تضمنت الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011 عدة مستجدات تتعلق بالمهام الدستورية للبرلمان والحكومة. لقد حدد الدستور مهام الحكومة وعلاقتها بباقي المؤسسات الدستورية الأخرى؛ فعلاقة بالمؤسسة الملكية، لا تكتسب الحكومة وجودها إلا بعد تعيينها من قبل الملك (قرار المجلس الدستوري رقم 825 الصادر بتاريخ 2 في يناير 2011). كما أن استكمال وجودها القانوني يرتبط كذلك بعلاقتها مع البرلمان من خلال ما يعرف بالتنصيب البرلماني، إذ بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة يتقدم رئيسها أمام مجلسي البرلمان مجتمعيْن ويعرض البرنامج الذي تعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافة والبيئية والخارجية. ويكون البرنامج المشار إليه أعلاه موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين يعقبه تصويت في مجلس النواب، من خلال موافقة الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وبمجرد حصولها على هذه الموافقة تستكمل الحكومة كل العناصر القانونية والمسطرية للقيام بمهامها الدستورية طوال مدتها الانتدابية. وعلى خلاف الدساتير السابقة، عملت الوثيقة الدستورية الحالية على استحضار صلاحيات وسلطات الحكومة في فترة ما بعد انتهاء الانتداب الحكومي؛ إما بعد مرور مدته والمحددة في خمس سنوات، أو بسبب تقدم رئيس الحكومة بطلب إعفائه من خلال تقديم استقالته والتي يترتب عنها إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك، حيث نص الفصل ال47 من الدستور في فقرته الأخيرة على: "تواصل الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة". فماذا يقصد بالأمور الجارية؟ وما صلاحيات الحكومة في هذه الفترة؟ وكيف يمارس البرلمان مهامه ووظائفه خلال فترة تصريف الأمور الجارية؟ 1- تصريف الأمور الجارية محاولة في التعريف: لقد انبرى الفقه الدستوري، في عدة نماذج دستورية مقارنة، إلى تحديد المقصود بتصريف الأعمال، خاصة في الدول التي تعرف أزمات حكومية مسترسلة وطويلة كما هو الشأن بالنسبة إلى بلجيكا، إذ إن الأزمة الحكومية لسنتي 2010- 2011 تطلبت من حكومة Leterme2 تصريف الأمور الجارية لمدة وصلت إلى 541 يوما؛ وهو ما فرض البحث عن الصيغ الدستورية الكفيلة بضمان استمرارية الدولة وأداء المرافق العمومية لمهامها، حيث تم تحديد هذه المهام الأساسية والمرتبطة بالأمور الجارية في: - الأمور العادية ذات الطبيعة اليومية؛ - هي الأمور التي تشكل القرارات المرتبطة بها امتدادا لإجراءات وتدابير سابقة؛ - الأمور المستعجلة والتي من شأن عدم التصدي لها إحداث أضرار بالجماعة. وقد وسع الفقه البلجيكي من طبيعة الأمور الجارية لتشمل أعمالا أخرى تتناسب مع طبيعة الأزمات السياسية وامتداداتها، من قبيل الموافقة على الاتفاقيات الدولية وكذا الأعمال والتدابير التي يوافق عليها البرلمان من قبيل إعداد وتقديم قانون المالية. وبالعودة إلى الوضع المغربي، إذا كان مفهوم تصريف الأمور الجارية هو من المفاهيم المستجدة في اللغة الدستورية، فإن تحديد المقصود به من حيث شرط توفره يرتبط بما حددته الفقرة الأخيرة من الفصل ال84 من الدستور في الفترة الفاصلة بين ربط مرحلتين زمنيتين: الأولى ترتبط ب: انتهاء مهام الحكومة، أي الانتداب الحكومي، إما بناء على: - استقالة الحكومة استقالة جماعية وإعفاؤها من لدن الملك بناء ذلك؛ - استقالة رئيس الحكومة التي ترتب عنها إعفاء الحكومة بكاملها من لدن الملك وتعيين حكومة جديدة. - والثانية ترتبط بانتهاء الولاية الحكومية بكيفية عادية، وإجراء انتخابات جديدة (كل خمس سنوات) وتعيين الحكومة الجديدة. إلا أن تعيين الملك للحكومة لا ينهي المدى الزمني لفترة تصريف الأعمال بل تنضاف إليها مهام أخرى