- نعم.. في شهر واحد! نستطيع القضاء على 90 بالمائة من أبرز أنواع الفساد التي تعرقل أداءاتنا الإدارية.. نستطيع تطهير الإدارات تطهيرا شبه كامل.. وتبقى استثناءات.. وهذه تتم مكافحتها شيئا فشيئا، لأن الحرب ضد الفساد الإداري يجب أن تبقى ورشة مفتوحة، بلا نهاية.. هكذا تشتغل الدول الحقوقية.. ومع الأيام، تنجح الإرادات الحية ببلدنا في اجتثاث الفساد، وحقن إداراتنا بالمصداقية المطلوبة، وطنيا ودوليا.. فلا يمكن أن نتطور بإدارات فاسدة، أو عرجاء.. - وعندنا مرجعية سياسية كبرى، وتتمثل في قولة ملكية صارمة: الحاجة إلى "ثورة إدارية"! هذه المرجعية الحاسمة تنضاف إلى ترسانة قانونية جاهزة، للانطلاق في إعداد استراتيجية وطنية هادفة للقضاء على الفساد الإداري.. وهذه قائمة بالإدارات الأبرز على الصعيد الوطني، وكلها تابعة للحكومة، وهي: المحافظة العقارية، إدارة الضرائب، العدل، الداخلية... وهذا يعني أن على الدولة أن تحارب الفساد المستشري في إدارات تابعة للدولة، لتكون الدولة نفسها في مواجهة "فساد الدولة".. ويعني أيضا أن جهات ما، في بعض مؤسسات الدولة، تعرقل انطلاق "ثورة إدارية" في البلد.. ومهما يكن، فمن هنا نبدأ.. من هذا الوجع، نبدأ.. من هذه الرؤية المحفزة، نبدأ.. وستلوح في الأفق إدارات أخرى، تابعة للدولة، لا تخلو هي الأخرى من فساد.. ثم مؤسسات، تابعة للقطاع الخاص، بها يعشش نفس الفساد، وفيه التهرب الضريبي، والرشوة وغيرها... ومحاربة الرشوة ليست مستحيلة.. فعندنا أصلا قوانين جاهزة، ومؤسسات الحكامة، وهي جاهزة، ويجب تحديثها لكي تكون لها صفة الإلزامية، وعندنا أيضا "أقسام إدارية" تتلقى الشكايات، في العمالة وولاية الأمن والعدالة والمحافظة العقارية والضرائب والاستثمارات وغيرها... هي أقسام جاهزة.. تصلها شكايات المواطنين، لكن كثيرا من هذه الشكايات تبقى حبيسة "أشخاص ما" في نفس الإدارات.. إن "جهات" نافذة تعرقل التحقيقات في شكايات المواطنين، وقد تمر سنوات دون حل.. والمشكل الرئيسي موجود في "التسلسل الإداري" الذي لا يسمح لكل موظف مختص في "قسم الشكايات" بممارسة مسؤوليته في حسم هذه الشكايات، وفي اتخاذ قرار العقاب في حق كل من عرقل شكاية ما، وحتى معاقبة صاحب الشكاية نفسه إذا كانت شكايته كاذبة.. وهنا تجدر الإشارة إلى وجود أهم عنصر في مكافحة الفساد الإداري، وهو المواطن.. إنه موجود في الميدان، ويعرف أكثر من غيره مواقع الفساد الإداري، ﻷن الفاسدين هم يساومونه، هو بالذات، عن الرشوة وما فيها، وما بعدها.. يمكن الاعتماد على "ضحايا الفساد" في محاربة الفساد، أينما كان، حتى في أقسام مختصة.. وهذه الأقسام المسؤولة عن تلقي شكايات المواطنين ضد الفساد الإداري، أقسام موجودة فعلا في مؤسساتنا، وبها موظفون، ولها إمكانيات.. أقسام جاهزة