في يوم 11 أبريل 2007، قدم المغرب إلى الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة «مشروعا لمناقشة وضع حكم ذاتي في جهة الصحراء الغربية» يهدف إلى التوصل لحل متناقش حوله للوضعية النزاعية التي تسود منذ أزيد من 36 سنة بين المغرب وجبهة البوليساريو؛ التي تطالب بانفصال هذه المنطقة الترابية. هذه المبادرة المعروفة تحت إسم «المشروع المغربي للحكم الذاتي»(PMA) تمنح لساكنة الصحراء صلاحيات موسعة في تدبير الشئون المحلية، مع استثناء فيما يتعلق بالميادين السيادية، كما تمنحهم إمكانية إقامة مؤسساتهم الخاصة، تشريعية، وتنفيذية، وقضائية. ولقد رحب مجلس الأمن بهذه المبادرة، وأكد في قراره 1754 ليوم 30 أبريل 2007؛ على أن هذه المبادرة تبين عن «جهود جادة وذات مصداقية قام بها المغرب من أجل السير قدما نحو حل للنزاع».إن الهدف من هذا المقال ليس الرجوع إلى الرهانات الجيو- سياسية والتاريخية لهذا النزاع؛ ولكن إبراز أهمية إدراج مبدأِ الدبلوماسية الموازية في أرضيات النقاش ومعاهدات السلام؛ فيما يخص إمكانية حل النزاعات عن طريق الحكم الذاتي للجهات.وفي هذا الاتجاه؛ فإن «المشروع المغربي للحكم الذاتي» (PMA) ينص في بنده ال15 على أن: «مسئولية الدولة في مجال العلاقات الخارجية سوف تمارس بالتشاور مع منطقة الحكم الذاتي للصحراء فيما يتعلق بالمسائل التي لها ارتباط مباشر مع اختصاصات هذه المنطقة. فيمكن للمنطقة ذات الحكم الذاتي بالاستشارة مع الحكومة أن تقيم علاقات تعاون مع مناطق جهوية أجنبية في أفق تطوير الحوار والتعاون بين الجهات». هذه الصلاحيات تبين بوضوح كون «المشروع المغربي للحكم الذاتي» (PMA) في نيته أن يكون قائما على أساس منح الإمكانية للصحراء في أن تكون لها علاقات خارجية. إنها صلاحيات تؤسس لدبلوماسية موازية ولجهوية العلاقات الدولية، وكذلك لثنائية في السياسة الخارجية للمغرب بين نظامين: السلطة المركزية، والسلطة الجهوية. غير أن التعبير المستعمل في «المشروع المغربي للحكم الذاتي» هو علاقات خارجية وليس سياسة خارجية؛ التي تختص بها الكيانات السيادية، وإذن فالأمر يتعلق قبل كل شيء بنشاط دولي لجهة الصحراء يشمل النمو الاقتصادي والثقافي لهذه الجهة في إطار تواصل وتلاق مع جهات خارجية. ما هي «الدبلوماسية الموازية»؟ إن مفهوم «الدبلوماسية الموازية» تتبناه اليوم بشكل واسع نظريات تهتم بالسياسة الخارجية بهدف تعيين النشاط الدولي الذي تقوم به جهات أو كيانات تابعة. ومصطلح «الدبلوماسية الموازية» مركب من كلمتين إذ أضيفت إليه كلمة «موازية» للتمييز بينه وبين مصطلح دبلوماسية، الذي يستعمل عادة لتوصيف الأداة السياسية الخارجية و»فن الدفع قدما بالمصالح الوطنية» في سياق منطق للتفاعل والتنافس بين دول ذات سيادة. وبالنسبة ل «إيناكي آغيري»؛ فإن «الدبلوماسية الموازية» هي ظاهرة حديثة ترتبط بالنقاش السياسي حول تسويات وتطورات النظم الفدرالية خلال سنوات السبعينات من القرن العشرين، أما «بانايوتيس سولداتو» فيعرف من جهته هذا المصطلح كمحاولة تهدف إلى تقليد الدبلوماسية الحقيقية، التي هي وحدها تمارس من طرف دول ذات سيادة. إن «الدبلوماسية الموازية» بالنسبة له إذن لا تستهدف التعرض لسيادة الدولة الحاكمة أو إلى التدخل في مجالها؛ بما أن حقل اشتغالها ينحصر في شئون «السياسة الدنيا» وليس شئون «السياسة