ترتبط بإعداد البرنامج الحكومي إعداد قرارات التفويض؛ فنهاية فترة تصريف الأمور الجارية ترتبط بتنصيب البرلمان للحكومة من خلال تصويت مجلس النواب على البرنامج الحكومي بالموافقة، وهو ما تم تأكيده من خلال القانون التنظيمي رقم 65-13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها في الفصل ال37 منه، الذي عرف تصريف الأعمال بالنظر للفترة الزمنية كما حددها الفصلان ال47 وال87، وكذا انطلاقا من مضمون المهام التي يجب على الحكومة الالتزام بها والتي تتحدد في: - اتخاذ المراسيم والقرارات والمقررات الضرورية؛ - التدابير المستعجلة اللازمة لضمان استمرارية عمل مصالح الدولة ومؤسساتها وضمان انتظام سير المرافق العمومية. - واستبعد الفصل نفسه من هذه المهام تلك التي من شأنها أن تلزم الحكومة المقبلة بصفة دائمة ومستمرة، وخاصة المصادقة على مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية وكذا التعيين في المناصب العليا. وفي مراقبته لمدى مطابقة أحكام هذا القانون التنظيمي لأحكام الدستور، أقر المجلس الدستوري في قراره 955 الصادر بتاريخ 4 مارس 2015 بأنه "يتعين عند إعمال هذا الالتزام مراعاة ما قد تستلزمه حالة الضرورة من اتخاذ تدابير تشريعية أو تنظيمية لمواجهتها"؛ وهو ما يمكن ملاحظته من خلال الممارسة، حيث تضمن جدول أعمال أول مجلس حكومي، الذي أعقب انتخابات 7 أكتوبر 2016 [انعقد بتاريخ 24 أكتوبر 2016] مشروعي مرسومين؛ الأول يتعلق بمنع استيراد الأغشية والأغطية البلاستيكية التي يتم استعمالها في الإنتاج الفلاحي، والثاني يتعلق بوقف استيفاء رسم الاستيراد المطبق على العدس بالنظر إلى ارتفاع أسعار هذه المادة في السوق الداخلية. أما جدول أعمال المجلس الحكومي الموالي، فقد تضمن مشروعي مرسومين يتعلقان بما يقره الفصل ال75 من الدستور، إذ بعد تعثر التصويت على قانون المالية بسبب عدم تشكيل الحكومة، قامت حكومة تصريف الأمور الجارية بفتح، بمقتضى مرسوم، الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة. كما يسترسل العمل في هذه الحالة باستخلاص المداخيل طبقا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية الجارية عليها باستثناء المداخيل المقترح إلغاؤها في مشروع قانون المالية. أما المداخيل التي ينص المشروع المذكور على تخفيض مقدارها فتستخلص على أساس المقدار الجديد المقترح. وعليه، فقد تضمن جدول أعمال الاجتماع المذكور: - مشروع مرسوم لفتح الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها؛ - مشروع مرسوم لاستخلاص بعض الموارد عن السنة المالية ل2017. بينما تضمّن جدول أعمال اجتماع مجلس الحكومة ل27 دجنبر 2016 مشروع قانون رقم 82.16 يتعلق بتصفية ميزانية السنة المالية لسنة 2017. وخلال هذه الفترة أيضا، عقد مجلس وزاري برئاسة الملك بتاريخ 10 يناير 2017 تضمن جدول أعماله التداول في مشروع قانون 01-17 يوافق بموجبه على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي وبرتوكول التعديلات الملحق به المعتمد في 3 فبراير 2003 و11 يوليو 2003. وفي الفترة الممتدة بين 8 أكتوبر 2016 ونهاية فبراير 2017، جرى نشر العديد من القرارات والمقررات والظهائر في 40 نشرة للجريدة الرسمية، يتم التساؤل حول مدى اندراجها في التدابير المحددة في المادة 37 من القانون التنظيمي 65.13. إذا كانت وضعية الحكومة ومهامها خلال فترة تصريف الأعمال محددة بمقتضى النصوص الدستورية والتشريعية، فإن التساؤل الذي يثار هو: هل تؤثر هذه الوضعية في عمل المؤسسات الدستورية الأخرى وبكيفية خاصة البرلمان؟ لقد طغى على الساحة العمومية، خلال الأشهر المنصرمة، نقاش حول مدى التلازم بين الأغلبية الحكومية وبين الأغلبية البرلمانية قبل انتخاب رئيس مجلس النواب بتاريخ 16 يناير 2017. ولقد أكدنا، في مناسبات متعددة، وجود هذا التلازم من الناحية السياسية، وإن كان غير منصوص عليه من الناحية القانونية، إذ بالرغم من انتخاب رئيس مجلس النواب وأعضاء المكتب ورؤساء اللجان الدائمة في إطار مقتضيات النظام الداخلي للمجلس، فإن ذلك لم يغير من طبيعة العلاقة بين الحكومة وبين المجلس، ولم يمكن من تفعيل الوظائف الدستورية الثلاث للمؤسسة التشريعية نظرا لعدم وجود حكومة ذات مسؤولية سياسية تقوم على أساس تعاقدي يجسده برنامج حكومي. لقد نص دستور المملكة، في فصله الأول، على أن "نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية". كما أن النظام الدستوري يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها".لذا، لا يمكن تصور تفعيل عمل البرلمان، خاصة فيما يتعلق بالوظيفة التشريعية والرقابية وتقييم السياسات العمومية بدون حكومة معينة من لدن الملك ومنصبة من قبل مجلس النواب. ولإيجاد تناسب بين عدم إمكانية المساءلة السياسية للحكومة بعد نهاية مهامها وضمان استمرارية المرافق العمومية في أدائها لخدماتها، جرى إبداع نظرية تصريف الأمور الجارية التي تقوم على مبدأين متعارضين: المبدأ الأول هو المرتبط بمسؤولية الحكومة أمام البرلمان. وعليه، فالحكومة المنتهية مهامها لا يمكن أن تخضع لمراقبة السلطة التشريعية، خاصة أن أقصى هدف للمراقبة البرلمانية هو الوصول إلى إقالة الحكومة. فكيف يمكن إقالة حكومة منتهية المهام، وكما يقوم Marcel Waline " لا يمكن قتل الأموات on ne tue pas les morts". المبدأ الثاني هو المتعلق باستمرارية الدولة، والذي على أساسه يجب على الحكومة أن تستمر في مواجهة الإشكالات التي تحتاج إلى حل طبقا لما تسمح به هذه الفترة من إجراءات وتدابير. وإن الرابط بين هذين المبدأين هو ما يعرف بمبدأ تصريف الأمور الجارية. وبالنظر إلى علاقة الحكومة بالبرلمان، أضاف الفقه الدستوري البلجيكي خاصة، حالات أخرى لفترة تصريف الأمور الجارية من قبيل: - فترة حل البرلمان، وفي هذه الحالة نظرا للترابط بين الأغلبية البرلمانية وبين الأغلبية الحكومية، وإلى حين إفراز وتشكيل البرلمان الجديد يمكن تكليف الحكومة بتصريف الإعمال؛ - الفترة الفاصلة بين يوم إجراء الاقتراع وبين يوم تعيين رئيس الدولة للحكومة. فكيف تتأثر مهام البرلمان بوضعية تصريف الأمور الجارية ؟ 2- تأثير وضعية تصريف الأمور الجارية على الوظيفة التشريعية للبرلمان: إذا كان لا بد من التسليم بأن الدستور المغربي قد بوأ مجلس النواب الصدارة في الهندسة البرلمانية بالنظر لامتداده الشعبي من خلال انتخاب أعضائه عبر آلية الاقتراع العام المباشر، وكذا لسلطاته المرتبطة بتنصيب الحكومة وإمكانية إقالتها، فضلا عن أسبقيته في المسطرة التشريعية من خلال (الإحالة والبت)، فإن ذلك يفرض بالضرورة التكامل بينه وبين مجلس المستشارين. إن الحديث عن وظائف البرلمان في فترة تصريف الأمور الجارية يفرض بالضرورة الإقرار بأنه ليس هناك ما يمنع البرلمان من أدائه لمهامه، وفق ما هو محدد في الدستور والنظامين الداخليين؛ إلا أنه يجب التمييز بين نوعين من المهام انطلاقا من علاقتها بالحكومة، فهناك مهام ذاتية يمارسها باستقلال عن الحكومة. في حين أن الوظائف الدستورية الثلاث والمتمثلة في التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية تفرض بالضرورة وجود حكومة معينة ومنصبة من قبل مجلس النواب. أ- الصلاحيات الذاتية: نقصد بها المهام التي يقوم بها البرلمان باستقلال عن وجود الحكومة ويمكن تحديد أهمها فيما يلي: ‒ تنظيم وهيكلة المجلس (انتخاب الرئيس، مكتب المجلس، اللجان الدائمة، لجنة مراقبة صرف الميزانية، التعيينات الشخصية لتمثيل المجلس، التنبيهات