لعقود ظلّت القضيّة الفلسطينية مثارَ اهتمام المغاربة وتعاطُفهم، وكانَ الآلاف يخرجون في مسيرات للتضامن مع الفلسطينيين ضدّ العدوان الإسرائيلي، كما أنّ هذه القضية كانتْ تحظى بحيّز مهمّ في الإعلام المغربي. أمّا في السنوات الأخيرة، فيبْدو أنّ القضية الفلسطينية لم تعُد تشكّل أولوية لدى العديد من المغاربة الذين باتوا يفضلون مقولة "تازة قبل غزة". غير أنّ أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع منسق رابطة إيمازيغن من أجل فلسطين، لا يرَى في تراجع "المسيرات المليونية" مؤشّرا على انحسار اهتمام المغاربة بالقضيّة الفلسطينية، وقال في تصريح لهسبريس: "نقول للذين يعتقدون هذا إنكم مخطئون، وكلّ ما في الأمر هو أنّ المغاربة لم يعودوا يصدّقون الوعود ولو يعودوا يكتفون بالصراخ". ويحمان ربَط انضمام عدد من المغاربة إلى جبهات القتال في عد من المناطق ب"خيبة الأمل من الوعود الكاذبة للمنتظم الدولي، ومن الحديث عن حلّ الدولتين"، مضيفا: "المغاربة لديهم جُوع للعمل المُسلّح، ولم يعودوا يروْن في هذه الوعود سوى مضيعة للوقت، وأنَّ الكيان الصهيوني المدعوم من طرف أمريكا التي تفتت بلدان العالم لا يوجد في قاموسه شيء اسمه السلم". في المقابل، يرى الناشط الأمازيغي منير كجي أنّ هناكَ فعلا انحسارا لاهتمام المغاربة بالقضية الفلسطينية، وعزا ذلك، في تصريح لهسبريس، إلى "تراجُع الفكر القومي العروبي بعدَ رحيل رموزه، أمثال صدام حسين وحافظ الأسد ومعمّر القذافي"، واعتبر كجي أنَّ عدم إيلاء المغاربة الأولوية للقضية الفلسطينية في الوقت الراهن يُعتبر "أمرا طبيعيا". العاملُ الثاني، الذي يرى كجي أنَّه ساهمَ في عدم اهتمام المغاربة بالقضية الفلسطينية، مقارنة مع الماضي، هو "تنامي الوعي الهوياتي الأمازيغي، والالتفاف حول القضايا الوطنية"، مضيفا: "المواطن المغربي صارَ مقتنعا بأنّ هناك قضايا داخليّة أهمّ، ففلسطين توجد هنا، في أنْفكو، وإملشيل وغيرها"، لافتا إلى أنَّ وسائط الاتصال الحديثة "كشفتْ كثيرا من الحقائق التي لم يكن المغاربة يعرفونها، إضافة إلى أنَّ الصراعات بيْن العرب وخطر الإرهاب جعلت المغاربة يعيدون ترتيب أولوياتهم". نهاية الأسبوع الماضي، طفا على السطح، من جديد، موضوع تطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال واقعتيْن؛ الأولى مشاركة وفدٍ إسرائيلي في مؤتمر الأممالمتحدة لتغيرات المناخ بمراكش، ورفع العلم الإسرائيلي في سماء المدينة الحمراء، ما حذا بهيئات مناهضة للتطبيع إلى إصدار بيانات استنكارية، وتنظيم وقفة أمام البرلمان أُحرق فيها العَلَم الإسرائيلي. الثانية تتعلّق بزيارةِ "وفْد إعلامي مغربي" مكوّن من سبعة أفراد إلى إسرائيل، نشرتْ وسائلُ إعلام إسرائيلية صورهم مع إخفاء وجوههم. زيارة قال عنها الناطق الرسمي باسم الخارجية الإسرائيلية إنها تأتي "بهدف إطلاع الصحافيين عن كثب على حقيقة الأوضاع في إسرائيل، في محاولة لتغيير الصورة السلبية التي تظهر فيها في المغرب". وقُوبلتْ هذه الزيارة بغضب كبير من طرف نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، بيْنما قلّل أحمد ويحمان من تأثيرها، متسائلا: "أوّلا، من هم هؤلاء الصحافيون؟ قيلَ إنّهم زاروا الكيان الصهيوني، لكننا لا نعرفهم، ولمْ نرَهم، فحتّى وجوههم تمَّ إخفاؤها، وهذا معناه أنّ هؤلاء مجرّد أشباح، ولا يمثلون الجسم الصحافي المغربي". الجدل الذي أثارته هذه الزيارة ليسَ الأوّل من نوعه، فقد سبقهُ جدَل أثاره نشطاء أمازيغ بإعلانهم التوجّه إلى إسرائيل، قبل أن يتراجع بعضهم. بالنسبة لأحمد ويحمان، هؤلاء النشطاء "ليسوا سوى فُقاعات"، معتبرا أنّ "الأمازيغ الأحرار مع الكفاح الفلسطيني، وهؤلاء الأشخاص محدودون يتمّ النفخ فيهم إعلاميا، أمّا وصفُ الأمازيغ فلا يليق بهم". في المقابل، يقول منير كجي: "يجبُ الاستناد إلى مُعطيات واقعية؛ إذا كان الملك محمد السادس يرأس لجنة القدس، فإنّ المغرب هو الشريك الاقتصادي الثالث لإسرائيل بعد الأردن ومصر. وثمّة مفارقة أخرى، وهي أنَّ المبادلات التجارية المغربية الإسرائيلية ارتفعت خلال ولاية حكومة بنكيران التي توصف بالإسلامية". وانتقدَ كجي، الذي سبق له أن زارَ إسرائيل، الأطراف التي استنكرتْ زيارته تلك، قائلا: "كلما تعلّق الأمر بالأمازيغ يُقيمون الدنيا ولا يُقعدونها، بيْنما هناك مغاربة آخرون زاروا إسرائيل، ودرسوا فيها، لم ينتقدهم أحد". واعتبر المتحدث أنّ من حقّ أي مغربي أن يزور إسرائيل، وعلّق على زيارة "الوفد الإعلامي" الأخيرة بالقول: "هؤلاء الصحافيون من حقهم أن يزوروا إسرائيل، دون التقيّد بأيّ خلفيات، فحتى الصحافيون الأمريكيون زاروا أفغانستان، وأجروا مقابلات مع تنظيم القاعدة، العدو الأول للولايات المتحدة، دون أن يستكثر عليهم أحد ذلك"، وتابع: "الذين ينتقدون زيارة المغاربة إلى إسرائيل لديهم ولاءات لإيران ونظام البعث السوري، ونحنُ نرى أنّ من حقهم أن يزوروا طهران ودمشق، لكنْ ليس من حقهم أن يمارسوا علينا الأبويّة الإيديولوجية".