انتعش النقاش من جديد حول الفصل 49/3 من الدستور الفرنسي، للجمهورية الخامسة 1958، بعد عودة هذا النقاش بقوة، داخل المشهد السياسي الفرنسي، وأرخى بظلاله على النقاشات الدائرة بين مرشحي اليسار، في الانتخابات التمهيدية، استعدادا للانتخابات الرئاسية: كتعبير عن الديمقراطية الداخلية لأحزاب اليسار المشاركة في هذه الانتخابات، تحت اسم " التحالف الشعبي الجميل"، المكون من ( الحزب الاشتراكي، وحزب الديمقراطيين والبيئيين، وحزب جيل البيئة، وحزب الجبهة الديمقراطية، وحزب البيئة، والحزب الراديكالي اليساري). تجدد النقاش داخل "التحالف الشعبي الجميل"، حول التعديل الدستوري، المتعلق بإلغاء الفصل 49/3 من الدستور الفرنسي 1958، حيث أخذ هذا النقاش حيزا مهما داخل المشهد السياسي الفرنسي، بين الداعي لإلغاء الفصل 49/3، والداعي للحفاظ عليه، فلماذا كل هذا النقاش ؟ وماذا يعني الفصل 49/3 ؟ فماذا يعني الفصل49 /3 من الدستور الفرنسي؟ الفصل 49/3 من الدستور الفرنسي 1958، يتيح للحكومة تبني مشروع قانون، دون اللجوء إلى موافقة البرلمان، والتصويت عليه، في حالة عدم التصويت على مذكرة لحجب الثقة. يسمح للحكومة هذا الفصل بتمرير مشروع قانون مرة واحدة في السنة دون أن يصوت عليه أعضاء الجمعية الوطنية. الفصل 49/3، هو تدبير استثنائي، يستخدم عادة عندما تتعثر المناقشات، ويحل محلها التشنج، وتتسع هوة الخلافات، داخل الجمعية الوطنية، فتتخوف الحكومة من عدم تمرير مشروع قانون، ليبقى أمام الحكومة اللجوء إلى استخدام الفصل 49/3، كملاذ وحيد، وكتدبير استثنائي، إذ يعتبره البعض ب "الاعتراف بالضعف" أمام البرلمان، وفي نفس الوقت هو أداة لتثبيت سيادة السلطة التنفيذية، في حين يعتبره البعض الآخر كإجراء تسلطي، يسيء للديمقراطية، إذ يسمح للحكومة بفرض مشروع القانون بالقوة. وقد اعتبر الرئيس الحالي الفرنسي "فرانسوا هولاند"، لما كان الكاتب الأول للحزب الاشتراكي في 2006، بأن الفصل 49/3، هو تجلي للوحشية، وإنكار للديمقراطية. محطات مهمة للفصل 49/3 من الدستور الفرنسي تم اللجوء إلى الفصل 49/3، في محطات متنوعة، ومناسبات متعددة، و مع حكومات فرنسية مختلفة، حيث استعمل 88 مرة، منذ 1958. أكثر الحكومات التي لجأت إلى استعمال الفصل 49/3، خلال الجمهورية الخامسة، أي منذ سنة 1958، هي الحكومات المنبثقة عن اليسار، والذي يطالب في نفس الوقت بإلغاء الفصل 49/3، وهذه من بين متناقضات اليسار الفرنسي، إذ لجأت الحكومات التي دبرها اليسار الفرنسي، إلى استعمال الفصل 49/3، في 56 مناسبة، مقابل 32 مناسبة بالنسبة لليمين الفرنسي، فكان الاشتراكي "ميشال روكار"، الأكثر استعمالا لهذا الفصل، حيث لجأ إليه في 24 مناسبة، طيلة ثلاث سنوات، كوزير أول رفقة الرئيس الاشتراكي "فرانسوا ميتران" (من سنة 1988 إلى غاية 1991). "مانويل فالس" بين الاستعمال والالغاء للفصل 49/3 أعلن المتصدر لعمليات سبر الآراء للانتخابات التمهيدية "للتحالف الشعبي الجميل"، المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، "مانويل فالس"، أنه في حالة نجاحه في الانتخابات الرئاسية، سيتقدم بتعديل دستوري، يلغي من خلاله الفصل 49/3، وقد اعتبر "مانويل فالس" عندما كان وزير أول، أن اللجوء لاستعمال الفصل 49/3، هو تثبيت للسلطة، التي تفرض تحمل المسؤوليات عندما تتطلب المصلحة العليا للوطن ذلك. فقد لجأ "مانويل فالس"، وهو يشغل منصب وزير أول، إلى جانب الرئيس الاشتراكي "فرانسوا هولاند"، إلى استخدام الفصل 49/3، في ست مناسبات، تفاديا لرد فعل رفاقه، في الحزب الاشتراكي واليسار المعارضين لسياسته داخل الجمعية الوطنية، لذا كان يلوذ إلى استعمال الفصل 49/3، تفاديا للاصطدامات مع "المعارضة الداخلية" المكونة من يسار اليسار داخل الجمعية الوطنية، وهم من نفس الحزب الذي ينتمي إليه الوزير الأول السابق "مانويل فالس"، أي الحزب الاشتراكي الفرنسي. لجأ مانويل فالس، كوزير أول، إلى تفعيل الفصل 49/3، في ست مناسبات: في ثلاث مناسبات، من أجل تمرير قانون الشغل، الذي تقدمت به وزيرة الشغل "مريم الخمري"، والمعروف ( بقانون الخمري)، والذي أثار حفيظة الطبقة العملة والطلبة، حيث ندد المعارضون بهذا القانون، واصفين إياه بقانون "أرباب العمل"،فأثار جدلا واسعا، وتسبب في احتجاجات شعبية، خرجت إلى الشارع الفرنسي، حيث أحدث رجة حتى داخل الأغلبية الحكومية في