سعى الملك محمد السادس الوريث غير المحب للظهور لسلطة مطلقة منذ 12 عاما الى المحافظة على استمرارية الملكية المغربية مع اتباع اسلوب مختلف عن اسلوب والده في الوقت الذي يواجه فيه سخطا متزايدا لشباب الهبت حماسه الانتفاضات العربية وكان العاهل المغربي الذي سيبلغ قريبا الثامنة والاربعين من العمر من اوائل القادة العرب الذين ادركوا خطورة تاثير هذه الثورات معلنا منذ مارس الماضي عن اصلاحات دستورية. ومع احتفاظه بسلطاته الكاملة تقريبا يعرض الملك تعزيز دور رئيس الوزراء في خطوة صغيرة نحو اعادة توازن للقوى وان كانت خطوة عملاقة بالنسبة لملكية غير معتادة على استشارة تابعيها. عندما تولى محمد السادس السلطة في يوليو 1999 حبست البلاد انفاسها وتساءل عدد كبير من المراقبين عما اذا كان باستطاعة هذا الرجل المتحفظ الحفاظ على وحدة المملكة التي كانت حتى ذلك الحين تحكم بقضبة من حديد في مواجهة خطر التطرف الاسلامي وتذمر اجتماعي كامن. لكنه سرعان ما طمأن الدوائر الاقتصادية والدبلوماسية مؤكدا ثبات التحالفات الاستراتيجية التي لن يطرأ عليها اي تغيير مع التاكيد في الوقت نفسه على ضرورة تطوير العلاقة بين السلطة والديموقراطية. وكانت اولى قرارات القطيعة مع سياسة والده صادمة للمغربيين: فخلال الفترة بين غشت ونونبر اقال محمد السادس وزير خارجية والده القوي النفوذ ادريس البصري الذي يرمز وحده الى سنوات الجمر (1975 - 1991) كما قام بزيارة الى اقليم الريف البربري الثائر وفتح الطريق لتعويض السجناء السياسيين. كان محمد السادس عندها في الخامسة والثلاثين وعامة الشعب لا تعرف الكثير عن هذا الوريث العازب انذاك. وهو من عشاق ركوب الدراجات المائية (جت سكي) وايضا قيادة سياراته السريعة وحده وهي الهواية التي كلفته غاليا عام 1985 عندما سقطت سيارته المرسيدس في منحدر. اعتبر الشاب سيدي محمد الذي نشأ وتعلم داخل القصر "مسحوقا" من والده الذي كان يخاطبه بلقب "جلالتك" منذ شبابه الباكر والذي قرر له ان يدرس القانون. ومع اتباعه الصارم لنصائح والده الحسن الثاني بدا الملك يسند اليه اكثر فاكثر تمثيله فى الخارج حيث اقام علاقات شخصية مع العديد من القادة. وعندما حانت الساعة سعى سليل الاسرة العلوية التي تحكم المغرب منذ القرن السابع عشر، الى تكريس صورة الملك العصري العازم على تقليص الظلم الاجتماعي في بلد تتباعد فيه المسافة بين الطبقات. وفي 21 مارس 2002 جسد هذه الصورة بزواجه من فتاة من الطبقة الوسطى، سلمى البناني، كما قطع مع التكتم الذي كان يطبع الحياة الخاصة للقصر الملكي لتظهر للا سلمى مثلا وهي تشارك في فعاليات اجتماعية وهو دور جديد لزوجة الملك. وللعاهل المغربي ابنان هما ولي العهد مولاي الحسن الذي ولد في 28 ماي 2003 والاميرة للا خديجة التي ولدت في 28 فبراير 2007. ومن اهم الاصلاحات التي اجراها واكثرها جدلا "مدونة الاسرة" التي اقرها 2004 ومنحت النساء حقوقا قريبة من حقوق الرجال، وجعلت تعدد الزوجات اشد صعوبة، وارست اجراءات قضائية تمنع نظريا الطلاق. الا انها اصطدمت انذاك بمعارضة الاسلاميين المتشددين. واسوة بوالده ضاعف الملك زيارته داخل المملكة وتلاحم مع المواطنين سواء وهو يرتدي حلة ورابطة عنق او البرنس الابيض التقليدي. وان كان محمد السادس نجح في طمانة الشركاء الغربيين الا انه اصطدم بمعارضة المتشددين الذين نددوا ببطء التقدم الاجتماعي الموعود. وهكذا سرعان ما وضعت الحدود لهذا الانفتاح: ففي مجال حرية التعبير وبعد ليونة سنوات الحكم الاولى، خضعت الصحافة المستقلة لرقابة مشددة واصبحت تتعرض لضغوط قضائية واقتصادية. كما استخدمت مكافحة الارهاب وخاصة بعد اعتداءات الدارالبيضاء عام 2003 للجم مسيرة التحرر السياسي. وقد ظلت بعض المواضيع من المحرمات مثل الملكية والاسلام والوحدة الترابية اي الصحراء الغربية التي ضمها المغرب في 1975. ومع انطلاق حركات الاحتجاج العربية بدات الاتهامات توجه صراحة الى بطانة الملك بالاستيلاء على ثروات البلاد. ودون المساس بذات الملك صاحب اكبر ثروة في المملكة مع 2,5 مليار دولار حسب مجلة فوربس بدا الاف المغاربة ينظمون بدعوة من حركة 20 فبراير مسيرات سلمية للمطالبة بالمزيد من الديموقراطية والقضاء على الفساد. وهي الرسالة التي وصلت جيدا، وفقا لمقربين من القصر، حيث ازداد المستشارون النافذون تواريا. ويعزز المشروع الجديد للدستور المغربي الذي يطرح الجمعة في استفتاء صلاحيات رئيس الحكومة والبرلمان مع بقاء الملك في مركز النظام السياسي. سلطات الملك - يعين الملك رئيس الوزراء من الحزب السياسي الذي يتصدر الانتخابات التشريعية وحسب نتائجها. وينص الدستور الحالي على ان الملك يعين الوزير الاول دون اي ايضاح اخر. - يتم انشاء "مجلس اعلى للامن" كهيئة تشاور بشان "تدبير القضايا الأمنية الاستراتيجية، الداخلية والخارجية، الهيكلية والطارئة". ويضم هذا المجلس في عضويته "رؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والوزراء والمسؤولين، والشخصيات المعنية". - تصدر الاحكام باسم الملك وهو الذي يعين القضاة ويمارس سلطاته في منح العفو وهو اجراء لم يطرا عليه اي تغيير. - يبقي الملك "امير المؤمنين" والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية ما يجعل منه السلطة الدينية المهيمنة في المملكة. - يراس الملك المجلس الاعلى للسلطة القضائية الذي يفترض به ضمان استقلالية القضاء. - "شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام" فقط وليس القدسية التي ينص عليها الدستور الحالي. سلطات رئيس الحكومة - في مشروع الدستور الجديد يتولى رئيس الوزراء رئاسة مجلس الحكومة الذي يناقش السياسة العامة قبل عرضها على مجلس الوزراء برئاسة الملك. - يملك رئيس الوزراء الذي سيصبح "رئيس الحكومة" سلطة حل مجلس النواب والتي كانت حتى الان من اختصاص الملك وحده. سلطات البرلمان - يوسع مشروع الدستور الجديد مجالات اختصاص البرلمان التي ترتفع من تسعة حاليا الى اكثر من 30 اختصاصا. الحقوق الفردية - إلى جانب العربية، يلحظ الدستور الجديد "دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة" تجاوبا لمطالب المجتمع المدني. - واخيرا وللمرة الاولى ينص مشروع الدستور على ان "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية".