قبل 20 فبراير قرر الشارع أن ينزل إلى الشارع، فاختلف الناس بين رافض و مؤيد، واحتاروا في توقعاتهم " بين أن لا يقع شيء " أو " أن يقع كل شيء " ، وبعدها حدث الحدث وقيل ما قيل فتغيرت المواقف والمواقع، لأن الزمن كان يسمح برجل هنا و رجل هناك، ثم جاء الخطاب ، يقول ظاهره: " ما أريد إلا الإصلاح ما استطعت " ، ففكر وقدر وأتى الناس من بعده فذكّروا بمذكراتهم، لكن الشارع نزل إلى الشارع، فما العمل ؟ قال البعض مهددا: لا شارع بعد الخطاب ولا يلومن إلا نفسه من دفعته الأقدار إلى الشوارع. نفذوا وعيدهم كما هددوا، قُمع من قُمع وجُرح من جُرح، لكن الشارع مازال ينزل إلى الشارع، فما العمل ؟ قال أحدهم أسرعوا فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فاستجابوا وأسرعوا معه، ثم بعد حين عاد ليخبرهم: وجدتها.. وجدتها: حل المعادلة يأتي من اللغة وما أدراك ما اللغة، ف " السياسة فلاحة الكلمات " كما قال الفيلسوف. رفض من رفض و أيد من أيد، لكن الناس ما زالوا على حالهم يحتجون: إننا هنا صامدون، فصرخوا فيهم: أنتم أقلية و نحن الأعلون، وسيأتي اليوم الموعود ليقول كلمته ويفصل الأغلبية عن الأقلية، وصل فعلا و فعلها كما كان يفعلها دائما، ثم حسم المذيع الأمر فألقى في وجوه الجميع نسبه الذائعة الصيت، تبناها قوم وشكك فيها قوم، لكن الشارع مازال ينزل إلى الشارع، فما العمل ؟ هنا، بالضبط، أصيب الجميع بالتعثر و التيه، فأخذ المغاربة يصطفون من جديد، لكن بجدية أكثر، وبدؤوا يطرحون الأسئلة، أسئلة ما بعد نزول الشارع إلى الشارع. ففي ماذا يتساءلون إذن ؟ أول سؤال طُرح: هل يعيش بلدنا حالة ثورة أم حالة إصلاح ؟ وبعدها تناسلت الأسئلة: أي دور للقصر ؟ هل يؤمّن الانتقال أم يحافظ على الوضع ؟ أي موقع له في السياسة وفي الدستور؟ هل نرفض انطلاقا من المقارنة و الكونية أم نقبل انطلاقا من الثقافة و الخصوصية ؟ هل نتدرج أم نرفع شعار "هنا و الآن" ؟ و هل يمكن للتدرج أن يحقق الانتقال ؟ وما الذي يضمن عدم عرقلته و إجهاضه ؟ و كيف نضمن أن لا يتحول إلى" مؤقت دائم" ؟ ثم ماذا عن التظاهر؟ هل نرفضه لأنه يسير وفق منطق تأزيم السلطة أم نقبله لأنه يعبر سلطة مضادة ؟ هل نصادره باسم الخوف من الانفلات أم ندافع عنه باسم غياب الضمانات ؟ وماذا عن الدستور الجديد ؟ هل سيحرر السياسة أم أن السياسة ستكبله و تفرغه من مضمونه ؟ وهل سيساهم في تجديد النخب أم داء العطب قديم ؟ وهل يجوز القول أن" الشعب قد أراد" أم "الشعب ما زال يريد" ؟ وبصيغة مباشرة : كيف ستستوعب "20 فبراير" رسالة "فاتح يوليوز" ؟ و كيف تلقى "فاتح يوليوز" رسالة "3 يوليوز" و "10 يوليوز" و ... ؟ وصلنا أخيرا إلى معارك ما بعد الدستور، سواء صوتنا في يوليوز أم لم نصوت نزل الشارع إلى الشارع،وغدا، انتخبنا أم لم ننتخب، سينزل الشارع إلى الشارع، فكيف إذن سنتعامل إذن عندما يصبح الشارع أفقا للشارع ؟ لنتابع...