سبقت خطابَ الملك محمد السادس الذي وُصف ب"التاريخي والقوي"، اليوم الثلاثاء، في القمة الإفريقية التي تحتضنها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تصفيقات عاصفية من القادة والوفود الحاضرة عند سماع رئيس الجلسة ينادي اسم العاهل المغربي لإلقاء كلمته بمناسبة عودة المملكة إلى المنظمة الإفريقية. وجاء خطاب الجالس على عرش المملكة ممزوجا بالعاطفة والبراغماتية والواقعية، فبداية مداخلته كانت عاطفية وشاعرية بامتياز، إذ قال في ما يشبه الشعر: "إنه يوم جميل أن يعود المغرب إلى بيته، وإن الساعة دقت لهذا الرجوع"، كما خاطب الحاضرين بنبرة مؤثرة قائلا: "لقد اشتقت إليكم جميعا". ولعل أكثر ما شد انتباه مشاهدين تابعوا أطوار الخطاب الملكي ما حصل بعد أن أنهى العاهل المغربي قراءته، إذ أملت إحدى المسؤولات عن تنظيم القمة على الملك الذهاب لتحية قادة ومسؤولين أفارقة، منهم رئيسة مفوضية الاتحاد، نكوسازانا دلاميني زوما، لكنه مكث واقفا إلى أن قام هؤلاء القادة واتجهوا نحوه للسلام عليه. ويرى مراقبون أن الخطاب الملكي يمكن تقسيمه إلى ثلاثة محاور رئيسة؛ الأول كان مشحونا بعواطف العاهل المغربي التي أبان فيها عن مشاعره الشخصية لعودة بلاده إلى الاتحاد الإفريقي، والثاني كان واقعيا يتمثل في تأكيده على حضور الملك في قلب القارة رغم غيابه عن الواجهة السياسية، والثالث يهم رسائل الملك إلى من يهمهم أمر عودة المغرب إلى البيت الإفريقي. وبعد مصادقة الاتحاد الإفريقي على عودة المغرب إليه بأغلبية ساحقة من مجموع أعضائه، يستشرف محللون محطات سياسية حاسمة تنتظر المملكة في سياق تأكيد حضورها الإيجابي داخله، خاصة في خضم ما يحبكه "خصوم الوحدة الترابية" من مكائد قد تفسد هذه العودة. وفي هذا الصدد يقول إدريس لكريني، أستاذ القانون والعلاقات الدولية ومدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بجامعة مراكش، في تصريح لهسبريس، إن انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي "تم في ظروف سلسة، تعكس الخطوات المحسوبة التي اتخذها منذ إعلان هذا التوجه". واعتبر لكريني أن "هذا الانضمام يجسد تتويجا طبيعيا لمجهودات كبيرة للدبلوماسية المغربية، عمّقتها الزيارات الملكية لعدد من البلدان الإفريقية، وهي أيضا تعبير عن قناعة المجموعة الإفريقية بالقيمة المضافة التي تشكلها هذه العودة على مستوى تطوير العمل المشترك، ودعم التعاون والتنسيق الإفريقيين في إطار التعاون جنوب – جنوب، المبني على تبادل المصالح بشكل ندي ومتوازن". وذهب المحلل ذاته إلى أن هذا الانضمام "يشكل بداية لمعارك يفترض أن تنخرط فيها الدبلوماسية المغربية، تتنوع بين تجاوز الصورة القاتمة التي راكمها خصوم المغرب داخل الاتحاد في غيابه، وتوضيح مجموعة من العناصر ذات الصلة بقضية الصحراء، إضافة إلى تعزيز العلاقات المغربية الإفريقية من داخل مؤسسات الاتحاد". وتوقع المتحدث ذاته أن يسعى المغرب مستقبلا، بمعية الدول الأعضاء الصديقة، نحو استثمار المادة 32 من القانون التأسيسي للاتحاد، المتعلقة بتعديل هذا القانون بما يفيد التراجع عن الخطأ الذي تورطت فيه المنظمة بقبولها عضوية كيان لا تتوافر فيه مقومات الدولة كما هي متعارف عليها في القانون الدولي، خصوصا بعد رحيل رئيسة مفوضية الاتحاد نكوسازانا دلاميني زوما، المعروفة بمواقفها المعادية للمغرب.