والتأديبات، تطبيق مدونة مقتضيات مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية؛ ‒ إعداد ومناقشة والتصويت على النظام الداخلي؛ ‒ تنظيم اللقاءات والأيام الدراسية والدورات التكوينية؛ ‒ الاختصاصات المرتبطة بالدبلوماسية البرلمانية. ب- الصلاحيات المرتبطة بوجود الحكومة: إذا كانت الصلاحيات الذاتية لا تثير إشكالات بالنظر إلى استقلال البرلمان عن الحكومة في ممارستها، فإن الاختصاص الممنوح للبرلمان في المجال التشريعي من خلال تقدم البرلمانيين بمقترحات القوانين يثير جملة من الصعوبات بالنظر إلى الترابط الذي يمكن إبرازه مع اختصاص الحكومة، كما حددته أحكام الدستور ومقتضيات النظام الداخلي. لقد كفل الدستور في الفصل ال78 لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان، على السواء، حق التقدم باقتراح القوانين؛ غير أن السلطة التي منحها الدستور للحكومة في الفصل ال82، والمتمثلة في تحديد الترتيب بالأسبقية مشاريع ومقترحات القوانين، يجعل هذا الحق مرتبطا بتحكم الحكومة في جدول أعمال مجلسي البرلمان. وإذا كان من حق كل مكتب من مجلسي البرلمان أن يضع جدول أعماله المتضمن لمشاريع ومقترحات القوانين بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة يفترض وجود حكومة قائمة غير تلك المكلفة بتصريف الأمور الجارية، فإن ذلك لا يندرج ضمن مشمولات تصريف الأمور الجارية كما حددها الفصل ال37 من القانون التنظيمي 65.13، فضلا عن أن المادة ال92 من النظام الداخلي لمجلس النواب الحالي تمنح الحكومة سلطة الزيادة أو نقص أو تبديل نص أو عدة نصوص بجدول أعمال تكميلي. كما أن المادة ال24 من القانون التنظيمي نفسه تلزم أعضاء الحكومة بالمشاركة في أشغال مجلس النواب ومجلس المستشارين، كلما تعلق الأمر بتقديم ومناقشة مشاريع القوانين ومقترحات القوانين المسجلة على جدول أعمال أحد المجلسين، كما يشاركون في اجتماعات وجلسات تقديم التعديلات في شأنها والتصويت عليها. كما تنص الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه "يجب أن تعبر مشاركة أعضاء الحكومة في هذه الأشغال عن موقف الحكومة وأن تكون مطابقة للقرارات التي تخذ من قبلها"، فضلا عن أن النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة ال125 ومن الناحية المسطرية يلزم رئيس المجلس بإحالة مقترحات القوانين المقدمة من لدن النواب إلى الحكومة عشرين يوما قبل إحالتها على اللجان الدائمة المختصة. ولا يمكن للجنة الدائمة المختصة برمجتها إلا إذا انصرف الأجل، كما يجب إحاطة الحكومة علما بتاريخ وساعة المناقشة في اللجنة. وكل ذلك يفترض ذلك وجود حكومة قائمة وليس حكومة تصريف الأمور الجارية. إن هذه المقتضيات المسطرية وغيرها تبين بوضح أنه حتى ممارسة الاختصاص الذاتي الممنوح للبرلمانيين والمتمثل في تقديم مقترحات القوانين يرتبط مآله بسلطة الحكومة في المسطرة التشريعية المتعلقة به. إذا كانت قواعد المسطرة التشريعية المتعلقة بمقترحات القوانين ومشاريع القوانين تمتثل لمبادئ العقلنة البرلمانية الأرثودوكسية بما يفرض وجود حكومة مكتملة لوجودها القانوني، فإن حالة الضرورة والاستعجال قد تفرض اتخاذ تدابير تشريعية من أجل مواجهتها من قبيل المصادقة على مشاريع قواني؛ وهو ما يفسر ويبرر موافقة مجلسي البرلمان في 18 و20 يناير 2017 على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي في ظل وجود حكومة تصريف الأمور الجارية. 