقرار، بغية تقديم النموذج إلى جميع الفاعلين الدوليين وأيضا إلى الشعوب. من أهم معضلات الديبلوماسية الموازية المغربية انحصارها في البرلمان وفي الأحزاب السياسية التي لم تخرج عن إطار المجاملات و اللقاءات السطحية عبر العالم كترضية للدولة، وتسويقا انتخابيا داخليا، في الوقت الذي لايوجد أي مانع أمام المجتمع ككل لممارسة هذه الدبلوماسية بجامعاته ومثقفوه وإعلاميوه وجمعياته ومقاولاته وفنانوه ورياضيوه وصناعه وغيرهم، لتظل بذلك دبلوماسية عشوائية في غالب الحالات؛ دبلوماسية غير منتظمة و غير مواكبة للدولة في الخارج، تمارس بشكل دفاعي و انتقائي؛ غير هجومية و هذا ما لاحظناه مثلا في الإشكال الذي وقع مع أطراف سياسية و مؤسساتية سويدية حول القضية الوطنية، باسثتناء عدد قليل جدا من الأحزاب التي حافظت على ارتباطات دولية مفيدة غير أنها لم تعمل على تطويرها وفق الأدوات والسياقات الجديدة. ولا يمكن للأحزاب أن تضطلع بدور ديبلوماسي موازي قوي، إلا بوضع آليات للتأطير الداخلي و تكوين الأطر على التفاوض وتدبير العلاقات العامة الدولية، ووضع خطط تواصلية مع نظرائها الأجانب بشكل مستمر و على مدار السنة على نفس مستوى الاهتمام بالشؤون الداخلية. هذا يقتضي أيضا وضع إستراتيجيات دبلوماسية موازية لدى وزارة الخارجية تهدف إلى وضع خرائط للمخاطر الدولية على مصالح المغرب ولفرص التمدد، مع وضع تصنيفات حسب الأهمية والأولوية وحسب البروفيلات الوطنية والأجنبية الصديقة المطلوبة للتدخل، مع استحضار أهمية الاستعانة بأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج لكونها تتميز بوجود جيل مكون و مثقف يتقن اللغات و يحتل مراكز مهمة داخل الدول المضيفة سواء في الجامعات و المعاهد و الأحزاب و المقاولات و حاصل على جنسيات مختلفة تسهل عملية تواصله و ولوجه إلى مختلف مراكز القرار في الدول المضيفة. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هو هل فعلا تتوفر وزارة خارجيتنا على هكذا خطط عصرية وحديثة، وتصورات منهجية عملية وعقلانية لتدبير وضبط وتصفية كم الارتباطات الدولية للمغاربة وتمييز المفيد منها لتدعيمه من الضار، لتهذيبه وتوجيهه؟ هل لها تصور استراتيجي و لوحات قيادة لتكوين خطاب وعقيدة ديبلوماسية موازية تتبنى الأدوات العصرية للتفاوض والتواصل الدولي لمواكبة الإيقاع الديبلوماسي الرسمي المغربي الجديد المتميز بالندية والهجومية عند الاقتضاء والاستقلالية في التقييم وإبداء الرأي الدولي؟