يظهر عزيز أخنوش في فيديو قصير تداولته العديد من المواقع والصفحات في لحظتين متقاربتين يعلق فيهما على بيان انتهاء التفاوض معه ومن يقف معه في تحالفه "بعد-انتخابي،" بشكل فيه نوع من السرور والانتشاء ممزوج بابتسامة ظاهرة، بتعبير يدمج فيه المعجم الكروي القريب من الشباب وسهل الفهم والإدراك بقوله: "عطانا كارت غوج"؛ أي إن بنكيران أعطانا البطاقة الحمراء. ومعلوم أن الحَكم هو الذي يوزع البطاقات الحمراء في كرة القدم، وأن هذا الأخير لا يكون جزءا من اللعب، بل -فقط-ساهرا على تطبيق القانون بين فريقين متنافسين‼، كما أن الحصول على البطاقة الحمراء يمنع صاحبه من أية فرصة للعودة إلى المباراة، وقد يترتب عنه منع مؤقت من المشاركات المستقبلية. فهل كان بنكيران حكما مراقبا طيلة فترة التفاوض عوضا عن لاعب فعلي يمارس قواعد الأداء كما تمارسها باقي الفرق المشاركة في دوري تشكيل الحكومة، على حد تعبير أخنوش؟ لا أعلم كيف فكر عزيز أخنوش في الاستعارة من معجم كرة القدم، مباشرة بعد تلك التي امتحاها عبد الإله بنكيران من قاموس سوق المواشي "بائع الجمل والشناق"، وهل كانا يقصدان ذلك حقيقة أم إن الأمر لا يعدو أن يكون من وحي اللحظة دون حمولات دلالية مضمرة، إلا أن اليقين هو أن توقيف المفاوضات، كغيرها من القرارات، لا بد أن نخرج منه برضا متبادل أو برضا طرف على الأقل ونقيضه عند الآخر، فمن أسعده قرار بنكيران ومن أساء إليه؟ عندما انتهت آخر مقابلة بين بنكيران من جهة، وأخنوش والعنصر، من جهة أخرى، التي صرح بعدها الأول بأنهم اتفقوا على مهلة يومين ليرد الثاني على العرض (لا نعلم إلى حدود الساعة ماهي جزئيات هذا العرض)، فهمت، كما فهم العديدون، أن النقاش بين الرجال الثلاثة كان فاشلا ولم يؤت أي ثمار، وما التصريح أمام الإعلام بمهلة اليومين إلا تكتيكا تواصليا للضغط على الطرف الآخر وتشييع النقاش تمهيدا لقطع العملية برمتها بعد اليومين المنظورين. ولهذا استبق أخنوش ومن معه رد الرئيس المعين ببيان إعلان التشبث بالرباعي المعروف، تلاه بيان "انتهى الكلام"، والبيانان كانا موجهين للرأي العام (مع خصوصية بيان انتهى الكلام سنشير إليها لاحقا) أكثر من الأحزاب الأخرى من أجل إسقاط كل اتهام بإفشال تشكيل الحكومة، وإظهار أن الأمر لا يعدو أن يكون اختلافا في شروط المشاركة... الوقائع والأحداث المتسلسلة تشي بشيء من التنظيم حتى إنه لنخال أنفسنا أمام سيناريو "فخ" محبوك بشكل جيد جدا. فمنذ السابع من أكتوبر وما بعدها وظهور عزيز أخنوش على المسرح السياسي، توالت الأحداث بكثير من الضبط والتأني؛ أولها اختفاء العماري وخفوت صوت الأصالة والمعاصرة المثير، وازاه انتظار غير مفهوم لرئيس الحكومة المعين لمؤتمر التجمع الوطني للأحرار، بعده انتظار آخر لانتهاء الزيارة الملكية لدول إفريقية...، ثم توالى تضييع الوقت إلى أن تمت تهيئة الساحة واستكمال التفاوض السري وتجميع الأحزاب وسحب بساطها أمام الرئيس المعين الذي بقي منتشيا لفترة طويله بتعينه ذلك، متراخيا في التقرير السريع وتقديم التنازلات بشكل طوعي مستور قبل أن تصير إكراها وفضائح من وجهة نظر الإعلام المتربص... الآن سنتساءل عن بيان انتهى الكلام، أكيد أن بنكيران بدهائه المعروف أراد به شيئا آخر غير الرد على أخنوش، هنا سنتساءل: ألا تتوفر الدولة على مراكز نفوذ وقوة حتى يسيء هذا البلوكاج الحكومي إلى مصالحها؟ والتي بإمكانها تحريك خيوطها السميكة للمساعدة على إيجاد الحل؟ بالتأكيد نعم. لقد كان الرئيس المعين يعلم أن المغرب مقبل على رهانات عديدة؛ أهمها الاتحاد الافريقي، وبالتالي فهو محتاج إلى حكومة وبرلمان (رسالة جلالة الملك إلى بنكيران مباشرة بعد جولته الإفريقية تطلب منه استعجال تشكيل الحكومة)، وهو يعرف أن العديد من العمليات المهمة متوقفة، كما أنه يدرك جيدا قيمة التعيين الملكي الدستوري الذي يتوفر عليه. إن وضعه أشبه بسائق سيارة أضاع المفتاح، وهو الوضع الذي لا يملك إزاءه المسافرون إلا المساعدة في البحث عن المفتاح لتستمر الرحلة‼ إن بيان انتهى الكلام آلية تهدف كذلك إلى تصدير الضغط وتحريك مراكز الاهتمام في الدولة المغربية لتتدخل. فهل نجحت خطة السيد الرئيس؟ سأعود هنا إلى ابتسامة أخنوش وهو يتلفظ بجملته المشهورة" كارت غوج"، وإلى انعقاد المجلس الوزاري واستكمال جدول أعماله دون الحديث مطلقا عن الحكومة، كما دعوة جلالة الملك إلى انعقاد جلسة برلمانية للمصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الافريقي مع ضرورة تسريع المسطرة..، ثم التسريب الإعلامي لمبادرة تشكيل مجلس النواب خارجا عن الحزب الأغلبي...، ولكم أن تتخيلوا سطور رسالة تشي بإمكانية العمل دونما حكومة‼ هو إذن تلاعب سري بالضغوط. فبعد بيان تصديره للدولة والأطراف السياسية الأخرى عبر انتهى الكلام، ها هي الدولة تعيده إلى بنكيران عبر قرارات تتخذ، وبرلمان يُشكل، مما قد يُفوت عليه أهم بطاقة "جوكير" يمكن أن يلعبها رئيس حكومة في مسعى تشكيل الحكومة وهي رئاسة مجلس النواب. فكيف سيخرج السيد رئيس الحكومة المعين من هذا الفخ الجديد؟