الجمعية الوطنية، و داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي. وفي ثلاث مناسبات أخرى، من أجل تمرير "قانون ماكرون "، الذي تقدم به وزير الاقتصاد "إيمانويل ماكرون" ، بشأن "النمو والنشاط الاقتصادي وتكافؤ الفرص"، وقد اضطر "مانويل فالس" الوزير الأول آنذاك، إلى استخدام الفصل 49-3 من الدستور لتأمين تبنيه، وذلك بتمرير "قانون ماكرون بالقوة”. وتضمن (قانون ماكرون) جملة من القرارات الاقتصادية الجديدة التي اقترحها وزير الاقتصاد "إيمانويل ماكرون"، برفع القيود عن الاقتصاد والتخفيف من وطأة القوانين التي تنظم العمل وشروطه، الأمر الذي جعل الحكومة في مواجهة معارضة شديدة، والمتمثلة في اليمين وبالأخص من طرف "حزب الجمهوريين" برئاسة "نيكولا ساركوزي"، وحتى من طرف رفاقه داخل الحزب الاشتراكي، وخصوصا الذين شكلوا جبهة داخلية، والتي رأت في تمرير القانون عدم احترام للديمقراطية من طرف الحكومة "مانويل فالس". بونوا هامون "الفصل 49/3 المواطن" – "L'article 49/3 citoyen" يتميز "بونوا هامون"، الوزير السابق للاقتصاد التضامني، في حكومة الوزير الأول "جون مارك أيرو"، ووزير التعليم في حكومة "مانويل فالس"، قبل أن يقدم استقالته احتجاجا عن انحراف سياسة "فرانسوا هولاند" و"مانويل فالس" على القيم والمبادئ الاشتراكية، ونهج سياسة نيو ليبرالية، وهو من بين المرشحين للانتخابات التمهيدية، للانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في شهر ماي 2017، إذ يوجد في وضع متقدم حسب عملية سبر الآراء، قلت تميز عن باقي المرشحين بأنه جعل من إلغاء الفصل 49/3، من أولويات برنامجه الانتخابي، ولم يكتفي في حالة نجاحه إلى إلغائه، بل قدم البديل عنه، وهو ما سماه "بالفصل 49/3 المواطن" – "L'article 49/3 citoyen"، والذي يخول للمواطنين الفرنسيين، بتقديم عريضة لمنع صدور قانون تم التصويت عليه في البرلمان، أو توقيفه لمدة سنة، حتي يعرض على الاستفتاء الشعبي، وذلك بتقديم عارضة موقعة من طرف 450000 ناخب، أي بنسبة 1% من الناخبين. وقد أكد "بونوا هامون"، على أنه كان دائما ضد الفصل 49/3، بل ناضل وقاوم من أجل إلغائه. "أرنو مونتبورغ" الجمهورية السادسة بدون الفصل 49/3 أكد "أرنو مونتبورغ" ، وزير الاقتصاد الفرنسي السابق في حكومة "جون مارك إيرو"، على أنه لاوجود للفصل 49/3 في الجمهورية السادسة، لذا أكد على أنه وفي حالة نجاحه سوف يقوم بإلغاء الفصل 49/3 لآنه إنكار للديمقراطية، وأكد على أنه لا وجود للفصل 49/3 في الديمقراطيات الأوروبية الأخرى، وأكد على أن الدول الأوروبية المجاورة لفرنسا، والتي تحترم الديمقراطية، تعمل على التركيز على الذكاء الجماعي وتحرص على الحوار وتجعل من التسوية داخل البرلمان قبل أي إصلاح. هذا وأكد جميع المرشحين والفرقاء باختلاف تلويناتهم، على إلزامية الحفاظ على الفصل 94/3، في الجانب المتعلق بمشروع قانون المالية، ومشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي، أما الباقي كله ملزم بإخضاعه للنقاش والتصويت داخل الجمعية الوطنية، من دون استثناء. وهذا الاستثناء راجع لأسباب عملية وبراغماتية وواقعية، حتي يتم تجنيب ما يقع في الولاياتالمتحدةالأمريكية، عندما يحتد الخلاف، وتتسع هوته، ويغيب التراضي والتوافق، ليحل محلهما التشنج، بين الكونغرس والرئيس، فأول ما يقع تتوقف دفع رواتب الموظفين، فيؤثر ذلك على الحياة العامة، فيحدث ما يعرف "بالانسداد". والهدف المرجو من استثناء مشروع قانون المالية، ومشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي، هو الحفاظ على استمرارية سير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها، في اطار الالتزام بالمسؤولية. أما عن الفائز في الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط، المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، والتي ستجرى في شهر ماي 2017،"فرانسوا فيون" الوزير الأول السابق في عهد الرئيس "نيكولا ساركوزي"، فقد حسم في الأمر بأنه سوف لا يلجأ لأي تعديل دستوري، وأنه سوف يحافظ على الفصل 49/3 كما هو، ولن يلجأ إلى إلغائه، مع العلم أن "فرانسوا فيون" لم يلجأ نهائيا إلى استخدام الفصل المذكور طيلة المدة التي قضاها كوزير أول ما بين 2008 و 2012، رفقة الرئيس "نيكولا ساركوزي". *باحث في سلك الدكتوراه مخبر القانون العام والعلوم السياسية