منذ مئات السنين والمغاربة يفكرون في التقدم والتنمية، يومها شهد العالم ولادة محرك بخاري وهاتف لاسلكي "ماركوني صاحب نوبل للفيزياء برفقة كارل فردنان براون عن اختراعهم التلغراف اللاسلكي" وأول فيلم قصير صامت، صار المحرك ذريا والتلفون فضائيا والفيلم ثلاثي الأبعاد ولم نتقدم. سؤال كبير حقيقة لماذا لم نتقدم؟ وهل نتقدم بالدعاء والصلاة وتقديم القرابين؟ هل نتقدم بالذبابة والمدرعة وتكديس الأسلحة؟ هل نتقدم بالهجرة السرية؟ هل نتقدم بقطاع تقديم الخدمات الاستهلاكية؟ هل نتقدم بفرنسة اللغة أم بتعريبها أو أَنْجَلَزَتِهَا؟ هل نتقدم بالأحزاب السياسية أم بالمجتمع المدني؟ وكيف بإمكاننا فعل ذلك حاليا؟ هناك العديد من المخارج من كل المآزق الإنسانية منها وحتى الحضارية، لكن هل نريد فعلا الخروج من ذاك الحال، وهل نملك الإرادة بالتصريح والاعتراف بأن عدم اتفاقنا مشكلة وعقم اتفاقياتنا معضلة. إن المسؤولين عندنا وبعض منظريهم وغالبية خدمهم من مثقفيهم يرون أنفسهم فوق النجوم وهم جالسون في مكاتبهم تحت مكيفات بريطانية وسقوف من هندسة إيطالية وستائر من خيوط هندية، يسمعون موسيقى ذات ألحان ألمانية ويلبسون سترات آخر موضة بتفصيلة فرنسية ويدخنون سيجارة بنكهة كوبية ويستقلون سيارات من ماركة يابانية ويحملون جوازات سفر ذات جنسية أمريكية ويملكون أرصدة في حسابات بنوك سويسرية، ولهم حصص من أسهم في شركات صينية لإنتاج الملابس الداخلية، هذا هو الحال وحتى الإنسان الغبي لا يقدر على إنكاره. عندما يصل الآخرون إلى الفضاء ونحن نفكر بالتقدم والنهوض فهذا معناه أننا متأخرونومتخلفون عن الركب؛ عندما نجد غزوا لسلع استهلاكية ومنتوجات معلوماتية وتكنولوجيا متطورة ومتحكمة بنسبة كبيرة في تربية أطفالنا وأبنائنا هذا يفسر أننا متأخرون؛ عندما تجد بعض من نخبتنا تفتخر وتفاخر بنيل شهاداتها الجامعية من تلك العاصمة الأوروبية أو الأمريكية أو غيرهما تأكد أننا متأخرون؛ عندما يتم تسخين الرأي العام وتبريده على إيقاع خطبة صلاة جمعة جافة وجوفاء من منبر جامع يعتليه الدهماء من ذوي اللحى الذين لا يعرفون ما يقولون فهذا يشرح أننا مازلنا نراوح في مقامات تراث الأسلاف والأجداد؛ عندما يفرقنا الفن والرياضة وتقسمنا المنطقة الجغرافية وتجمعنا اللغة وتوحدنا القصيدة هذا معناه أننا نفتقد وسائل وإمكانات التقدم والتنمية؛ عندما نجد علماءنا مجهولين والجهلة مشهورين هذا يعني رفض للتقدم والرقي؛ عندما لا يقرأ المغربي إلا صفحة في السنة ويقرأ الآخر في اليوم كتابا هذا معناه أننا لا نتملك ولا نملك معرفة التقدم والتنمية؛ عندما تتواجد وتوجد آلاف القنوات الفضائية وتتحكم بنا وتكاد تحكم علينا فضائية واحدة كيف السبيل للتقدم والتنمية؛ عندما تكون حقوق الإنسان وحرية التعبير عن رأي والديموقراطية موقف خلاف بيننا لا ينبغي ولا يجوز التفكير في التقدم والتنمية؛ عندما نكون أبناء وطن يبلغ تعداد سكانه الملايين نسمة ويملك ثروات تقدر بالمليارات ويموت في طرقاته ومستشفياته مواطنون بسيارة أو حافلة أو قطار أو بجرعة تخدير زائدة هذا معناه أننا خارج زمن التقدم والتنمية. التقدم والتنمية يحتاج أمرين لا ثالث لهما: المعرفة والقوة، ولكل منهما مكوناته وعناصره وفروعه، هذه الثنائية تستوجب أن نكون عارفين كيف نصبح أقوياء وأن نكون أقوياء فنعرف كيف نحمي ونصون معرفتنا ومعارفنا، نعم التقدم والتنمية بحاجة لعقول علمية وتقنية وليس لعقول بيانية كما يقول محمد عابد الجابري في كتابه المعنون العقل العربي، فالمعرفة التقنية يحتكرها الغرب ولا يريد اقتسامها ويرفض تعميمها، كما يحتاجان لتطوير وسائل وآليات الإنتاج الكلاسيكية، كما هما بحاجة ماسة للحرية السياسية من أبوابها المتسعة ونوافذها الواسعة، وبحاجة لاحترام الدستور وسيادة القانون ومبدأ المواطنة، وأيضا بحاجة لإعادة لقراءة العلاقة مع الدين وتحديد دوره في المجتمع، بحاجة لفهمنا لمعاني العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية بغية تحقيقها على أرض الواقع، بحاجة لنظرة مختلفة تماما للمرأة وإعطائها حقوقها كاملة لا نقصان فيها، بحاجة لحرية التفكير والتعبير والتطوير والتنوير وإن لزم الأمر التثوير لإنتاج بنك من أفكار مستجدة وجديدة بدل استيراد أفكار الآخرين. التقدم والتنمية يوجب: أن نكون مشاركين في الاستقرار لا في الاضطراب، أن نكون مناضلين مبالين لا مستسلمين هاملين، أن نكون معتدلين محاورين متحاورين لا مكرِهِين متعصبين متطرفين، أن نكون قارئين متعلمين قابلين للثقافة لا جاهلين أميين وارثين مقلدين، أن نكون تكنولوجيين ودعاة سلم وسلام ووحدويين واستقلاليين في آن واحد حتى لا تفرقنا التحزبات وتقسمنا الخيارات. أخيرا يجب أن نعلم أننا لن نتقدم بالخطابات والمؤتمرات والمؤامرات، ولن تتحقق التنمية بالإرهاب الفكري ونشر ثقافة الخوف وانعدام الأمن والأمان ولا بالضعف والتشرذم والشتات، لن نتقدم بالرجوع للسلف ولبس جلباب الماضي ولا بتقليد أعمى للغرب واستيراد منتوجاتهم وآليات إنتاجهم، فكل هذا لا يجدي نفعا. فليكن الإنجاز هو الحكم ومدى تحقيق التقدم والتنمية هو الأهم، ولأن الوقت لم يعد يسمح بمزيد من التجريب فإن الجواب الوحيد على أسئلة تحقيق التقدم والتنمية يبقى هو المعرفة والقوة شريطة عدم الخلاف والاختلاف على الترتيب، فهل نقبل ونتقبل ونوافق ونتوافق على تقدم وتنمية قائمان على التعددية، سؤال برسم وحجم كوني. الإنسانية هي الحل