يراهن المغرب كثيرا على محاربة التطرف والإرهاب من بوابة الشبكة العنكبوتية، وخاصة عبر مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، من خلال مبادرات أقدمت عليها مؤخرا مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء، تهم تفكيك الخطاب الديني، ومنه مفاهيم الجهاد والحاكمية والخلافة الإسلامية. القائمون على الرابطة المحمدية للعلماء، وعلى رأسهم أمينها العام أحمد عبادي، أبانوا عن نشاط ملحوظ في الآونة الأخيرة، إذ ركزوا جهودهم على إنشاء مواقع ومنصات إلكترونية تناهض الفكر المتطرف في العالم الافتراضي، فضلا عن نشر وترويج محاضرات وكتب تعمل على تفكيك شفرة الخطاب الديني المعاصر. ويعي علماء هذه المؤسسة أن تفكيك الخطاب الديني "مرتبط بتملك مفاتيح الحوار مع النصوص الدينية وما تشمله من علوم دين وشريعة، ومعرفة سياق تجديد هذا الخطاب وتضاريسه ومقتضياته، وكذا التغيرات التي طرأت عليه، لاسيما في البعد التواصلي، وخاصة المواقع الاجتماعية". وتقوم خطة رابطة العلماء على مواجهة التطرف الرقمي في المغرب من خلال تفكيك أربعة مفاهيم رئيسة يتم تداولها بين الشباب المتدين خاصة، ويستندون من خلالها إلى فتاوى واجتهادات فقهية تتوقف عند ظاهر النصوص الدينية، أو على آراء علماء ودعاة يلوون أعناق هذه النصوص ويحملونها ما لا تتحمله. وتتمثل هذه المفاهيم الأربعة في "مفهوم الجهاد في القرآن الكريم"، إذ تحاول المؤسسة الدينية إبراز أن "هذا الجهاد يعني أساسا المجاهدة وحمل النفس على ما تكره، وأنه يستلزم مراعاة كل الحيثيات التي تحتويه، حتى لا تسود المفهوم السقيمة والمبتسرة والجزئية"، وفق ما ورد في موقع الرابطة. والمفهوم الثاني هو "إعلان دولة الخلافة الإسلامية"، إذ تسعى المؤسسة الدينية المغربية إلى أن تفهم الشباب أن "الخلافة لن تتأتى إلا بامتلاك مقومات الحضارة والتنظيمات الحديثة علما وتكنولوجية، وعمرانا، وثقافة، وديمقراطية"؛ وأما الثالث فيتجسد في "مفهوم الحاكمية الإلهية" الشائع في أدبيات الصحوة، بينما الرابع هو "مفهوم التطرف". هذه الاجتهادات التي تنصب على العالم الافتراضي لمحاربة التطرف الرقمي، اعتبرها منتصر حمادة، مدير مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، "خطوة متأخرة جداً، مقارنة مع ما كان مأمولاً"، وزاد: "نحن في مطلع عام 2017، أي 12 سنة ونيف بعد الإعلان الرسمي عن مشروع "إعادة هيكلة الحقل الديني"". ولفت حمادة، في تصريحات لهسبريس، إلى أن "مشروع هيكلة الحقل الديني يروم تحقيق عدة أهداف، منها مواجهة الخطاب الإسلامي المتشدد، وتحديدا سحب البساط عن الخطاب المغذي للعنف أو الإرهاب في شقه الديني"، مبرزا أن "هذه خطوة تترجم مدى التأزم الذي يطال أغلب المؤسسات الدينية المغربية المعنية بمواجهة هذا الخطاب". وتابع الباحث بأن "الإمكانات التي تتوفر عليها مثل هذه المؤسسات الدينية، ومعها آفاق العمل وروح المبادرة، وأيضا الضوء الملكي الأخضر بخصوص العمل والاجتهاد، عوامل ضمن أخرى كانت تفترض أن يكون أداؤها نوعيا ومرجعيا في مشاريع دحر الخطاب الديني المتطرف، بما في ذلك المواجهة الرقمية". وخلص حمادة إلى أن أداء هذه المؤسسات "لازال متواضعاً جدا، وبعيدا عن الأداء الذي كان مرجواً منها، ما يتطلب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إعادة النظر كلياً في أداء أغلب هذه المؤسسات الدينية التي تعرضت لاختراقات زادت الوضع تعقيداً"، على حد تعبيره.