حقا.. لقد انتصر الملك.. وعشرون فبراير لم تنهزم.. ليس الانتصار هنا والهزيمة بمفهوم الغرماء ولا بمفهوم الندية والمنافسة، ولكن بمفهوم البناء وتثبيت هياكل الدولة الحديثة الضاربة في التاريخ وأيضا الخالية من معالم الظلم والفساد وعدم تكافؤ الفرص.. كل وجد ضالته إلى حد ما.. ومالا يدرك جُلُّه، لا يترك كله.. وعلى حد تعبير المتفائلين.. الخير أمام. في الانتصار والهزيمة للزميل عبد العزيز كوكاس مدخل نحو ما هو قادم من مراحل صعبة بدون شك لكنها غير مستحيلة! في حديث سابق عن الدستور.. كانت المسؤوليات في استنهاض الواجب متفرقة بين الناخب والأحزاب والمجتمع المدني والدولة أيضا.. الآن وقد تجاوزنا هذه المراحل نحتاج إلى ذكاء أقوى وإرادة أشد في القطع مع الماضي وأساليبه حتى نقول للعاملين من جديد.. نحن في المغرب.. دفنا الماضي. شكلنا استثناءً نسبيا.. حققنا تغييرا هادئا وجميلا في نفس الوقت.. توافق من توافق واتفق من اتفق في ملفات اجتماعية شتى تهم كتاب الضبط والصحة والتعليم والموثقين.. وأكيد لا زالت هناك ملفات عالقة يجب أن تجد طريقها إلى الحل البديع بعيدا عن أي تشنج.. لكن الأكيد أن قطاعات التعليم والصحة والعدل فيما يُستقبل من الزمان تحتاج إلى سياسات حكيمة لجعلها في أحسن حال ممكن حتى لا يبقى بيننا جاهل أو عليل أو مظلوم..! والأجندات المقبلة بوابة مثل الدستور نحو انطلاق الملكية الثانية... الاستفتاء والانتخابات تراكم في الأيام الأخيرة حديث عن موعد إجراء الانتخابات التشريعية.. وهو حديث لم يولد بعد الدستور، بل كان بالبال قبل المصادقة على الدستور والدستور نفسه وتاريخ تنزيله كان محكوما بهذا المفهوم الانتخابي.. ولذلك شهدنا تلك الحركية في مسابقة الزمان بعد أن أنهت لجنة المنوني وآلية معتصم أشغالها.. شخصيا كنت أعتقد أن خلاصة الأشغال كانت ستخضع لمسطرة نهائية.. قبل أن تعرض على الاستفتاء، لكن هذا الكلام لم يصبح له معنى الآن بعد أن صادق المغاربة، بما لا داعي معه للشك، على الدستور وعبره على المنهجية المختارة.. وفي الأخير، أليست الكلمة للشعب؟! هناك "تشكيكات" فيما صار وفي نسبة المشاركة والموافقة ولكنها بدون شك لا ترقى إلى مستوى تغيير النتائج المسجلة، بالإضافة إلى أنه ليست هناك معايير علمية مضبوطة ترجح هذا الكلام.. منذ زمان لم تكن العدل والإحسان راضية عما يجري ولم يكن اليسار الجذري راض أيضا على يوميات الحياة السياسية، وتتسع وتتقلص قواعد هؤلاء المكونين حسب الظروف، حيث يتداخل فيها الوطني والإقليمي والدولي.. ووجود هذه الأفكار المحترمة بدون شك لا يضر ببناء الدولة والمجتمع.. ومثلما هناك "شيوخ" يدعون إلى القومة.. هناك فقهاء بأضعاف الأضعاف يدعون إلى نصرة السلطان والدين.. ومثل ما هناك "حداثيون" "يساريون" "فبرايريون" "فايسبوكيون" غاضبون، هناك أضعاف أضعاف من بين هؤلاء ومن قبلهم يقولون إننا على السكة الصحيحة، وتذكروا