كثير من الشباب المغاربة في هولندا مصابون بمرض انفصام الشخصية، بل ان نسبة هؤلاء المرضى يفوق بحوالي خمس مرات نسبة المرضى من اصل هولندي.وبالرغم من أن مرض انفصام الشخصية في صفوف مغاربة المغرب ليس بهذه الحدة، إلا أنه في صفوف مغاربة هولندا أصبح ظاهرة ظاهرة. "" ازمة هوية وتقول الطبيبة النفسية إيندرا بوديارث، من المركز الصحي "ميكادو"، بالرغم من ان مرض انفصام الشخصية ناتج عن الجينات، إلا أنه غالبا أيضا ما يصاب به المرء نتيجة ظروف اجتماعية"، وهو الحال في الغالب لدى مغاربة الجيلين الثاني والثالث، الذين يشعرون بعدم الانتماء ويعيشون أزمة هوية عميقة. تقول الطبيبة: "كثير من المغاربة المجرمين مصابون بمرض انفصام الشخصية، لديهم مشاكل سلوكية، وغالبا ما يلجأون لاستخدام العنف للتعبير عن شعورهم بالإحباط"، وهذا بالفعل ما ينطبق على بلال ب، الذي قتلته مؤخرا شرطية دفاعا عن النفس، والذي اتضح فيما بعد أنه كان يُعالج من مرض انفصام الشخصية. وتضيف الطبيبة: " ينتمي هؤلاء المراهقون في الغالب إلى طبقة اجتماعية دنيا، يتعرضون للتمييز ويتلقون تربية صارمة، وأحيانا لا يشعرون باي ارتباط مع آباءهم، ولهذا السبب يسخطون على المجتمع، يفقدون السيطرة على أنفسهم، ويقعون في شرك أصدقاء السوء أو يلجون عالم المخدرات". اعراض نهاية المراهقة وتظهر أعراض مرض انفصام الشخصية غالبا في نهاية مرحلة المراهقة، كما هو الحال لدى شباب حي سلوترفارت، مجموعة لا يتعدى عددها ثلاثين مراهقا، يخربون في الحي ويحرقون ويدمرون، ليس حزنا عمن مات، ولكن تعبيرا عن شعورهم بالإحباط، كما يقول رئيس بلدية الحي أحمد مركوش: "إنها مجموعة تستغل أية مناسبة لتفرغ إحباطها وتعبر عن نفسها باستعمال العنف. ليس بدافع الحزن والأسى، وإنما بدافع السلوك الثابت فيهم"، وهذا السلوك تشخصه الطبيبة النفسانية بانفصام في الشخصية، ولكن المسوؤل من المسؤول عما يحدث إذن: " الآباء والأمهات"، تقول بعض الجهات حتى المسؤولة منها. وتقول الأم حنان غنام قاطنة حي سلوترفارت للإذاعة العالمية: "يلعب بعض الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 7 أو8 سنين، إلى ساعة متأخرة من الليل خارج البيت. حينها يكون أطفالي قد تعشوا، أخذوا حماما ورقدوا في أسرتهم. ان القضية قضية تربية حقا. أحيانا يعاني الآباء والأمهات أيضا من مشاكل كثيرة. عدد كبير من الآباء يعجزون على تربية أبنائهم"، وتضيف: " لا يزال أطفالي صغارا، لا يستوعبون كثيرا ما يحدث في الحي في الآونة الأخيرة، لكني أصادف بعض الأمهات اللواتي يشتكين من أنه يُنظر إلى أبنائهم كما لو كانوا مجرمين. هذا يشعرني بالقلق على أطفالي، نحاول ان ننمي ثقتهم بالنفس ونعطيهم تربية حسنة". ممنوع الكلام وتقول إيندرا بوديارث ان الآباء والأمهات غالبا ما لا يتعرفون على أعراض انفصام الشخصية لدى أطفالهم، " بالإضافة إلى ذلك، فان المهاجرين يعتبرون الحديث المشاكل النفسية نوعا من التابو، ومن يعاني منها، فهو "أحمق". وكثير من الآباء لا يعرفون ما يشغل أبناءهم، فهؤلاء يكبرون في وسط تكون فيه إرادة الأب قانونا، في حين يتعلمون خارج البيت وفي المدرسة أنه بوسعهم طرح أي شيء والتحدث فيه، وهذا يسبب لهم نوعا من التضارب". وقد خرجت الأمهات بشكل جماعي في نهاية الأسبوع إلى شوارع سلوترفارت في تظاهرة احتفالية، ليؤكدن أن حيهم ليس بضاحية باريسية، ولكنها مجموعة ضئيلة تلك التي ضلت الطريق، لذلك فإنهن ولصالح أبنائهن، يرغبن في إعادة الاعتبار للحي وتحسين سمعته. إلا أن الآباء ليسوا وحدهم من يتحمل المسؤولية، فللمصحات النفسية أيضا أخطاءها كما في حال بلال ب مثلا، حيث حملت عائلته المسؤولية فيما أوقع بلال وفيما حدث له للمصحة. وتقول الطبيبة: " غالبا ما يكون تشخيص الحالة خاطئا. ويُزج بالشباب المجرم في المصحات وبالمرضى النفسانيين في السجون. والصورة السائدة عن المغاربة هي أنهم مجرمون أكثر من كونهم مرضى، لأنها الصورة التي يثبتونها أنفسهم على أنفسهم". وغالبا - ان لم يكن دائما- ما ينطبق الأمر على الفتيان فقط وليس الفتيات، تقول الطبيبة: يُظهر الفتيان مشاكلهم ويعبرون عن سخطهم باستعمال العنف، أما الفتيات فغالبا ما يتقوقعن عن أنفسهن. ونرى أن الفتى غالبا ما يؤذي الآخر، في حين فان الفتاة لا تؤذي إلا نفسها". من المسئول والمسئولون؟ يقول الآباء والأبناء أنفسهم ان النقص في المرافق وعدم الاهتمام بأمور تملأ فراغهم هي التي دفعت بهم إلى الشارع وبالتالي إلى ضل الطريق. حين دعا قبل أسبوع أحمد مركوش الشباب المغاربة لتبادل الرأي، حضر منهم كثير من الجامعيين وذوي الشهادات، الذين تبرأوا مما يفعله أقرانهم في الحي، والذين طالبوا بعدم خلطهم مع الآخرين وسد طريق النجاح في أوجههم بسبب انتماءهم لذاك الحي. لكن الشاب محمد أزحاف، النشيط بمركز الشباب أركان، لم يتوان في إلقاء اللوم على مركوش قائلا: " تصفهم بالأنذال والمجرمين، هذا يضاعف من سخطهم وغضبهم فيستمرون في ممارسة العنف،ومهما كان، فإنهم منا، شئنا أم كرهنا". لم يجدها أزحاف لغة سليمة تلك التي يستعملها مركوش، بل ولمعاقبة الآباء, اقترح المحافظ القانوني في بلدية أمستردام لودوايك أشر من حزب العمل، أن يُحرم آباء "الأنذال" من المساعدة المادية الخاصة للأبناء، وبدلهم، سيتلقى ذاك المال مساعد اجتماعي مختص، يساعد العائلة على رد ابنها إلى الطريق.