أوردت وسائل إعلام متعددة أن رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران أدلى بتصريح انتقد من خلاله موقف روسيا من أحداث المشهد السوري، واعتبر أن تأييد فلاديمير بوتين لنظام بشار الأسد أدى إلى تدمير سوريا. وقد استتبعت تصريحات ابن كيران ردود أفعال متباينة، فالسفير الروسي أعرب عن احتجاجه رسميا لدى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، بينما أعرب الإعلاميون والسياسيون المناوئون لبشار الأسد عن إشادتهم وترحيبهم الصاخبين بتصريحات عبد الإله ابن كيران. قبل التفصيل في أبعاد تصريحات ابن كيران، يجدر بنا أن نلاحظ أنه من الباعث على القلق أن تصدر عن السلطات الدستورية لدولة ما تصريحات متضاربة حيال وقائع عالمية مؤثرة؛ ذلك أن ظهور التضارب والتناقض على مستوى تصريحات المسؤولين عن صناعة الخطاب الدبلوماسي الرسمي يكشف عن وجود خلافات تتجاوز سقف "اللحظة" أو "الآن السياسي". لقد انطوت تصريحات ابن كيران على تضاد واضح مع توجهات الملك المتسمة بالانفتاح على القوى الاقتصادية الصاعدة، وفي صدارتها كل من الصينوروسيا، دون إغفال العلاقات القائمة مع المحور الأورو – أمريكي. ويمكن أن يستشف من هذا التضاد أن الدبلوماسية الرسمية المغربية غير منسجمة، إذ تشهد خلافا جليا في الرؤى حول العلاقات الدولية بين رئيس الدولة وبين رئيس الحكومة. لقد اتضح حرص الملك على نسج علاقات جيدة مع المحور الصيني – الروسي في الزيارات التي قام بها مؤخرا إلى هذين البلدين. واتضح، أيضا، من الاهتمام الذي يوليه الملك لكل من الصينوروسيا أنه يتجه نحو التخلص من إرث فترة الحرب الباردة التي اصطف أثناءها المغرب إلى جانب الغرب. ويتأسس هذا التوجه الواقعي، المنبني على الحفاظ على علاقات متوازنة ومتراصة مع المحورين الأورو – أمريكي والصيني – الروسي، في بناء سياسة خارجية مرتكزة على التعاون الاقتصادي والتجاري ومتحررة من القيود التقليدية ذات المنشأ السياسي أو الأيديولوجي أو التاريخي. لقد انطبق تصريح عبد الإله ابن كيران مع الموقف الرسمي للحكومة التركية، التي يتزعمها حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب أردوغان. وهذا التطابق يقبل تفسيرا معقولا واحدا وهو انتماء ابن كيران إلى التيار الدولي للإخوان المسلمين الذي ينتمي إليه، أيضا، رئيس تركيا أردوغان. إن موقف ابن كيران يتعارض، في السياق المغربي، مع أساسين اثنين يقوم عليهما النشاط الدبلوماسي للملك وهما: البعد الاقتصادي والتجاري (البراغماتي) من جهة، والبحث عن التوازن في صناعة الموقف الرسمي إزاء القوى العالمية المؤثرة سواء التقليدية منها أو الصاعدة، من جهة أخرى. جدير بالذكر أن إدلاء ابن كيران بتصريحات متضادة مع الموقف الملكي يتعارض مع ما درج على التعبير عنه هو نفسه، خلال مناسبات عديدة، من كون السياسة الخارجية للمغرب اختصاصا محفوظا للملك. وجدير بالذكر أيضا أن إدلاء قياديي حزب العدالة والتنمية، المتقلدين لمسؤوليات حكومية، بتصريحات متعارضة مع دبلوماسية الملك ليس بالحدث الطارئ أو المستجد ضمن المنظر السياسي المغربي؛ فقد سبق لسعد الدين العثماني، حينما كان وزيرا للشؤون الخارجية والتعاون، أن انتقد ما أسماه "انقلاب" عبد الفتاح السيسي على الرئيس "الشرعي" محمد مرسي في الوقت الذي بعث فيه الملك برسالة تهنئة إلى السيسي؛ وذلك على غرار ما قامت به باقي دول العالم التي اعترفت بالسيسي رئيسا منتخبا للجمهورية المصرية.