معي عناوين من قبيل "الفلاح المغربي حامي العرش" و"لماذا لم ينجح اليسار في المغرب". في الحاجة إلى الحوار موعد الانتخابات أصبح موضوع الساعة بامتياز، لكن كلما أردنا تقليب هذا الإجراء وزمانه تتراءى صور الماضي الأليم.. الدولة لا تريد أن تترك فراغاً لا يستطيع المجتمع السياسي ملءه.. وهذا الفراغ خطير على البلاد في ظل الفوران الذي لا زال يعيشه العالم العربي بما فيه تلك الدول التي أسقطت أنظمتها.. آه.. الدول التي أسقطت أنظمتها لا زالت في كف عفريت وبينها وبين الاستقرار والطمأنينة مسافة زمان.. نعم كان هناك "طغاة" نعم كان هناك فساد قاتل.. نعم انتفت مجمل مظاهر العدل والمساواة والديمقراطية.. وصل السيل الزبى، فجاء الطوفان والغضب ليجر كل شيء، ومع الهيجان ضاعت شيم العرب في الشهامة والعفو عند المقدرة وارحموا عزيز قوم ذل.. لتحل محلها لغة القصاص والانتقام ورد الصاع صاعين.. في الوقت الذي كان يجب للغة التعقل والحكمة والتبصر أن تسكن قلب كل فرد من مجتمعنا.. وهذا في نفس الوقت ليس معناه السكوت عن المظاهر المفرخة في جميع الميادين من اقتسام الثروة إلى الحق في التعبير. هذه الحقوق والمبادئ لا تستقيم مع انتخابات متسرعة رغم حجية قتل الانتظارية والفراغ.. صبرنا سنين.. لن يضرنا في شيء التريث قليلا.. وأول أبواب التريث الحوار.. قنوات التواصل أولا وليس مع الأحزاب.. الأحزاب قائمة وتملك من المسؤولية مهما كانت ثائرة، ما يجعلها منضبطة.. الحوار مطلوب مع الغاضبين أساسا.. والحوار له أهله وحكماؤه وعقلاؤه.. عبد السلام ياسين يستحق الحوار، عبد الحميد أمين يستحق الحوار، نجيب شوقي، رشيد البلغيثي ورفاقهم يستحقون الحوار.. ببساطة لأنهم جزء منا ومن بينهم أكيد من يعز السلطان كأيها المغاربة لكنه يأبى الظلم والهوان.. خلاصة غالبية الأمة قالت كلمتها ويمكن أن تسير الأمور بدون أن ننتبه لهذا الجمع.. لكن لن تخسر البلاد شيئا أيضا إذا ما فتحت هذا المجال. ثم تأتي بعد ذلك أو بالموازاة مع ذلك الأجندة السياسية التي يرى فيها البعض أن موعد أكتوبر، موعد "معقول" ومن يرى أنه صعب ويجب التفكير فيما بعده ربما نونبر أو يناير أو مارس ولم لا أكتوبر 2012! البرلمان.. والفراغ.. والجماعات بعض الأحزاب وخلال لقاءاتها الأخيرة بوزير الداخلية قالت إنها "جاهزة"! على اعتبار أن هذه الكائنات، وهذا كلام معقول، تشتغل باستمرار وهياكلها مؤطرة ومنتشرة بما يسمح لها خوض الانتخابات في كل لحظة وحين.. وربما اقتنعت بمنطق تسريع الدخول إلى تفعيل بنود الدستور الجديد، وهذا مشروع ونبيل.. ويقطع الطريق أمام الانتظارية وأن نضع الدستور في "الثلاجة"، والبعض الآخر يقول إن موعد أكتوبر صعب جدا فقط أولا من ناحية الآجالات.. هناك آجال داخل الأحزاب لاختيار المرشحين ومساطر داخلية وآجال لوضع الترشيحات وآجال للحملة الانتخابية وغيره.. ولذلك يدفعون على الأقل إلى حدود نونبر. وهناك من يقول "مالنا أخويا على هاذ الزربة؟" البلاد في حاجة، إضافة لما سبق، إلى قوانين انتخابية جديدة وإلى دراستها وتنقيحها بما يجعلها من نفس روح الدستور. بالإضافة إلى أن هناك إصلاح آخر واجب أن يرافق كل هذا ويتمثل ذلك في الإدارة الترابية وما أدراك ما الإدارة الترابية!! وإصلاح هذه الإدارة يلزمه وقت حتى تعين الدولة الرجل المناسب في المكان المناسب.. وإضافة إلى الإدارة الترابية هناك آلية إسمها التقطيع الانتخابي.. والتقطيع يحتاج أيضا إلى "تقطيع" الأعصاب.. واسألوا أهل الانتخابات كي تعلموا كم لهذا "العجب" من آثار على نتائج الانتخابات، وفوق التقطيع هناك نمط الاقتراع.. وفوق النمط هناك الجماعات، أو الانتخابات الجماعية ورؤساء الجماعات الذين يكونون أقرب إلى الفوز بالبرلمان من غيرهم. ولذلك إذا ما كان سيكون هناك إصلاح "أو غَانْقَلْبُوا الورقة"، فإن الانتخابات الجماعية يجب أن تسبق الانتخابات التشريعية، خصوصاً وأن العديد من الجماعات بفعل ممارسات الماضي تعيش يوميات غير صحية وعدم التجانس في أغلبياتها ورئاساتها وهلم جرَّا.. ثم إن مؤسسة الجهة في الدستور أصبحت في قالب آخر.. يجب إفراز نخبها أولا ومن سيتفرغ لها تفرغا كاملا.. وبعد الجهات تأتي أخيرا مرحلة البرلمان ليس بغرفة واحدة بل بغرفتيه معاً والجميع يعلم أن مجلس المستشارين يكاد يطلق عليه مجلس "المستشرين".. وشرح الواضحات من المفضحات، وكفى بالمؤمنين وكيلا! هؤلاء لا ينفع معهم لا تاريخ أكتوبر ولا نونبر ولا يناير ولا مارس.. ولذلك يقول "الأكتوبريون" إن هذا مشوار طويل وشاق وليست لنا الآن الحكومة القادرة ولا مجلس النواب المقتدر الذي يمكنه أن يحرص هذا التغيير عن قرب وبشكل رسمي، ولذلك يرون فيما يرون أن مجلس النواب النزيه، الشفاف الديمقراطي، المحبوب من الجميع والمحترم هو مفتاح العهد الملكي الثاني لكل ما سلف. والمعارضون لذلك لا يعدمون الحجة أو الرد ثانية.. بالقول إن الحريص الوحيد هو الملك وبعده الشعب الذي تجاوب مع ملكه عندما عرض عليه الدستور للاستفتاء وصوَّت بنعم. ويضيفون أن مجلس النواب يحتاج إلى نخب جديدة متعلمة وشابة.. كانت دائما موجودة ولكن وصولها إلى البرلمان كان مستحيلا بفعل "احترافية" الانتخابات الموجودة خارج الأحزاب وغيرها.. أضف إلى ذلك الديمقراطية الداخلية التي تكاد تنعدم داخل الأحزاب رغم "الماكياج" الذي تصبغه على نفسها.. بتقديم بعض الوجوه الشابة والنسائية وهي في الحقيقة ليست إلا امتداداً إما للوبيات متمكنة داخل الحزب المذكور أو امتداداً لذوي القربى من عوائل "الزعماء" ومن يدور في فلكهم.. ولذلك كما اهتدت الدولة إلى بناء دستور جديد، على الأحزاب أن تتخذ لنفسها تحت أنظار الشعب دساتير داخلية كفيلة بفتح الطريق للترشيح أمام الكفاءات المشهود لها بنضاليتها رغم "فقرها" المادي وأمام العنصر النسوي المناضل وليس زوجة وإبنة القيادي.. ولمَ لا فتح الترشيح