العليا». وفي هذا الاتجاه يعتبر «ستيفان باكان» في مقاله عن « أنشطة خارجية لكيانات تابعة»؛ أن:««الدبلوماسية الموازية» تمثل ظاهرة ذات حدة وكثافة منخفضتين، أو إنها سياسة خارجية على المستوى الثاني». ويؤكد في نفس الوقت أن هذا لا يجب بالمقابل أن يؤدي إلى التقليل من أهمية هذه الظاهرة التي لا يتوقف الفاعلون فيها عن كسب استقلالية أكثر وعن ممارسة أكثر فأكثر من النفوذ. إنها ظاهرة أصبحت أكثر بروزا في حالات «الكيبيك»، «وكاتلونيا»، و»هولاندا»، والكيانات الفدرالية ل»بلجيكا»، و»لاندرات» «ألمانيا»، وجهات «المكسيك»، أو «البرازيل»، وكذلك في العديد من الدول الفدرالية في العالم. المقاربة الممركِزة ل «المشروع المغربي للحكم الذاتي»(PMA) يجب كذلك تحليل الدور الدولي الذي يعترف به البند 15 لجهة الصحراء على ضوء البند 14 من «المشروع المغربي للحكم الذاتي»(PMA) ، الذي يتحدث عن مفهوم السيادة. فالبند 15 يحدد طبيعة حقل اشتغال هذه الجهة، بينما البند 14 يوضح حدود حقل الاشتغال هذا. إن ربطا بين هاتين النقطتين يفرض نفسه بهدف وضع فصل واضح بين «الدبلوماسية الموازية» كنشاط يمارسه كيان تابع، و السيادة التي تحيل على قدرة دولة على اتخاذ قرارات بشكل مستقل. ينص «المشروع المغربي للحكم الذاتي» في بنده ال 14 على أن:«تحتفظ الدولة منفردة باختصاصاتها في: مقومات السيادة؛ وبالخصوص العَلَم، والنشيد الوطني، والعملة، المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك؛ أمير المؤمنين وضامن حرية العبادة والحريات الفردية والجماعية، الأمن الوطني، والدفاع الخارجي، والسلامة الترابية، العلاقات الخارجية، النظام القضائي للمملكة». إن الصلاحيات الممنوحة في هذه النقطة تعني أن الاشتغال الدولي لجهة الحكم الذاتي بالصحراء لا يجب على الإطلاق أن يتجاوز المهام السيادية أو الاختصاصية المذكورة. ففي القانون الدولي تمتلك دولة ذات سيادة أربعة حقوق لا تتجزأ: الحق في إعلان الحرب، الحق في بعث واستقبال البعثات الدبلوماسية، الحق في الولوج إلى الهيئات القضائية الدولية، الحق في إبرام الاتفاقيات الدولية. والحال أن السيادة تمثل مبدأً مؤسسا للقانون الدولي وصلاحية أساسية لدولة ذات سيادة. إنها مصدر للعديد من المبادئ الأساسية؛ مثل الاستقلال، والسلامة الترابية، وحُرمة الحدود، والمساواة، والحصانة القضائية، والاعتراف من طرف المجتمع الدولي. وأما في إطار «الدبلوماسية الموازية»؛ فإن الكيانات التابعة؛ وعلى الرغم من اشتغالاتها الدولية تبقى خارج إطار الفاعل بصفة كاملة داخل النظام الدولي. ومن هذا المنظور فإن البندين 14 و15 من «المشروع المغربي للحكم الذاتي» يندرجان في سياق تكاملي يهدف إلى تبيان أن الجهة ذات الحكم الذاتي للصحراء لا تملك المؤهلات المطلوبة حتى يمكن اعتبارها فاعلا دوليا حقيقيا. فالقوة ومصادر السلطة المركزية بالرباط تبقى في نهاية المطاف أعلى بكثير من تلك التي تتمتع بها هذه الجهة. وإذن ففرضية أن تتمكن «الدبلوماسية الموازية» من تحديد مصالح جديدة وإقامة قدرات سياسية جديدة تبقى في المقام الأول رهينة بمدى استعداد السلطات المركزية المغربية للقبول بذلك. إن «المشروع المغربي للحكم الذاتي» يتأسس على مقاربة متمركزة في مجال الجهوية والعلاقات الدولية، لأنه يؤكد على أن الاختصاص بهذا المجال يمثل حدا أدنى من