بسم الله الرحمن الرحيم طبْخَةٌ بكل ما في الكلمة من معنى كلمة "طبْخة"، حينما تُستعمل في سياقات سياسية، غالبا ما تعني الروَغان والمخاتلة والسرعةَ غيرَ الطبيعية والتّخليطَ بغاية الوصول إلى النتيجة المحددة سلفا، وهي نتيجة لا تتناسب مع الخطوات والمقدمات التي سبقتها وأنضجتها قسْرا. فما إن بدأ "الربيعُ العربيّ" يطرق بابَ دارنا، وظهرت إلى العالم الحقيقي حركة 20 فبراير، حتى بادر النظامُ، في خطاب 9 مارس، في خطوة استباقية، إلى الإعلان عن مشروع "الطبخة" الدستورية، في خطوطه العامة. وفي خطاب 17 يونيو تم عرضُ المحاور الأساسية في مشروع الدستور الجديد، وتحديدُ يوم فاتح يوليوز موعدا لاستفتاء الشعب في شأنه. فمن تجلّيات هذه الطّبْخة أن وثيقةَ الدستور، بما لها من خطر وأهمية قانونية وسياسية، لأنها ستتحكم في شؤون الناس، ربما لوقت طويل قبل تعديلها أو تغييرها، وبما ينبني عليها من مؤسسات ومجالس يناط بها النظرُ في أمور المواطنين، وحمايةُ حقوقهم، والسهرُ على مصالحهم ومصالح أبنائهم- وثيقة بهذه الخطوة تُحرَّر في أقل من ثلاثة أشهر ونصف(من 9 مارس إلى 17 يونيو)!؟ ثم مع هذه السرعة "الطَّبْخِيّة" القياسية، هناك الخلطُ والتمويهُ باللقاءات الماراطونية التي نظّمتها اللجنة الدستورية التي عيّنها الملك، مع أطراف متعددة، وبالمُذكرات التي تلقتها هذه اللجنة الدستورية الاستشارية من الأحزاب والنقابات وغيرهما من التنظيمات والجمعيات. وقد حكى بعضُ من شارك في هذه اللقاءات كيف كانت الأمور تجري، حيث وصَفَ لجنةَ المنوني، في هذه اللقاءات، بأنها كان بمثابة غرفة تسجيل، حيث ينعدم النقاش في الجوهر، وحيث سقفُ الكلام محددٌ سلفا، بل إن الذين شاركوا في هذه اللقاءات كانوا، في غالبيتهم، يعرفون ما هو مطلوبٌ منهم في مثل هذه الجلسات الاستماعية، لأنهم، أصلا، لم يكونوا راغبين ومُتحمّسين لتغيير الدستور القديم. ولإيهام الناس بأن أمرا عظيما ذال بال هو بصدد التكوّن تمّ استحداث واجهة فارغة من أي مضمون عملي سياسي حقيقي، سُمِّيَت بالآلية السياسية للمتابعة برآسة مستشار الملك؛ ولحدّ الآن، لا يعرف كثير من الناس، ومنهم مهتمّون متخصصون، ماذا كانت مهمة هذه الآلية السياسية بالضبط. هذا إن أحسنّا الظن بها، وإلا فإنها آلية، على ما يبدو، وُجدت لإعطاء الانطباع بأن هناك نقاشا سياسيا جاريا تشارك فيه جميعُ الأحزاب والنقابات، وعليه، فإن مشروع الوثيقة النهائي لن يكون مفروضا وممنوحا من فوق، كما جردت العادة في الدساتير السابقة، وإنما سيكون دستورا نابعا من القوى السياسية الوطنية بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها. وهذا طبعا احتيالٌ وخلْط وتدليس، لأن اجتماعات هذه الآلية كانت قليلة جدا بميزان أهمية الموضوع وخطورته، ولم يتحدث عنها الإعلامُ كثيرا إلا بعد انسحاب بعض أعضائها احتجاجا على عدم احترام منهجية عمل الآلية المتفق عليه، حيث استدعى مستشارُ الملك أعضاء هذه الآلية لأحد اللقاءات، ليستمعوا لعرض شفوي حول مضامين المشروع الدستوري. ومع الأسف، لم يغير المحتجّون الذين غادروا هذا اللقاء شيئا مما كان مقررا، بل استمعنا