أمام خيرة الأطر داخل لوائح وطنية في إطار التمييز النسائي الذي استفادت منه المرأة، دون أن يكون لذلك وقع حقيقي على الأداء البرلماني رغم مرور ولايتين في هذه التجربة.. وهذا كله يحتاج إلى الوقت، الوقت الذي كان علينا ربما أن نحسب دقائقه منذ زمان وليس الآن فقط.. الوقت أو "الزْمان" بلغة الأمهات الذي جعل أياً كان يحمل مكرفونا ويخنق عنقه بربطة عنق رخيصة ويصيح في جموع مختلفة "أنا الزعيم"..! زعماء ورؤساء الحكومة مثل ما طغى الحديث عن موعد الانتخابات، طغى "التزواق" و"التحلاق" و"البانتورة" عن رئيس الحكومة المقبل في ظل المتغير الدستوري.. وأصبح رؤساء الأحزاب الحاليين بعيداً عن هذا المنصب.. لا يخوضون الحديث حوله في سرائرهم ولا بين ذويهم، كأن فوق رؤوسهم الطير.. وكأن العبارة التي وردت في الدستور، من كون الوزير الأول أو رئيس الحكومة يُختار من الحزب الأول.. معناه ليس بالضرورة الأمين العام.. وحده عبد الإله بنكيران أمين عام حزب العدالة والتنمية الذي لا يخجل من تقديم نفسه كبديل، وهو محق في طموحه وتطلعاته.. ولست أدري لماذا توارى الآخرون إلى الوراء.. صحيح أن الاقتراح الدستوري كان له ما يبرره.. على اعتبار أن قيادة الحزب لا يجب أن تكون وسيلة ضغط لتولي قيادة الحكومة بمنطق المنهجية الديمقراطية، فالوزارة الأولى أو رئاسة الحكومة لها شروطها ومؤهلاتها.. ولذلك فإن هذا الإجراء من شأنه أن يخلق وضعاً آخر داخل الأحزاب.. ذلك أن صاحب منصب الأمانة العامة أصبح في حكم باقي أعضاء الحزب من القمة إلى آخر منخرط في "ثلاثاء سيدي بَّاركْ"..! وهكذا فإن "للِّي بغا يكون" رئيساً للحكومة عليه أن يضع صورة لنفسه، أي نعم داخل الحزب ولكن أيضا خارجه بعلمه وعمله، وبطبيعة الحال صناعة الصورة فن على المناضلين أن يتقنوه، فقد يُرسى عليهم العرض في يوم من الأيام بدون وجع دماغ الأمانة العامة.. قد يتيح لنا الزمان فرصة أكثر رحابة للغوص في خلفيات هذا "التشيطين".. إن التحاليل تُشيح بوجهها عن "الزعماء" التقليديين.. أي رؤساء الأحزاب إلى قيادات من الدرجة الثالثة أو الرابعة.. وهنا يكمن "خطر محدق" أو تربية جديدة تجعل ببساطة نزهة الصقلي رئيسة للحكومة مثلا عوض نبيل بنعبد الله.. واحذروا من الآثار النفسية التي يمكن أن يخلقها مثل هذا السيناريو.. مع أن نزهة الصقلي تستحق كل الثناء.. السباق نحو منصب رئيس الحكومة المقبل يتداخل فيه المعقول واللآمعقول، المنطقي وغير المنطقي! لماذا كل هذه "الشُرُورْ"؟ لأن الناس بدأوا يتكلمون عن رئيس شاب وكفاءة، وبهذا المعيار بدأوا "يصففون" الأسماء على صفحات الجرائد بدعوى مشاريع رؤساء مقبلين.. إذا فاز الحزب الفلاني فإنه فلا يوجد شاب إلى نِضال..!! وياسمين بالنون وليس بالتاء مربوطة "أُوشي عجب" إسمه كبير المغلوب.. المغرب لم يشهد كل هذه "القيامة" لإنتاج نفس الأنماط.. عفوا نفس الوجوه! [email protected] عن أسبوعية المشعل