21 أكتوبر, 2016 - 07:54:00 رفع حزب "الأصالة والمعاصرة" مذكرة إلى الملك يطالب فيها بتعديل دستوري وذلك تحت ما أسماه "بالحاجة إلى تأطير دستوري لجوانب من الممارسة السياسية تفاديا لبعض حالات الفراغ المعياري". حجة "البام" في المطالبة بتعديل دستوري ترجع إلى ما اعتبره الحزب طبيعة الخطاب السياسي المستعمل في الانتخابات واستعمال الرأسمال الرمزي للدين الإسلامي في الاستحقاقات الانتخابية ومخاطره على الاختيار الديمقراطي، بالإضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بتحديد يوم الاقتراع وتطوير إمكانيات الأحزاب وشفافية تمويلها. وتأتي مطالب حزب "الأصالة والمعاصرة" بعد أيام فقط من نشر أمينه العام لمقالين يدعو فيهما إلى مصالحة تاريخية شجاعة وتجاوز عقلاني للخصومات من أجل بناء وطن يستع للجميع. مطالب التعديل الدستوري والمصالحة التي دعا إليهما "حزب الأصالة والمعاصرة" تطرح أكثر من علامة استفهام حول توقيت هذه المطالب من جهة، وأهدافها الخفية من جهة أخرى، وهل هي مؤشر حقيقي على فشل طموحات الحزب وعزلته في الساحة السياسية خاصة بعد قبول بعض الأحزاب التي كانت مقربة منه في السابق والتي اشتركت معه في العداء لحزب "العدالة والتنمية" الدخول إلى مشاورات تشكيل الحكومة. ليس من شأن الدستور أن يفصل في الضوابط الانتخابية في تعليقه على الموضوع قال عبد الرحيم المصلوحي أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، ورئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية، إن الدساتير لا تؤطر بشكل مفصل العملية الانتخابية وحتى نمط الاقتراع ليست الدساتير هي من يحدده، فما يتم التنصيص عليه في النص الدستوري هو الحقوق الانتخابية وشروطها ومدة الانتداب. وأضاف المصلوحي "مبدئيا حين نقرأ دساتير العالم كله، لا نجد فيها تفاصيل لأن المشرع الدستوري يترك التفاصيل للبرلمان، وبالتالي فإن التعديلات التي يطالب بها "البام" يجب أن تكون على مستوى مدونة الانتخابات التي لا يثار عنها الحديث بشكل كبير بالرغم من أنها أقرت منذ سنة 1997 ولم تحين، وكان آخر تعديل لها سنة 2008، وبعدها تم الاستغناء عنها لأن الورش التشريعي الذي ظهر بعد دستور 2011 قسم العملية الانتخابية إلى مجموعة من القوانين، قوانين الجماعات الترابية، والقانون التنظيمي لمجلس النواب ومجلس المستشارين، واستعمال وسائل السمعي البصري إلى غير ذلك، بمعنى وقع تجزيء للمنظومة القانونية المتكاملة التي كانت قبل دستور 2011". من الصعب على "البام" الحصول على الثلثين وأكد أستاذ القانون الدستوري، أن المسألة لا تقتضي تعديلا دستوريا لأنه ليس من شأن الدستور أن يفصل في ضوابط الانتخابات، إلى جانب أن هناك مسطرتين لمراجعة الدستور، الأولى هي تلك التي كان معمول بها أيضا في الدساتير القديمة وهي أن يأخذ الملك أو أعضاء مجلس النواب أو المستشارين بثلثيه المبادرة كمشروع مقترح، مراجعة الدستور، والملك هو من يطرح هذا المشروع على الاستفتاء الشعبي وهذه المسألة تم الاحتفاظ بها في دستور 2011 كذلك. والمسطرة الثانية التي جاء بها الدستور الحالي، يضيف المصلوحي، هي حذف اللجوء إلى الاستفتاء، أي يمكن للملك أن يقوم بعرض مشروع مراجعة الدستور على مجلسي البرلمان للمصادقة عليه بأغلبية الثلثين وهي مسطرة مرنة ولا تقتضي اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي. وأضاف المصلوحي: "إذا ذهبنا في هذا الاتجاه، يمكننا القول إنه يصعب على مجلس النواب ومجلس المستشارين بتشكيلتهما الحالية أن يحصل أصحاب مقترح التعديل أي "حزب الأصالة والمعاصرة" على دعم الثلثين". الفصل 47 من الدستور صيغ بطريقة غير مكتملة وعن مطالب بعض قيادات حزب "البام" بمراجعة الفصل 47 من الدستور الذي يقضي تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات، قال المصلوحي إنه في دساتير الديمقراطيات الراسخة بما فيها الديمقراطيات البرلمانية كإسبانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، لا يتم التنصيص أبدا على من سيشكل الحكومة، بل تبقى المسألة هنا للممارسة والعرف الدستوري، لأن العرف الديمقراطي يقتضي أن الحزب الفائز في الانتخابات هو الذي يشكل الحكومة، لكن إذا فشل هذا الحزب يتم اللجوء إلى شخصية ثانية تكون من نفس الحزب الأول أو من الثاني أو الثالث. وأبرز المصلوحي أن رئيس الدولة هو الذي يقدر مدى قدرة رئيس الحكومة المعين على جمع الأغلبية أو يمكنه اللجوء إلى شخصية مستقلة، المهم أن تحظى بالإجماع وعلى ثقة البرلمان، وهناك خيار ثالث أيضا وهو أن يبادر رئيس الدولة إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات سابقة لأوانها عندما يبدو أن الأغلبية الحكومية غير منسجمة لكن المشكلة في الفصل 47 من الدستور الحالي، يشرح أستاذ القانون الدستوري، هو أنه صيغ بشكل غير مكتمل فتكلم عن الخيار الأول فقط ولم يتحدث عن الخيارات الأخرى. وأكد المصلوحي أنه كان لزاما على المشرع إما أن يترك الأمر للعرف الدستوري أو مادام أنه اختار أن يدون هذه النقطة في الوثيقة الدستورية فكان عليه أن يفصل في كل الخيارات وليس فقط تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز. وأشار المصلوحي إلى أن "حزب الأصالة والمعاصرة" هو الآن في جانب الأقلية مادام أنه اختار المعارضة، ويصعب عليه تمرير مقترحات تعديل القوانين، فما بالك بمقترحات تعديل الدستور، ولكن النقاش الذي طرحه "يدفعنا أن نتساءل الآن كدستوريين عن مآل مدونة الانتخابات التي يجب أن تجمع فيها جميع القوانين المنظمة للانتخابات مثل ما هو معمول في فرنسا". مطلب تعديل الدستور سياسوي من جانبه قال عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن مطلب التعديل الدستوري الذي عبر عنه حزب "الأصالة والمعاصرة" هو مطلب سياسوي وليس قانوني، لأن حزب "البام" دافع عن دستور 2011 بشكل كبير وجيش الشارع للتصويت عليه ب "نعم"، والآن بعد مرور عدة سنوات وبالضبط بعد فشله في تصدر الانتخابات يطالب بتعديله مما يعني أن هذا المطلب سياسوي وليس سياسي والمراد منه هو مراجعة الدستور من أجل مصالح حزبية ضيقة. وأكد العلام أن مطلب تعديل الدستور فاقد للمصداقية، ولن يتم التجاوب معه لأن حزب "الأصالة والمعاصرة" يريد من خلاله تبرير عدم حصوله على الرتبة الأولى في الانتخابات في إطار ما يسمى في علم النفس السياسي "إنكار الواقع" لأنه لو أن الفصل 47 من الدستور نص على أنه في حالة فشل الحزب المتصدر للانتخابات في تشكيل الحكومة تؤول الأمور إلى الحزب الثاني لما رأينا هذا المطلب لأنه هنا يمكن "للبام"، حسب العلام، التدخل وعرقلة تشكيل الحكومة. مسألة خلط السياسي بالديني لا يمكن حلها بتعديل دستوري وأشار العلام إلى أن الفصل 47 من الدستور فيه فراغ لأنه لا يحدد مهلة تشكيل الحكومة وإلى من تؤول الأمور إذا فشل الحزب المتصدر للانتخابات في تشكيلها لذلك، يضيف العلام، فإن مطلب تعديل الدستور يبقى مشروعا لكن سياقه والطرف الذي يطلبه حاليا يجعله بدون مصداقية. وذكر العلام أنه يجب أن لا ننسى أن التعديل الدستوري ينصب على نصوص قانونية لا على قيم، مسألة خلط السياسي بالديني لا يمكن حلها من خلال تعديل دستوري لأنه في الأصل الدستور الحالي ينص على أن الملك هو أمير المؤمنين والإسلام هو دين الدولة، وحزب "الأصالة والمعاصرة" ليست له الجرأة أن يصطدم بالملك ويطلب حذف مثل هذه الأمور بالرغم من أن فيها خلط للسياسي بالديني لأن الملكية في المغرب توظف الدين في الحياة السياسة والملك عندما يعوزه النص القانوني يمكن أن يلجأ إلى المسائل الدينية. على "البام" أن يطالب بتغيير القوانين الانتخابية وأبرز أستاذ العلوم السياسية، أن حزب "الأصالة والمعاصرة" لم يتبرأ في الانتخابات التشريعية الأخيرة من دعوات الجمعيات السلفية للتصويت له مما يعني أن هناك تناقضا كبيرا في مطالبه "عندما يخدمني الدين والرموز الدينية لا أبالي بها وعندما تخدم غيري أهاجمها" وهذه هي اللاموضوعية في الطرح، حسب العلام. وذكر العلام أنه بدل المطالبة بتعديل دستوري كان على "البام" المطالبة بتغيير القوانين الانتخابية والتقطيع الانتخابي لأننا غيرنا الدستور ولم نغير التقطيع الانتخابي، وكان عليه كذلك أن يطالب بتشكيل لجنة عليا مستقلة للإشراف على الانتخابات لأنه في الأخير يبقى المراد من مطلب "البام" هو خلق ضجة الغاية منها تعويم النقاش، بحيث لا يتم تسليط الضوء على فشله في تصدر الانتخابات، وهنا يشدد العلام أنه يجب أن نوضح الفرق بين فشل "البام" في تصدر الانتخابات وفشله كحزب، لأن المشروع الذي من أجله أسس "البام" لم يفشل مادام أنه ضاعف من عدد مقاعده البرلمانية بحوالي 120 في المائة.