إلى تصريحات بعض المؤيدين التابعين يعبرون فيها عن إيجابية العرْض، ويمدحون مضمون مشروع الدستور الجديد ويبالغون في المدح استنادا إلى عرض شفوي فقط. قلت، وكأن الأمر كانت مُرتَّبا له بعناية في غاية الدقة والمكر والدهاء؛ فقد كان الطابخون يعرفون أن الغالبية ممن سيتم الاجتماعُ بهم، والاستماعُ إلى مقترحاتهم، وتلقي مذكراتهم، هم من الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات التي لا تملك أن تقول "لا" للدولة المخزنية، ومن ثمّ كانت الظروفُ التي تمت فيها الطبخةُ ظروفا مواتية جدّا. ولا حاجة بنا هنا إلى التذكير بالفضائح المتعددة، والأجواء الوبيئة المضطربة، التي مرت فيها الحملة الاستفتائية؛ والحمد لله أن الدولةَ المخزنية لم تعُدْ تحتكرُ الصوت والصورة، كما كانت قبل ثورة الاتصالات الحديثة، لأن العالم كلَّه يمكنه اليوم أن يتابع بالتفصيل ما يجري على أرض الواقع، من خلال أشرطة مصورة ومسموعة يرسلها الناسُ إلى مواقع إخبارية أو ينشرونها في صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع كل هذا التطور التكنولوجي الهائل، ما يزال المخزنُ عندنا يظن، ويا للعجب، أنه هو وحده من يملك أن يفرضَ على الناس ما ينبغي سماعُه ومشاهدته وما لا ينبغي، وما يزال يظن، ويا للمصيبة، أن المواطنين لا يُمكن أن يثقوا إلا فيما يبثّه هو من صور وأخبار. وهذا هو منتهى التخلف والتحجر في دول الاستبداد والاستعباد. ومن تجليّات "الطبْخَة" أيضا أنها تمّت على نار قدْ زِيد في حرارتها عمْدا، على غير العادة، استعجالا للنتيجة المرجوّة، وطلبا لنضجٍ غير طبيعي، وهذه كلّها عيوبٌ تظهر آثارها في الثمرة، التي تأتي مطبوعةً بالمرارة والفَجَاجة، يُسرع إليها الخَمَجُ والحمُوضة في وقت وجيز. حرارةُ الطبخة الدستورية الأخيرة غيرُ العادية ظهرت للعيان في الحملات المخزنية القمعية في معظم المدن التي عرفت أنشطة واحتجاجاتٍ مناوئةً ومعارضةً للدستور المفروض بالقوة، وفي الاعتقالات والإهانات والاستفزازات والمحاكمات السياسية الظالمة، وفي استغلال الإعلام العمومي استغلالا بشعا وبطريقة متخلفة وأساليب بالية، لفرض الرأي الواحد، وجرّ الناس جرا، وهم كارهون، ليكونوا في صف الدولة المخزن بِزِّيزَى. معنى كلمة "بِزِّيزَى" في العربية هو معنى كلمة "بَزَّزْ" في اللغة الدارجة، أي بالقوة والقهر والتغلّب. كما ظهرت حرارةُ هذه الطبخة في ابتذال الدِّين مطيةً للتأثير في الناس وحمْلهم على قول ما يريده النظام، حيث تمّ حشدُ أئمة المساجد وخطباءِ الجمعة وشيوخِ الزوايا وفقرائِها في المعركة، وأصبحت المعادلةُ، بالمنطق المخزني، مختصرةً في التالي: أنت مواطنٌ صالح ومؤمن مَرضِيّ مفلحٌ إذا أطعت الملكَ وصوّتت بنعم، وإلا فأنت مواطن غير صالح ومؤمن خاسر ومغضوب عليه. وللتنويع في وَقُود نار هذه الطبْخة المخزنية، وسعيا لبلوغ درجة الحرارة المطلوبة، عمَد النظامُ، كما يفعل دائما، إلى طلب خدماتِ العوام والسّوقة والغوغاء من البَطّالين وأصحاب السوابق الجنائية و"المَبْلِيّين" ببلاءات من كل صنف، على رأسها بلاءُ الجهل والفقر والبطالة، في مقابل أجر نقدي أو وعود أو امتيازات أو غيرها من الحوافز والإغراءات، فكانت الملحمةُ الاستفتائية المغربية، التي جعلت مغربَنا، بحقٍّ، بلدا متميزا له خصوصيةٌ لا تجدها في بلد آخر. ثم سجَّلَ التاريخُ على النظام المخزني الجبري ما سَجّل من المَظالم ومظاهر الخزي والعار ومَقالات السوء. لقد سجل التاريخُ، بكل وسائل التسجيل وأشكاله، أن النظامَ المخزنيّ لم يكن له من قصد وراء هذه الطبخة الدستورية إلا أن يرسّخ أركانَه ويُحكم قبضته على البلاد والعباد، ويلتفَّ على مطالب شباب حركة 20 فبراير ومن يناصرها من مؤدين وداعمين ومتعاطفين، ظانّا أن هذا الالتفاف قد يربحه كثيرا من الوقت، ويعفيه من التجاوب الحقيقي والمسؤول مع مطالب الشارع الذي بات يغلي بالرفض والاحتجاج والاعتراض، والذي يوشك أن ينفجر، لا قدّر الله، بما لا تحمد عقباه. وبعد فاتح يوليوز2011، أذاعت الدولةُ المخزنية النتيجةَ، فأخبَرت، بوجه أحمر، أن الشعب المغربي قد استجاب لنداء الملك والوطن والدين، وصوّت ب"نعم" بنسبة تجاوزت ثمانية وتسعين في المائة(%98). إنها، والله، مصيبة، و"إنا لله و إنا إليه راجعون". استمرار الدولة المخزنية ينزعجُ بعضُ السياسيِّين ويغضبون ويرفضون أن يُصنَّفوا بأنهم من "أبناء دار المخزن"، وأنهم ينتمون إلى تنظيمات وهيآت محسوبة في توابع المخزن وواجهاته. وهؤلاء السياسيون المنزعجون الغاضبون ينحدرون، في غالبيتهم، من معارضة "أيام زمان"، كحزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، وهي المعارضةُ التي تمّ احتواؤُها وترويضها واختراقُها وشقّ صفوفها وإلحاقُ بعض فصائلها وزعمائها ورموزها بالنظام المخزني، وخاصة بعد دستور1996 وما تلاه من خطوات سياسية انتهت إلى تدشين مرحلة جديدة في علاقة النظام بمعارضيه التاريخيّين سمّاها بعضُهم بمرحلة "التناوب الديمقراطي" أو "التناوب التوافقي". أما حزب "العدالة والتنمية"، فقد كان مؤسسه، رحمه الله وغفر لنا وله، من أبناء دار المخزن الأقحاح الخلّص الأوفياء، ومن ثم فهو حزبٌ كان دائما مع النظام، يعرف جيّدا قواعد لعبته ويحترمها إلى أقصى الحدود. وسببُ هذا الانزعاج والغضب والرفض من هؤلاء السياسيين إنما مردُّه، في تقديري، إلى كلمة "مخزن"، التي بات يكرهها هؤلاء الذين رضيت عنهم الدولة وأصبحوا من اللاعبين المقبولين في ملعبها، والمشاركين في لعبتها الديمقراطية، طبعا بشروطها وقواعدها وتوجيهاتها وتعليماتها، لأنهم يعرفون جيدا ماذا تعني كلمة "مخزن" في تراثنا السياسي، القديم والحديث. وهم اليوم يكرهون أن يُوصفوا بأنهم مخزنيّون، لأنهم يزعمون أن اليوم هو غير أمسِ، وأن الدولةَ قد تطورت كثيرا نحو دولة الحق والقانون، وأن تجربتنا الديمقراطية قد قطعت أشواطا بعيدا على طريق القطع مع تجارب الماضي المؤلمة، والتأسيس لتجربة جديدة قوامُها احترام حقوق الإنسان، وصونُ كرامة الإنسان، وسيادةُ القانون، والانتخابات الحرة، إلى آخر ما يزعمون من إيجابيات وإصلاحات وتطورات. وهم يبنون على هذه المزاعم أن وصفَ الدولة بأنها مخزنية بات من أوصاف الماضي، بل بات من الأوصاف التي لا معنى لها اليومَ سوى التجريح بالباطل والطعن المجاني