سلطات الحكومة المركزية بالرباط. ثلاث دوافع لاشتغال موازٍ للدولة إن تطور الدور الدولي عن طريق جهة الصحراء يبدو ناتجا عن ثلاثة عناصر: القومية الصحراوية الدافع الأول يحيل في المقام الأول على إشكالية الحراك الصحراوي؛ الذي يبحث عن تقديم النزاع في الصحراء على أنه مواجهة بين قوميتين: القومية المغربية والقومية الصحراوية. القومية الأولى تتأسس على مبدأِ «المغربية» التي عنصرها المؤسس هو الوزن التاريخي للصحراء في اشتغال الدولة المغربية منذ تأسيسها في القرن التاسع، وبالخصوص كون العديد من السلالات التي حكمت المغرب تنحدر من أصول صحراوية؛ بما فيها سلالة العلويين المنحدرة من جهة تفيلالت. وتنضاف إلى هذا روابط البيعة بين القبائل الصحراوية و سلاطين المغرب، التي تمثل رابطا شرعيا في الشريعة الإسلامية، وتشهد على وجود ميثاق على السيادة الترابية. وفي مقابل ذلك فإن القومية الثانية تدفع بفكرة «القومية الصحراوية» التي بحسبها تعتبر جهة الصحراء ملكا للصحراويين. هذه الفكرة هي محور خطاب حركة البوليساريو التي تطرح أن القومية الصحراوية هي توفيق مركب لعنصرين اثنين: التضامن بين الصحراويين الذين يتقاسمون سمات مشتركة، والرغبة في الحصول؛ باسم هذا التضامن على مصير سياسي متميز؛ كما تذكر بذلك «مونية رحيمي». وفي هذا الاتجاه فإن «المشروع المغربي للحكم الذاتي» يتجسد كحامل لدبلوماسية موازية هوياتية؛ هدفها تعزيز الخصوصية الثقافية لجهة الصحراء. تأثير عامل العولمة والدافع الثاني يعود إلى آثار العولمة والاستقلال الاقتصادي بين العديد من جهات العالم. هذه الحركية تستجلب تعاونا بين كيانات لا مركزية أصبحت تشكل مجتمعات ترتبط بمصالح. فالعولمة قد وسعت بشكل استثنائي من دائرة الرهانات الدولية إلى مواضيع مرتبطة بالتربية والتعليم، وبالصحة العمومية، والتنوع الثقافي؛ إلى البيئة، وتمويل المقاولات، ومعاملة المستثمرين، والفلاحة أو حتى الخدمات. وهذا هو السبب الذي يجعل حسب ما جاء في مقال ل «ستيفان باكانت» حول جهة «كاتالونيا»«من غير المقبول أن تظل صلاحيات الكيانات المتمتعة بالحكم الذاتي مقتصرة على السياسة الداخلية». ذلك لأن العولمة جعلت الفصل التقليدي بين حقل السياسة الداخلية وحقل السياسة الخارجية أمرا متجاوزا ولاغيا.وحتى تتمكن من مواجهة تحديات العولمة وتدافع عن مصالحها الخاصة؛ فإن جهة الصحراء سوف لن تتردد في تطوير استراتيجيات دولية بقصد جلب الاستثمارات الأجنبية وإنعاش تعاون ثنائي خارج الحدود ومع جهات أخرى. إن جاذبية وانتظام الاستثمارات الأجنبية يمكن أن تأخذ أبعادا مهمة، خصوصا إذا ما تم اكتشاف البترول تحت أراضي الصحراء، مما قد يجعل من هذه المنطقة هدفا مفضلا للفاعلين في الصناعات البترولية. هذا بالإضافة إلى أن هذه المنطقة قد تبدي رغبة أكيدة في المشاركة في المنظمات الدولية التي لها تأثير على مجال صلاحياتها أو التي هي في عمق هذا المجال؛ مثل اليونيسكو، والمنظمة العالمية للصحة، أو المنظمة الدولية للشغل. خطر قيام دبلوماسيةٍ موازيةٍ نشازٍ ❋ أستاذ بجامعة أوطاوا بكندا، في برنامج «دراسة النزاعات وحقوق الإنسان». حاصل على دكتوراه الدولة في فلسفة القانون، تخصص العلاقات الدولية من جامعة الكبيك، وباحث زائر سابقا في معهد الدفاع التابع لحلف شمال الأطلسي بروما. إبراهيم السعيدي «تريبون» العدد 305