"مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا". صدق الله العظيم. ومنهم أيضا من خاضوا نضالات شتى إن على الواجهة الحزبية أو النقابية أو الجمعوية. تعرضوا أحيانا لشتى المضايقات ومرارا للاعتقالات وعرفوا كل أشكال التنكيل والتعذيب على مر السنين والعقود. ذنبهم الوحيد هو الدفاع عن القيم الكونية لحقوق الانسان والكفاح من أجل أن يصبح المغرب في مصاف الدول الديمقراطية. حضور سياسي ونقابي وجمعوي دائم ومتواصل في صفوف حزب التقدم والاشتراكية الوريث الشرعي لحزب التحرر والاشتراكية والحزب الشيوعي المغربي. مناضلون من الجيل الأول والثاني وحتى الثالث لم يعرفوا أبدا التهاون أو التخاذل أو المناورة أو المس بمصلحة الحزب. رغم مرور الحزب بفترات حرجة في عهده الثلاث صمدوا في وجه القمع وبقوا على العهد أوفياء ومخلصين للمبادئ والقيم التي تربىوا عليها على يد الرعيل الأول والتي ورثوها عن زعماء الحزب المؤسسين للحزب الشيوعي المغربي وكيفوها مع الواقع المغربي سواء في فجر الاستقلال أو خلال سنوات الجمر أو مع بداية المسلسل الديمقراطي إلى أن استوى الحزب على كراسي الحكومات المتتالية منذ 1998، تاريخ إبرام التوافق التاريخي بين الملك الراحل وأحزاب الكتلة الديمقراطية الثلاث. مناضلون أصبحت أسماؤهم مقرونة بتاريخ النضال الطويل والمرير من أجل القضاء على الاستبداد والاستغلال بشتى أنواعه وضمان الحق في التعليم والصحة والسكن والعدالة الاجتماعية لكل المواطنات والمواطنين بعيدا عن مقاربة المغرب النافع والمغرب غير النافع التي اعتمدها الاستعمار خلال ما يزيد عن النصف الأول من القرن العشرين وكرستها الحكومات الرجعية المتعاقبة ما بعد الاستقلال. مناضلون لم يدخروا أدنى جهد ليعيش المغاربة بغض النظر عن الفئات الاجتماعية التي ينتمون إليها، يعيشون معززة مكمن في مغرب تسود فيه جميع الحقوق المدنية منها والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. رحم الله هؤلاء المناضلين الأبرار سواء الذين توفتهم المنية أو من زالوا على قيد الحياة وإن كانوا مرضى، اللهم عجل بشفائهم و بارك لهم في عمرهم وجازيهم عنا أحسن الجزاء على ما أسدوه لبلدهم من خدمات جليلة. إنهم كانوا رحماء برفاق الدرب وأشداء على خصومهم الطبقيين. أمثال هؤلاء المناضلين الأفذاذ، أصبح بعضهم يتردد على العيادات أو المستشفيات بسبب كثرة الوعكات الصحية التي يعانون منها والبعض الآخر يتساقطون كأوراق الخريف. فإلى متى سيكتفي الحزب الذي ضحوا من أجله بالغالي والنفيس بنشر التعازي الجاهزة مع إضافة الإسم والصفة عبر الشبكة العنكبوتية فقط أو في أحسن الظروف الحضور الباهت في مراسيم الدفن؟ ألا يستحقون كلهم التكريم وهم على قيد الحياة اعترافا لهم بالجميل على السنوات التي قضوها في النضال أيام كان الانتماء لحزب الطبقة العاملة يعتبر جريمة في حد ذاته يؤدي مقترفها "ثمنا غاليا"؟ متى سيعمل الحزب على تلقين الوافدين على حزبنا المسيرة النضالية والسيرة الذاتية لهؤلاء المناضلين الأفذاذ الذين لولاهم ما كان لحزب التقدم والاشتراكية أن يتبوأ المكانة التي تميزه دون غيره من الأحزاب الحديثة العهد داخل المشهد السياسي المغربي؟ من من أشباه المناضلين الوافدين على حزب التقدم والاشتراكية لما اشتد عوده يعرف جيدا من هم عظماء الحزب الذين ساهموا في بناء صرحه لبنة لبنة وبصموا الذاكرة المشتركة للمغاربة منذ ما يناهز 75 سنة أمثال علي يعتة وعبدالكريم بنعبدالله والمعطي اليوسفي وعزيز بلال وعبدالله العياشي وعبدالسلام بورقية وشمعون ليفي وعبدالمجيد الدويب وغيرهم ممن إما التحقوا بالرفيق الأعلى وإما ما زالوا أحياء يرزقون لكن يصارعون الأمراض أمثال الرفيق، أطال الله عمره، مصطفى العزاوي الذي لم ينل بعد حظه، على غرار أبناء الحزب البررة الآخرين، من الاهتمام والعناية من طرف الجيل الذي يتقلد المسؤولية بل القيادة الحزبية حاليا؟ إن الذاكرة الجماعية لحزب التقدم والاشتراكية في حاجة ماسة إلى من يسائلها عما قام به الأولون من تضحيات جسام ليحظى اللاحقون بما حظوا به من إمتيازات. بئس ما نحن عليه من نكران جميل لأسلافنا الشرفاء الذين أبلوا البلاء الحسن دون البحث عن مقابل عدا الاعتراف لهم، أحياء كانوا أم أمواتا، بالمجهود المبدول ونقله للخلف دون زيادة ولا نقصان. أقول قولي هذا واستغفر الله داعيا للأحياء من النواة الصلبة لحزب الطبقة العاملة بطول العمر وللأموات من خيرة المناضلين بالرحمة والمغفرة. "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين". صدق الله العظيم.