والمعارضة من أجل المعارضة والتميّز، لا غير. يرفض المخزنيّون أن يُوصفوا بأنهم مخزنيّون، لأنهم، حسب زعمهم، سياسيون راشدون، يتخذون مواقفَهم ويختارون طريقَهم ويعبّرون عن آرائهم بكل حرية، لا يخضعون ولا يخافون ولا يطمعون. يقولون إنهم يشاركون في اللعبة السياسية المخزنية بمحض إرادتهم وكامل رضاهم، لا راغبين ولا راهبين، لأنهم مقتنعون بصحة اختيارهم، إلى آخر ما نسمع ونقرأ من مقالات يدافع فيها أصحابُها عن انخراطهم في لعبة النظام، وعن اصطفافهم وراء "أمير المؤمنين" من أجل الإصلاح والبناء والديمقراطية والحداثة. أنا أعتبر مزاعمَ هؤلاء المخزنيين، بكل فصائلهم وتياراتهم، وكذلك دفاعُهم عن مواقفهم واختياراتهم، من باب الرأي، الذي ينبغي أن يُحترم ويُناقش. وكل ما أتمناه، وهو منتفٍ في الأغلب الأعم مع الأسف، أن يَحترم هؤلاء المخزنيّون الآراءَ التي تنتقدهم، كما يحبون هم أن تُحترم آراؤهم، وأن يناقشوا أطروحات مُخالفيهم بأدب وموضوعية، كما يحبّون هم أن تُناقش أطروحاتُهم. وليس يهمّ أن ترفضَ رأيي أو تقبلَه، وإنما المُهمّ هو أن تتوطّد قيّمُ الحوار وتنجح، لأنها، في النهاية، قيمٌ تُغني وتعزز جانب فضيلة التواصل والتعاون من أجل ما هو أحسن وأنفع. اسمعُوا أيها الفضلاء "المخزنيّون"، قد يكون الإنسان غارقا في ممارسة الاستبداد حتى قُنَّة رأسه، وهو يظن أنه أبُ الديمقراطية وحامي حماها؟ قد يكون الحاكمُ في الدرجة الأولى من الحكام الظلمة الطغاة، وهو يحسب أنه وحيد زمانه في العدل والشورى وحماية الحريات. قد يبلغ المرءُ الدرجةَ التي ما بعدها درجةٌ في الخنوع والاستسلام والتبعية والإمَّعِيّة والذِّلّة والمَسْكنة، وهو في كل ذلك يدّعي، ويصر على الادعاء، بأنه مالكٌ لقراره، وسيّدُ موقفه واختياره، ومستقلٌّ في تفكيره وسلوكه، وحرّ في حركاته وسكناته. وقد يكون سعيُ الإنسان إلى ضلال، وهو يحسب أنه مهتد على صراط مستقيم. وقد يكون السياسيُّ مبْلوعا كلُّه في بَطن الجَبْر والظلم والاستبداد، وهو يظن أنه طليق يتمتع بكامل إرادته وحريته في التصرف والفعل والترك وغيرها من سلوكات الإنسان الحرّ. وقد يكون السابحُ قابَ قوسين أو أدنى من الغرق والهلاك، وهو مع ذلك مصر على أنه سبّاح ماهر، وأن غرقَه مستبعد، وأنه السيد المُسيطر في الماء. يقول هذا، وهو مُنجرف إلى حتفه، لا يشعر ولا ينتبه إلا وقد أصبح من المُهْلَكين. هذه حقيقة نفسانية إنسانية لا سبيل إلى جحدها إلا بجَحْد حقيقة وجود الإنسان نفسه. كلمة "مخزن" تحوّلت، في الاستعمال السياسي المغربي، إلى مصطلح يدل على دولة القهر والغلبة والاستبداد في مختلف المجالات. وهذه الدولة المخزنية قوامُها الأساسُ حكمٌ ملكي وراثي، يتمتع الملك فيه بسلطات مطلقة، ترفعه فوق جميع المؤسسات والهيآت، وتجعله بمنأى عن أيّ شكل من أشكال المراقبة والمتابعة والمحاسبة. وحينما يستعمل الأجانبُ من غير المغاربة كلمة "مخزن" في كلامهم، فإنهم يُبيّنون أنها تعني "القصر" أو "سلطات القصر" أو "النظام الملكي" أو ما شابه هذه العبارات التي تَرجع إلى معنى التفرّد بالسلطة والهيمنة على جميع المرافق الحيوية للدولة. والدستورُ المغربي الممنوح، في جميع طبعاته، إنما هو، في جوهره، تكريس لهذه الدولة المخزنية. لم يكن الحسن الثاني، رحمه الله وغفر لنا وله، يمضغ كلماتِه حينما كان يتحدث في هذا الشأن، بل كانت صراحتُه تتعدى كلَّ صراحة. لقد صرّح في مناسبات كثيرة بأنه هو واضع الدستور من تلقاء نفسه وبرضاه من غير أن يكون تحت أي شكل من أشكال الضغط والإكراه. وهو الذي كان يصف الوزراء والنواب المنتخَبين بأنهم أعوانه، وكان ينفي أن يكون هناك فصلٌ للسلط على مستوى الملك، إلى آخر مقالاته المحفوظة للتاريخ وللباحثين، والتي تؤكد أن الدستور الممنوحَ، رغم تعدد طبعاته واختلافها في بعض الأشكال والتعبيرات والإضافات والتعديلات، كان دستورا للدولة المخزنية، أساسا، ولم يكن قطّ دستورا للدولة الديمقراطية. فما لا يريد أن يراه السياسيّون المخزنيّون المؤيدون التابعون هو أن الدستور الممنوح الجديد، رغم ما تميز به من إضافات وشعارات وتسميّات، يقوم ، في روحه، على نفس الأسس التي قامت عليها الدساتير السابقة، وهي أن جميع خيوط الحكم إنما مرجعُها إلى يد الملك. ولا يهمّ، بعد إحكام هذه الأسس، أن يُضاف هذا الاسمُ أو النعت، أو أن تُحذفَ هذه الصفةُ من هذا الفصل لتُضافَ إلى موصوف في فصل آخر، أو أن تُستحدَث مجالسُ جديدةٌ تُزاحم كثيرا من الوزارات والإدارات في مهامها، وتُنافسها في صلاحياتها، أو أن تُقدّمَ رِشًى للسياسيّين التابعين في شكْل عبارات مُحْتَمِلَة لأكثر من وجه، ستقومُ في فهمها وتأويلها وتنزيل مضامينها معاركُ طاحنةٌ في الحكومة والبرلمان، ثم ستكونُ الغلبةُ دائما للتأويل والفهم الذي يريده النظامُ، لأنه سيكون دائما هو المتحكم في لعبة الأصوات والأغلبية. قلت المُهمُّ، في دستور الدولة المخزنية، هو أن يكون الملك صاحبَ الأمر والنهي، بيده مقاليدُ كلِّ شؤون الدولة، وأن يكون فوق كلِّ السلطات، لا يُساءَل ولا يُحاسب، ثم، بعد هذا، اكتبْ ما تريدُ، وقلْ ما تشاء، واطلُبْ ما يحلو لك، وانتقدْ واصرُخْ واحتجَّ وأَشْعِلِ النيرانَ في البرلمان ومجلس الحكومة وفي سائر المجالس المنتخَبة وغيرِ المنتخَبة، لينقلَ الإعلامُ المخزني وشبهُ المخزني للناس، في الداخل والخارج على الخصوص، أن الديمقراطيةَ في المغرب في صحة جيدة، تعيش أزهى أوقاتها في ظل الدولة "الحداثية" "الديمقراطية". هذا هو على وجه التقريب السيناريو الذي ستجري على ضوئه الأحداثُ في ما سنستقبله من الأيام. وسيلاحظ القارئ الكريم أنْ لا شيء سيتغير بالمقارنة إلى ما كان يجري قبل دستور2001 على مستوى الحكم، أعني على مستوى وضعِ السياسات الكبرى، واتخاذِ القرارات الاستراتيجية، والتحكمِ في القطاعات الحيوية. سنلاحظ جميعا، إن أحيانا الله تعالى، أن الدستورَ الممنوح في نسخته الجديدة لن يُغير من واقع الحكم في أرض الواقع شيئا، وسيبقى الوزراءُ، كما كانوا دائما، خدّاما وأعوانا للملك، يسمعون وينفذون، وستظلُ خطاباتُ الملك وتوجيهاتُه ورسائله هي المرجع الأول في كل ما تخططه الحكومة ويطبّقه الوزراء. و"إن غدا لناظره قريب". وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين majdoub-abdelali.maktoobblog.com