لمحاربة الفساد الإداري، ولكنها مشلولة.. "ممنوعة" من الاشتغال في محاربة "فاسدين محميين".. أجل، الفاسدون الإداريون يحمون بعضهم.. يشكلون لوبيات.. شبكة مع بعضهم.. والأقسام المختصة، حتى بنزاهة رأسمالها البشري، أقصى ما هو "مسموح" لها هو أن تخبر مسؤولها الأكبر في الإدارة، بوجود شبهة فساد، وهذا قد يؤشر لإعطاء الضوء الأخضر للتحقيق، وقد يهمل الملف، ولا أحد يحاسبه.. والمفروض أن تكون برفقة هذا القسم لجنة مختصة فيها قاض وخلية أمنية جاهزة للتدخل، وحتى لتنفيذ الاعتقال.. وعندما تبدأ الاعتقالات، يتقلص الفساد فورا بنسبة لا تقل عن 50 بالمائة بكل الإدارات.. الخبر سينتشر بشرعة البرق.. - والبقية سوف تأتي.. ولكن "قسم الشكايات" ما زال جدرانا بلا روح، ولا عمل.. وإذا كان له عمل، فهو شكلي، لا أكثر ولا أقل.. ويمضي وقته في النميمة والتنكيت والكلام الفارغ.. هو لا شغل له، حتى لو كان فيه موظفون أكفاء ونزهاء.. إن "جهات ما" لا تريد أن يقوموا بواجبهم الحقيقي والمسؤول.. وأكبر عرقلة في طريقهم هو "التسلسل الإداري".. هذا يشكل عرقلة كبرى في طريق "الثورة الإدارية" المطلوبة.. و"الثورة" ضد الفساد ممكنة جدا، إذا زال "التسلس الإداري" الذي يشكل مخابىء لعناصر فاسدة.. وبعد زوال "التسلسل الإداري"، وما له من سلطات تضر أكبر مما تنفع، سيتمكن كل موظف في "قسم الشكايات" من القيام بمسؤوليته كاملة غير منقوصة.. ويمكنه فقط إخبار "الرئيس الأكبر"، بمراسلة روتينية، وهذا إجراء إداري فقط، لا يسمح بتاتا للرئيس أن يعرقل واجبات المرؤوس.. وإذا تقاعس المرؤوس في واجباته، عندنا "مؤسسة الوسيط"، وهذه أيضا موجودة في كل جهات البلاد، وتتلقى شكايات، ولكنها مقصوصة الأجنحة.. وليست لها سلطة إلزامية.. المطلوب تمكين هذه المؤسسة الكبيرة من دورها التحكيمي، لكي تتخذ قرارات الزجر في حق أي مسؤول، ولو كان ما كان، لا أن تقتصر على مراسلات إخبارية.. - إذن، عندنا مؤسسات مختصة في محاربة الفساد الإداري.. وعندنا أقسام.. هي أيضا مختصة.. وعندنا ميدانيون مشتكون، وهم المواطنون.. وعندنا موظفون، منهم جادون نزهاء، لا علاقة لهم بأي فساد.. ويستحقون كل تقدير واعتزاز.. ولكن هؤلاء على العموم مهمشون.. قلما يتم إبرازهم في الواجهة، لأن "أطرافا" انتهازية تحارب كل الضمائر الحية.. وهذه "الأطراف" الانتهازية هي شبكة موظفين، ذكورا وإناثا، كبارا وصغارا، يتلقون رواتبهم، ويترقون بشكل صاروخي مقارنة مع زملائهم.. وهم يتحركون في الخفاء ضد النزاهة الإدارية.. وهم السبب الرئيسي في انتشار "موظفين أشباح" ومشاكل أخرى.. ورغم كل شيء، تبقى الحرب الوطنية ضد الفساد الإداري ممكنة جدا، وسالكة جدا.. وناجحة جدا.. وذات مردودية كبرى للوطن والمواطنين.. - نعم.. علينا بثورة إدارية! [email protected]