توجد بالمغرب وزارات ذات أهمية أمنية أو دبلوماسية يطلق عليها بوزارات السيادة، وقد يتفق بعض الناس مع وجود مثل هذه الوزارات وقد يرفضه آخرون؛ لكن وبناء على النضج السياسي من انعدامه لدى الأحزاب السياسية المغربية، فإني أرى وجود هذه الفئة من الوزارات لا بد منه في انتظار نضج سياسي متقدم. وإلى جانب وزارات السيادة، هناك أيضا وزارة أخرى لا تحظى بالأهمية التي تستحق داخل الحكومة؛ وذلك بالرغم من كونها هي محور الأداء الحكومي. هذه الوزارة هي وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة التي تناوب عليها ضمن الحكومة الماضية وزيران لا تمتهما بالإصلاح أو بشؤون الإدارة مثقال ذرة. ولعل الخطاب الملكي عند افتتاح الدورة البرلمانية الحالية، والذي تطرق فيه لحال الإدارة العمومية المغربية، قد يدفع رئيس الحكومة المعين إلى منح هذه الوزارة الأهمية التي تليق بها. إن الإصلاح الإداري يجب أن يكون منبثقا من رؤية شمولية ودراسة معمقة لأسباب الفشل الإداري المغربي. وفي هذا السياق، يجب على القائمين على هذه الوزارة أن يضعوا خارطة طريق لإصلاح الإدارة على مدى أربعة أعوام على الأقل. ويجب أن تشمل هذه الخريطة خطط عمل تعتمد على القوائم التالية: *تحسين وضع الموظفين؛ *التطوير المستمر لكفاءات الموظفين بما في ذلك الكفاءات التقنية والكفاءات السلوكية؛ *إعادة هيكلة طرق العمل الإداري والاعتماد على التكنولوجيا الرقمية. وإن تطوير الإدارة المغربية وتحديثها لا يمكن أن يتم في ثانية وفي مرة واحدة؛ بل يجب برمجته على مراحل، وأن يشرك الموظفون في تصميم الإصلاح وتطبيقه، وأن تتاح لهم الفرصة لكي يبدوا بآرائهم حتى يتبنون الإصلاح بإيجابية وقبول. إن الدول التي نجحت في تحديث إدارتها العمومية، مثل كندا وأستراليا، بنت أسس إدارتها على القواعد التي ذكرتها آنفا. لما سئل كاتب المجلس الخاص للملكة، وهو أسمى موظف في الإدارة العمومية الكندية، عن أهمية الإدارة العمومية أعطى ثلاثة أسباب لأهميتها: أولا- الأهمية القصوى التي تكتسيها السياسات العامة في ازدهار الدولة، في ظل العولمة؛ وثانيا- الدور المهم الذي تقوم به الإدارة العمومية على مستوى تحسين أداء الدولة؛ وثالثا وأخيرا- أهمية تحديث الوظيفة العمومية لضمان وظيفة عمومية ذات قيادة ومردودية عاليتين. هذه الأسباب والمؤشرات تضع وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة على رأس الوزارات من حيث الأهمية في الوقت الحاضر؛ فهي وزارة أفقية معنية بوضع برنامج وسياسات تنتقل بالموظف المغربي من بيئة العمل الحالي إلى بيئة يسود فيها حسن التسيير والتدريب المستمر والمساءلة من أجل تحسين خدمة المواطن المغربي. السؤال الذي يلح الآن هو: متى ستعطى هذه الوزارة القيمة والوسائل اللازمة لكي تقوم بمهامها على أحسن وجه؟ وما هي كفاءة الشخص الذي ستسند إليه هذه الوزارة؟ بدلا من إثارة مثل هذه التساؤلات، نرى مع الأسف الشديد الأحزاب تتناحر فيما بينها؛ إما لتفرض وجودها داخل الحكومة المتعثر تشكيلها أو من أجل إقصاء الطرف الآخر منها عوض الحديث عن الكفاءات التي تليق بهذه الوزارة أو بتلك الأخرى. يجب إسناد مهمة قيادة وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة إلى وزير أو وزيرة مستقل وبعيد عن الصراعات الحزبية وذي كفاءات وخبرة في مجال الإصلاح الإداري، لتصبح الإدارة المغربية أحد العوامل الأساسية للتقدم وليس عقبة في وجه المواطنين. *المدير العام ورئيس قسم المعلومات بوزارة الصيد البحري والمحيطات الكندية والمدير العام سابق بالوكالة المكلفة بالإدارة العمومية الكندية