الجميع في إيطاليا ثمن المشاركة الشعبية الكبيرة في الاستفتاء الذي نظم حول التعديلات الدستورية المقترحة من طرف رئيس الحكومة ماتيو رينتسي (Matteo Renzi) التي رفضها أغلب الإيطاليين. وبعيدا عن التحليل السياسي الذي تابعناه عبر نشرات الأخبار اليومية، قد يكون من المناسب وضع قراءة أولية يمكن من خلالها فهم التحولات التي تعرفها المجتمعات الأوروبية من خلال هذا الاستفتاء والطريقة التي تم بها تسويقه إعلاميا. إن أهم خبر في الواقع كان هو أن أكثر من 60% من الإيطاليين أخذوا معلوماتهم عن التعديلات المقترحة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. ربما هذا ما يفسر أن أغلبية الشباب صوتوا ضد التعديلات؛ أكثر من 80 في المائة من الفئة العمرية بين 18 و31 سنة عبرت عن رفضها التام للإصلاحات الدستورية. ففي الوقت الذي كان فيه رينتسي "يغزو" القنوات التلفزيونية للدفاع عن مواقفه، كان خصومه يشتغلون فقط عبر الإنترنت؛ فاختيارات "حركة الخمسة نجوم" مثلا، التي يقودها الكوميدي الإيطالي بيبي غريللو (Peppe Grillo)، كانت واضحة في هذا المجال: حضور ضئيل في وسائل الإعلام التقليدية وإنزال "شبه عسكري" على شبكة الإنترنت. إنه تحول حقيقي في طريقة استقاء المعلومة، وبالتالي في عملية التأثير على الرأي العام. استعمال الإنترنت لا يعني تقليص إمكانية التلاعب بالخبر (Manipulation médiatique). الأمر الذي يقوم به الكثير من أتباع غريللو الذين يعتمدون هذا الأسلوب ويبررونه باعتباره رد فعل على سيطرة المؤسسات الرسمية على وسائل التواصل التقليدية. نتائج الاستفتاء أبرزت أن استراتيجيتهم كانت الأنجع، وأبانت عن ضعف في التقدير من طرف أولئك الذين لا زالوا يراهنون على التلفزيون كوسيلة أولى للتأثير على الجماهير. الحضور المستمر لرئيس الحكومة في القنوات التلفزيونية كان سببا من أسباب هزيمته. هذا استنتاج كثير من المحللين، كما هو حال إحدى الأقلام النافذة في الإعلام الإيطالي غاللي ديلا لوجا (Galli della Loggia)، الذي لخص انتكاسة رينتسي في خمس نقاط (Corriere della Sera 6-12-2016)؛ وضع على رأسها الهجمة الإعلامية الشرسة التي قام بها؛ فالحضور المستمر على شاشات التلفزيون كرس تضخما في الصورة نتج عنه نفور لدى الرأي العام ترجمه بتصويت ليس ضد الإصلاحات، بل ضد رئيس الحكومة. استفتاء إيطاليا، وقبله الانتخابات الأمريكية، أبانا عن تغير كبير في أدوات التسويق السياسي. ما قد يبدو رفضا للمؤسسات (Establishments) قد يكون مجرد إرهاصات لتحول في أسلوب معالجة القضايا العامة التي تهم المواطنين، والتي تسمح بتمرير خطابات تبدو شعبوية. وقد تكون كذلك لأن أشكال التواصل الحديثة أفرزت وعيا (قد يكون كاذبا) بتأثير أكبر للأفراد في مسار المجتمعات. من هنا، وجب إعادة النظر في كل نماذج التفكير (Paradigme) المرتبطة بالإعلام، والعمل على استقراء ما يحصل حولنا بعيون مجردة بعيدا عن أحكام القيمة التي ربما لا تساعدنا كإعلاميين على فهم العالم. * إعلامي مغربي في إيطاليا