3- تأثير تصريف الأمور الجارية على وظيفتي الرقابة وتقييم السياسات العمومية: تفترض رقابة العمل الحكومي وجود حكومة معينة ومنصبة من قبل مجلس للنواب. فإذا كانت الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي تتوخى إثارة المسؤولية السياسية للحكومة وترتيب الأثر القانوني لذلك وفق ما يحدده الدستور من خلال تقديم ملتمس الرقابة، فإنه لا يمكن مساءلة حكومة تكون فاقدة لأغلبيتها أو ليست حتى ضمن مكونات الأغلبية البرلمانية الجديدة. ولم تستثن حكومة تصريف الأمور الجارية من رقابة البرلمان، بل طال هذا الاستثناء الحكومة المعينة من قبل الملك والتي لم يحصل برنامجها الحكومي على ثقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس أو ما يعرف بالتنصيب البرلماني، حيث حددت المادة ال38 من القانون التنظيمي 65.13 اختصاصات الحكومة الجديدة التي لم تُنصب من قبل مجلس النواب في ممارسة المهام الآتية: -إعداد البرنامج الحكومي الذي يعتزم رئيس الحكومة عرضه أمام البرلمان؛ - إصدار قرارات تفويض الاختصاص أو الإمضاء اللازمة لضمان استمرارية المرافق العمومية؛ - ممارسة الصلاحيات المرتبطة بتصريف الأمور الجارية إلى حين تنصيبها من قبل مجلس النواب. استنادا إلى الفصلين ال37 وال38 من القانون التنظيمي سالف الذكر، فإن الحكومة المكلفة بتصريف الأمور الجارية أو الحكومة المعينة وغير المنصبة من قبل مجلس النواب لا تخضع لمراقبة البرلمان. فإذا كان تحريك آليات مراقبة العمل الحكومي والمتمثلة في: الأسئلة الشفهية والكتابية؛ والأسئلة الشفهية الموجهة إلى رئيس الحكومة حول السياسات العامة؛ وملتمس الرقابة؛ ومنح الثقة... من شأنه إثارة المسؤولية السياسية للحكومة ومن ثم إمكانية وضع نهاية لهذه الحكومة، فإن حكومة تصريف الأمور الجارية ليس لها أية مسؤولية سياسية، فكما وسبق أن قالMarcel WALINE : "لا يمكن قتل الأموات". وعليه، فإن حضور أعضاء الحكومة في أشغال بعض اللجان الدائمة، كما حدث في اجتماع لجنتي العدل والتشريع وحقوق الإنسان ولجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب بتاريخ 26 يناير 2017 للاستماع إلى عرض المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان وبحضور عضو من الحكومة (الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة)، لا ينسجم مع ما أقره الفصل ال37 من القانون التنظيمي 65-13، اللهم إذا كان سياق هذا العرض وأهميته يمكن أن يندرج ضمن حالة الضرورة كما حددها قرار المجلس الدستوري سالف الذكر؛ وهو ينطبق أيضا على جواب وزير الاقتصاد المالية على سؤال كتابي تقدم به نائب برلماني، إذ يبقى خارج سياقه الدستوري وكذا أحكام القانون التنظيمي المتعلق بأشغال الحكومة، ومقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب في جزئه الرابع الذي جعل الأسئلة الشفهية والكتابية ضمن مشمولات آليات مراقبة الحكومة، وتخضع لإجراءات مسطرية تفترض وجود حكومة معينة من قبل الملك ومنصبة من قبل مجلس النواب. أما بخصوص اختصاص تقييم السياسات العمومية، فهو يرتبط بوجود برامج وإستراتيجيات ومخططات حكومية تخضع لتمويل سنوي عبر قانون المالية بكيفية عادية ويخضع لتقييم أعضاء البرلمان عبر التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية وقياس تأثيراتها على الفئات المعنية ومدى تحقيقها للأهداف المتوقعة وتحديد العوامل التي أدت إلى بلوغ هذه النتائج؛ وهو ما لا يتناسب مع وجود حكومة تصريف للأمور الجارية التي لا تقوم إلا بتصريف الأمور الضرورية والمستعجلة. إن الأزمة الحكومية الحالية، التي يعرفها المغرب والمرتبطة بتأخر تشكيل حكومة جديدة، تفرض قراءة مغايرة للنص الدستوري والتشريعي تستحضر تعزيز المسؤولية السياسية للحكومة وضمان استمرارية الدولة والمرافق العمومية لأداء خدماتها، وكذا جعل فترة تصريف الأمور الجارية تدبيرا انتقاليا وليست وضعية مستمرة تجعل من حالات الضرورة مبررا للقيام بتدابير تلزم الحكومة المقبلة. *أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس