لكي نفهم، كما ينبغي، "الصحوة الأمازيغية" الحالية، لا بُد من استحضار التجاذب الإيديولوجي المُحيق "بالشعوب المتحولة". يرجع الفضل، في الجزء الأكبر من هذه الحيوية الجديدة ، لإدراك "الأمازيغ" لإشكاليات الصراع المحددة للتاريخ الكوني، و ربطها بنوع من التطور الطبيعي، من جهة... و من جهة أخرى، لتأثير النضالات الإجتماعية الوطنية التي خَضْخَضَتْ (و لا تزال) بعض اليقينيات الخاطئة، مما أعاد الروح لقوة "الأمازيغي" و الثقة بنفسه... و طيلة تاريخه المديد، لم يفقد "الأمازيغي" أبدا الوعي بجذوره، و لا انسجامه الدائم مع ماهيته، و لا فك ارتباطاته العضوية بثقافته... فهو يعرف تماما أنه ينتمي إلى الأساطير الأولى التي طبعت بحدة ذاكرة الأرض و مخيال البشر، و أنه يتحدر من أعرق التقاليد، و أن هويته (ركيزته الأساسية) تنغرس في الإنسية الأكثر قدما... و كلما غصنا في الماضي الغابر كلما عثرنا على بصماته الشاخصة اللاتُمْحى. و قد تجاوز تأثيره آسيا الصغرى و امتد (إفريقيا) إلى ما وراء الصحراء الكبرى... و تؤكد أسطورة "الأطلنتيس" انتسابه لعرق يعود أصله مباشرة إلى عهد "نوح"... و حسب الأدبيات المتوارثة، يعتبر الأمازيغي أخا "للإرْلَنْدي" و "الباسْكي" و "البْرُوتوني"... كما أن "الأمازيغية" تشبه بغرابة اللغتين "الغاليسية" و "الباسْكية"... إنها من أعرق لغات العالم. إذ تضم ألفاظها و دلالاتها الأشكال الأكثر اكتمالا في المعرفة الرياضية.. لغة ذات أصل "كوسمولوجي"، و ليست خليطا من اللهجات العابرة ، كما يُسَوقُ لذلك بعض المغفلين... شيئ طبيعي، إذن، أن يقوم، اليوم، "الأمازيغي" بإعادة اكتشاف شخصيته كما هي، لأن ثمة إسهام حقيقي يلوح في الأفق، خطاب أصيل يتهيأ في الساحة الوطنية... لهذا يلزمه، بكل نبل، بعث رسالته ثانية إلى العالم، مع اقتراح نموذج جديد للإنسان. على هذا الصعيد، فقط، تَتَحَد ما يمكن أن نسميه "نهضته الراهنة". و لكونه ساهم في كافة الإيديولوجيات ( التي وجدت على وجه البسيطة) و سبق له تطبيق إحدى أفضلهن، أي "الإشتراكية الديموقراطية" ، فهو يرفض بعناد كل الإيديولوجيات المستجلبة من الخارج، أو أن تُفرض عليه سلوكات وجودية اختلقتها مجتمعات أخرى ليست بالضرورة "مُساواتية"... باختصار، يرفض "الأمازيغي" الإيديولويجات لإعادة بناء ذاته... و لأنه واع بتَفَرده فهو يمنح نفسه دور المحافظة على الأخلاق الإنسانية التي تندثر تدريجيا، و ذلك بتلقيمها بعصب يعطيها القدرة على إعادة التشغيل الفعال. هذا "الإنبعاث الأمازيغي" يؤثر ببراعة في ثقافتنا، إذ يساعدنا إيجابيا في تبديد الخصومات و تذليل العقبات التي نواجهها يوميا في طريقنا نحو تحرير روحنا الضاربة في عمق الزمن. و بالتالي، سيكون من الحيف اعتباره مجرد ردة فعل يبعث عليها الحنين إلى الماضي، بل بحث مستمر عن الذات، تنقيب عن الثروات المكتنزة فينا و التي بدونها لا وجود لعبقرية خاصة.