صدق من قال : وعين الرضا عن كل عيب كليلة // كما أن عين السخط تبدي المساوىء . فالساخط الناقم ينظر إلى الواقع بعين ساخطة ناقمة ، وهذا هو حال الذين سخطوا على مشروع الدستور الجديد . والمضحك في سخطهم أنهم صححوا إحصاءهم القائم على التخمين والرجم بالغيب وعبور الرؤى مقابل تكذيب إحصاء صناديق الاقتراع ، ولا يستغرب منهم موقف كهذا لأنهم ينظرون إلى مشروع الدستور بعين السخط التي تبدي المساوىء . والشعب المغربي لما قرر خلال الاستحقاقات الماضية مقاطعة الانتخابات جاءت النتيجة معبرة عن المقاطعة ، ولم يشكك يومها أحد في هذه النتيجة بل اعتمدت وركبت للقول بأن المغاربة لم يعدوا يثقون في الانتخابات ، واليوم عندما قرر هذا الشعب أن يصوت على مشروع دستور فيه فصل يقر بالإسلام دينا رسميا وهو مطلب أساسي لهذا الشعب شكك فيه ذوو حاجة في نفس يعقوب لم تقض . وكان من المنتظر جدا أن يكون التشكيك من ذوي الحاجات التي لم تقض . وعلى هؤلاء أن يفيقوا من خيال عبور الرؤى ، ويعودوا إلى رشد الواقع . فلقد أقبل المغاربة على الدستور بالنسبة المذكورة رسميا ، ولا مبرر لترجيح نسب التخمين والرجم بالغيب على النسب التي أفرزتها صناديق الاقتراع . ولقد نبهت من قبل إلى تهافت ذريعة المقاطعة التي استغلت للتغطية على حقيقة حجم أصحابها إذ لا يقاطع الرهان على الاستفتاء إلا المتوجس من انكشاف حقيقة حجمه. فالمقاطعون متربصون إن خسروا الرهان أمام التصويت بنعم قالوا إن في القضية تزوير ، وإن فاز التصويت بلا قالوا يا ليتنا صوتنا بلا فنفوز فوزا عظيما ، أو قالوا قد أخذنا أمرنا من قبل بالمقاطعة وتولوا وهم فرحون . فالمطلوب في كل منهزم أن يتحلى بما يسمى الروح الرياضية التي تجعل المنهزم يقبل بدخول الكرة شباكه دون امتعاض ودون هرولة للاحتجاج على حكم المقابلة لأن كل احتجاج على هدف أو إصابة شرعية تقرها السلطة التقديرية للتحكيم يكون جزاؤه الإنذار أو الطرد حسب قواعد اللعبة . فعلى الرافضين للنتيجة المهددين بالاحتجاج المشككين في مصداقية نتائج الاستفتاء مقابل تخميناتهم أن ينتظروا إجراءات قواعد اللعبة الصارمة ، لأن النظام إذا ما قبل التراجع عن نتائج التصويت فإن الذين صوتوا بنعم لن يتراجعوا وهم سواد الشعب والتيار الجارف الذي لا يحاول الوقوف في وجهه إلا متهور يركبه غروره . فعلى الذين يريدون التميز عن سواد الشعب أن يتيقنوا بأن المغاربة سواسية بين يدي الله عز وجل لا يفضل بعضهم بعضا إلا بالتقوى ، وسواسية أمام القانون لا يتميز بعضهم على بعض إلا بالحق ، ولم يعد في المغرب مجال لاستغلال الدين وركوبه لتقديس البشر المذنب الذي يستر عليه رب العزة فضائحه وهو ينبش للكشف عنها و هو يعرف حقيقة قدره ولكنه يطرب للإطراء الفارغ ، فلا سيد يا من غره التسويد في الكون إلا رب العزة سبحانه ، و لا سيد في البشر سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا رضوان إلا على أصحابه الكرام ، وما عدا ذلك مجرد بشر مذنب مسرف دونه قول الله تعالى : (( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم )) ورحم الله من عرف قدره وجلس دونه ، والمؤمن بالله واليوم الآخر من قال خيرا أو صمت .