الصراع بين الأجيال ظاهرة صحية وطبيعية وملازمة للبشر. تتغذى المجتمعات من التفاعل والتجاذب بين مختلف الأجيال، ولكل جيل بصمته وروحه واختياراته. الاختلاف النابع من الفوارق المتعلقة بالسن وطرق التفكير والمرجعية المعرفية يجعل الأجيال تتفاعل في ما بينها، ويقدم للمجتمعات تنوعا في المنظورات ووجهات النظر. إن كل جيل يحمل معه رياح التغيير، ويرفض بحكم فتوته الأفكار القائمة وأشكال العيش والتفكير السائدة، معتقدا أن القيم الأصيلة أصابها التلف وغير قادرة على الصمود في وجه المتغيرات والتقلبات المتسارعة. إن الأجيال الجديدة بفضل المستجدات العصرية التقنية والثقافية قادرة أن تضخ الدماء في شرايين المجتمعات. غير أن المجتمع لا يمكنه أن يتغير بسرعة خاطفة وبشكل جذري، كما يتبدى للشباب، بل يحتاج إلى كثير من التوافقات القادرة على جعل التغيير لا يضرب عمق وخصوصية الثقافات. القواعد والعادات والقيم الموجودة في بلد ما لا يمكن تخطيها بسهولة؛ فالقيم هي اختيارات أمة من الأمم تبعا لتجربتها ولتاريخها وللتقاليد والاختيارات الذهنية والفكرية التي أثرت في مسيرتها خلال تاريخ مديد، وإحداث تغييرات بها يستلزم مسيرة طويلة. حقيقة أن التغير يلحق كل شيء: التقنيات والأفكار والتصورات والأشكال والمواقف. لكن القيم باعتبارها تدخل في المجال الأخلاقي. وهي مرجع للمجموعات البشرية في تدبير علاقاتها واختلافها وفقا لمنظومة محددة وضابطة، ليست أفكارا صائبة أو خاطئة، بل هي مرجع للناس يتوافقون حولها في تدبير شؤون حياتهم؛ وكل ما يحصل فيها من ترميم وتغيير رهين بالزمن في بعده الثقافي. إن الاختيارات القيمية الجديدة التي يحملها الشاب الحالم بروح التغيير تلقى مقاومة من طرف المجتمع، لأنها تهدد اختياراته وانسجامه وتوافقاته التاريخية في شتى مجالات الحياة.. داخل الأسرة، في العمل، في العلاقات العامة أيضا، وفي باقي مناحي الحياة. يتجلى صراع الأجيال بقوة داخل الأسرة، باعتبارها نواة المجتمع وبؤرة تجاذب الاختيارات، حيث تتركز القيم داخلها، كونها جذرا ومنشأ للمجتمع. تتدافع المواقف والاختيارات القيمية بين جيل مجرب يدافع عن مكتسبات تاريخية متجذرة، وجيل جديد راغب في إرساء حياة عصرية تلائم روحه وتطلعاته. إن اختيارات العصر والتطلع لبناء المجتمع يستوجبان التوافق بين الأجيال لخلق التوازنات الاجتماعية وللحفاظ على المكتسبات. على الكبار أن يثقوا في قدرات الشباب، ويمكنوهم من استيعاب التجارب الماضية وفهم خصوصية الأمة وأعطابها وحاجاتها. الأجيال السابقة تملك الخبرة الضرورية للاستمرار، والأجيال الحالية منخرطة في روح العصر وتقلباته. نحن بيدنا الحكمة والدربة، وهم يملكون الطاقة والتحدي والمعارف والتقنيات والمعلومة المعاصرة. الصراع بين الأجيال طبيعي وضروري حين يكون الهدف هو الدخول في العصر وإنجاح شروط نهضة شاملة. حين يصبح الصراع إعاقة للانخراط الإيجابي، تحت دعوى الحفاظ على المكتسبات، نصاب بالتقوقع ونعدم أي روح اندماجية متطلعة نحو البناء وفرض الوجود. كما أن ترك الحبل على الغارب للأجيال الجديدة سيؤدي بنا إلى التفكك والانهيار. * كاتب من المغرب