أول ما يثير انتباه الزائر الذي يستعمل الطريق المؤدية نحو دواوير "تافتشنا" بإقليم زاكورة هو غياب علامات التشوير، إذ لا تجد حتى في المنعرجات المفاجئة سوى أعمدة حديدية دون تلك العلامات الطرقية التي ترشد مستعملي الطريق لأخذ الحيطة وتوخي الحذر اللازم. على طول ال15 كيلومترا الرابطة بين دوار تاسمومت وبين المركز القروي لتافتشنا من النادر جدا أن تجد علامة تشوير طرقية، وحدها أعمدة رمادية اللون بقيت واقفة، كشاهد على أن علامة كانت هنا قبل فترة، وأن الأيادي العابثة فكت براغيها في غفلة عن السلطات والسكان. يقول مُرشد هسبريس الإلكترونية أثناء زيارتها لهذه الجماعة القروية الفقرية إن مجهولين يقومون ليلا باقتلاع تلك العلامات المُدَورة، فيُعيدون صباغتها ويلصقون بها أرجلا مناسبة ويصنعون منها موائد حديدية، ليأكلوا عليها طعامهم. كما أنهم لهم في العلامات المثلثة مآرب أخرى. ويضيف المصدر ذاته، وهو يبدي الكثير من الحسرة والأسف تجاه ما يقدم عليه بعض المواطنين، أن جمعيات محلية حاولت، بشراكة مع الجماعة القروية، إعادة ما يقرب 40 علامة تشوير. المُرشد، الذي يقر بأن السلطات المحلية لا تَعُوزها الوسائل لمعرفة الفاعلين وردعهم، قال إن خطباء جمعة في عدد من مساجد المنطقة تحدثوا فوق المنابر عن عدم جواز سرقة الممتلكات العامة، وأن اقتلاع هذه الإشارات المرورية قد يؤدي إلى إزهاق أرواح بريئة؛ غير أن المجهولين لا يزالون يسرقونها ليلا ويصنعون بها أشياء منزلية بسيطة. تَافْتْشْنَا تبعد الجماعة القروية "تافتشنا" عن مركز زاكورة ب54 كيلومترا. يمكن الوصول إلى المركز القروي لهذه الجماعة من تانسيخت، عبر الطريق الجهوية رقم 108، والانعراج يسارا في القرية المسماة تاسمومت. ويبلغ عدد سكان هذه الجماعة 5284 نسمة حسب آخر إحصاء رسمي، وتضم 7 دواوير هي أيت حمد وأيت رحمون وآيت لحسن وأيت التاجر وأيت مومن ووتونا ن إعرابن. ملامح الفاقة هنا في هذه الرقعة الجغرافية من المغرب تظهر على وجوه الناس وعلى البنايات. المواطنون، الذين يميزون بين مواطنيهم وكل غريب يزور قريتهم، ينظرون إليه بعين التوجس في البداية؛ غير أنهم سرعان ما يطلقون العنان لتصريحاتهم وهم يتوسمون أن تصل معاناتهم اليومية إلى المسؤولين ليس فقط في زاكورة بل في مراكز القرار الوطني: "لدينا مشكل الصحة"، "لدينا مشكل التعليم"، "لدينا مشكل الريزو"، "مشكل الأنترنيت"، "مشكل الفقر".. ضعف الخدمات الصحية البناية الصحية لا تحمل أي اسم أو إشارة، ولا يستطيع مار من "تافتشنا" أن يعلم بأن هذه البناية المهترئة مركز صحي أو ما شابهه. وحدهم القرويون الذين يقصدون خدماتها الصحية يعرفون نوعية وطبيعة الخدمة التي تقدمها، وإن كان عدد كبير منهم يعبر عن تذمره من الخدمات المقدمة هنا كلما وجد فرصة لذلك. "نريد أن نحصل على أدوية، وألا يرسلوننا نحو أماكن أخرى مثل تامزموط وزاكورة. ليس في هذا المكان سوى تلقيح الأطفال". يقول محمد أيت حدو، ثم يضيف: "حتى المصابين بالسكري لا يحصلون على الدواء هنا، المشكل هو أنه عندما نذهب إلى تامزموط يقولون لنا عودوا إلى تافشتنا لتحصلوا على الدواء، وأذهب نحو مركز زاكورة". ويردف هذا المواطن ابن قرية تافتشنا بالقول: "إن الوضعية الصحية ساءت في الآونة الأخيرة، مقارنة بما كان عليه الأمر في الماضي، وكل ما نطالب به هو الكمية الكافية من الأدوية التي نحتاجها". رأي هذا المواطن يُزَكّيه نور الدين بابا، الفاعل الجمعوي الناشط بالمنطقة؛ فقد أكد، في تصريح لهسبريس، أن "الوضع الصحي كارثي ويزداد سوءًا يوما بعد يوم، إذ إن هناك وفيات للرضع بسبب غياب مستلزمات طبية لتتبع الحوامل، وأثناء الوضع يتم إرسال الحوامل إلى تامزموط. وكان من المفترض أن نتوفر هذه الخدمة في مركزنا الصحي، خاصة أن الفقر والجهل مستوطن". ويضيف المتحدث نفسه أن "حصتنا من الأدوية لا تصلنا، وليس هناك مواد للتعقيم. في عيد الأضحى الماضي، كان هناك حالات لمواطنين جُرحوا بالسكاكين، وعند اللجوء إلى هذا المركز الصحي لا يجد المريض حتى الدواء الأحمر". ويردف بابا، وهو العضو في جمعية يد في يد الناشطة محليا بتافتشنا، بأن "يجب أن يكون لدينا طبيب، خاصة أننا سبعة دواوير، ثم إنه من المشاكل العويصة هو غياب صيدلية في الجماعة؛ فالدواء غير موجود في المركز الصحي، ولا تتوفر صيدليات بالمنطقة حتى يتسنى لمن يملك الإمكانات المادية أن يشتريه". مندوبية الصحة: الأمور تحسنت من جهته، أكد محمد الغفيري، مندوب وزارة الصحة بزاكورة، أن "الوضع الصحي بتافتشنا تحسن كثيرا، وأن حصة الجماعة من الدواء تصل المركز الصحي بعد أن كان المواطنون يقصدون تامزموط". وأردف المتحدث، في تصريحات لهسبريس الإلكترونية، أن "السكان كانوا قد طلبوا لقاء مسؤول الصحة بالإقليم، فقمت بزيارتهم وعقد لقاء مع المواطنين والجمعيات، وجرى الاتفاق على مجموعة من النقط، فتم تزويد مركز تافتشنا بآلة التعقيم وكذلك بالأدوية اللازمة، وتمت برمجة قافلة طبية متعددة التخصصات استفاد منها المواطنون اليوم (الخميس)، كما تمت برمجة تزويد الجماعة بسيارة إسعاف تابعة لوزارة الصحة بداية 2018 أو أواخر 2017". وبخصوص حاجة سكان الجماعة سالفة الذكر إلى طبيب قار، أورد المسؤول ذاته أن "المشكل وطني، لقد تمت برمجة تافتشنا كمركز صحي يحتاج إلى طبيب؛ لكن الأطباء لا يرغبون في القدوم إلى زاكورة". هدر مدرسي في المركز الجماعي لتافتشنا مدرسة ابتدائية وإعدادية؛ غير أن المواطنين يشتكون من ظاهرة مغادرة التلاميذ للمقاعد الدراسية في سن مبكرة، خاصة الفتيات. وفي هذا السياق، يقول إبراهيم أوفوتا، الذي ينتمي إلى جمعية تافشنا للنقل المدرسي: "من أصل 18 تلميذة لم يلتحق بالثانوية سوى 6 فقط، بسبب غياب المنحة والظروف المادية". ويضيف إبراهيم أوفوتا، في تصريح لهسبريس الإلكترونية: "تلقينا وعودا شفهية بأن يتم توفير منح للتلميذات في أيت ولال؛ لكن المسؤولين لم يوفوا بوعودهم، وعانينا كثيرا، وفرنا نقلا مدرسيا من أجل أن تتمكن بناتنا وأولادنا من إتمام دراستهم، وقمنا بكراء منزل ليقيم فيه التلاميذ؛ لكن الأمر صعب جدا، لا نستطيع توفير راتب مربي يقوم بمراقبة التلاميذ والتلميذات، فعدد كبير من التلميذات توقفن عن الدراسة بسبب المشاكل التي تحدث، فلا يمكن أن نجمع الإناث والذكور في مكان واحد، ولا نملك إمكانات مادية لفصل الإناث عن الذكور، خاصة مع المشاكل التي تحدث في سن المراهقة". ويؤكد محمد أيت حدو، واحد من قاطني الجماعة القروية المعنية، أن "الفقر هو الذي يجعل الآباء يمنعون أبناءهم عن فصول الدراسة، سواء كانوا ذكورا أو إناثا. في مثل حالتي وحالة آباء آخرين نضحي بمستقبل بعض أبنائنا في سبيل أن يدرس واحد، نترك واحدا مجدا ونمنع آخرين؛ لأننا لا نملك ما ننفقه في سبيل دراستهم، الأدوات المدرسية واللوازم والأكل والمبيت في بلدة بعيدة لا نستطيع توفيره، ونعرف أنه عندما يكبرون جميعا سيحاسبوننا على هذا السلوك دون أن يرحموا ضعفنا؛ لكنهم سيقولون لنا لماذا لم تخترني أنا لأدرس واخترت أخي". عميري: الهدر مرتبط بالأعراف يوسف عميري، مدير المصالح بجماعة تافتشنا القروية، أكد أن "الهدر المدرسي المتعلق بالإناث مرتبط بالثقافة السائدة في المنطقة، وعدم استيعاب السكان لضرورة أن تدرس الفتاة مثلها مثل الفتى". وتابع المتحدث، في حديثه لهسبريس، أن "الجماعة وفرت النقل المدرسي، ومستعدة لتوفير المزيد والتعاقد من جمعيات محلية لتسييره، وأنها ملتزمة باحترام بنود الاتفاقيات المبرمة بينها وبين الجمعيات وباقي الشركاء؛ لكن هناك من الساكنة من لم يستوعب بعد أن الفتاة من حقها أن تدرس وتتفوق، تسافر وتقطع المسافات مثلها مثل الذكور، وأنها ستنجح في ذلك وتنال الشواهد العليا". في انتظار أن يجد السائقون المتوجهون إلى الجماعة القروية "تافتشنا" علامة تشوير تسعف في الوصول إلى هذه المنطقة، يأمل السكان الموزعون على الدواوير السبعة أن ينعموا بالخدمات الصحية وغيرها اللائقة وبالبنية التحتية التي تحفظ العيش الكريم.