أذكر حدثا عشته منذ أيام خلت. كنت أتواجد ضمن أفراد أسرة ازدان فراشها بمولود ذكر. وأثناء مناقشة أفراد هذه الأسرة مقترحات التسمية، اقترح أخو المولود ذو السابعة عاما بطلب من الوالدين ربما ليشعرانه بوجوده بينهم، اقترح اسم "الشهيد" . منذ ذاك الحدث وبالي مشغول باقتراح الطفل. اليوم وأنا أرى على شاشة أحد القنوات الفضائية العربية صورا مروعة لأطفال من سوريا فتكت بهم القنابل المحرقة ورمتهم جثتا على الأرض، وأسمع الألفاظ المصاحبة للتعليق على هذه الصور ربطتُ بين ما يتم إدراجه على القنوات الفضائية العربية وبين اقتراح الطفل لاسم "الشهيد". لا شك أن هذه القنوات تسعى إلى نقل ما يحصل من مآسي ألا إنسانية إلى المجتمع الدولي والرأي العام، لعله يتحرك للحد من هذه الجرائم التي ترتكب في حق الأطفال البريئين من مكائد الكبار دون الخوض في التفاصيل ، إلا أن نقل هذه الصور يتسبب في الكثير من الضرر على الأطفال، والكثير من التأثيرات السلبية عليهم من دون مراعاة من هذه الفضائيات. فعندما يتكرر على مسامع الطفل أكثر من مرة، وفي أكثر من يوم عبارات من قبيل: "الطفل الشهيد" و"بركة دماء" و"مذبحة أطفال"........ وتتكرر على ناظريه تلك الصور من قبيل: صورة جثة الطفل السوري إيلان الملقاة على شاطئ البحر، لا شك أنها تترسخ في ذاكرته، وأنه يتفاعل معها حسيا ووجدانيا بصورة أوتوماتيكية. فإذا كان الطفل المذكور قد تخلص من كلمة "الشهيد" العالقة بذهنه في تلك اللحظة معتقدا أنها مجرد تسمية في هذه المرحلة العمرية، فإن العديد من الأطفال تظل تلك الصور والألفاظ عالقة بهم، وقد تكبر فيهم ومعهم دلالاتها ومعانيها بغير إرادتهم. وبغير إرادتهم تنمي العنف بشكل مريع فيهم. إن أطفال اليوم يشكلون ما يعادل نصف المجتمع، وهم الذين سيكونون عمادة الأمة غدا بعد عشرين سنة بما يستوجب أن يكونوا في حالة نفسية سليمة خالية من العقد المترسبة. وإن إغفال تأثيرات هذه الصور والألفاظ التي تصاحبها وما تستوجبه من مخاطر على الطفل يقود حتما إلى تعرض المجتمع إلى أزمات خانقة لا يحمد عقباها لأن التلفزيون يتعدى إلى تكوين الشخصية في البلوغ. إن هذا يحملونا جميعا مسؤولية كبيرة اتجاه أطفالنا، مرورا من وسائل الإعلام، وبعلماء التربية، وعلم النفس، والجمعيات المدنية التي تعنى بالطفل، والحكومات ممثلة في مؤسستها المختلفة من وزارة الإعلام. وعلى الآباء والأمهات أن يكونوا السد المانع لمشاهدة أطفالهم تلك الصور وسماع تلك الألفاظ المرفقة لها بالمناقشة معهم وشرح لهم الأسباب التي تحول دون مشاهدتهم بعض البرامج خاصة النشرات الإخبارية، رحمة بهم ورحمة بمجتمعاتنا المقبلة. [email protected]