أولا - التطور التاريخي لقانون عاملات وعمال المنازل : منذ عشرات السنين كان دائما يطرح في الأوساط النقابية و الحقوقية و الفقهية والقضائية بالمغرب السؤالان البارزان التاليان: 1 هل تتوفر فئة عمال المنازل ، أو ما كان يسمى بخدم البيوت ، على قانون خاص بهم يحميهم من تعسفات مشغليهم ، أم لا؟ 2 في حالة الجواب بالنفي ، هل هذا يعني أن هذه الفئة من العمال كانت تعاني من فراغ تشريعي في القانون المغربي الى غاية صدور القانون الجديد بتاريخ 10 أغسطس 2016 والمتعلق بعاملات و عمال المنازل؟ في الواقع وقبل صدور هذا القانون لم تكن المنظومة القانونية المغربية تتوفر على قانون خاص بعاملات و عمال المنازل، ولكن غياب هذا القانون لا يعني أنه كان هناك فراغ تشريعي، ذلك أن علاقة العمل القائمة بين عمال المنازل ومشغليهم كانت تخضع لقواعد القانون المدني المغربي والذي يسمى ب (( قانون الالتزامات والعقود )) ، و ينص في الفصل 723 منه على أنه : " إجارة الخدمة أو العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته الشخصية لأجل محدد أو من أجل أداء عمل معين ، في نظير أجر يلتزم هذا الأخير بدفعه له..."، كما تطرقت باقي الفصول من 724 إلى 780 من القانون المذكور إلى تنظيم علاقة العمل بين العامل وصاحب العمل. هذا القانون صدر سنة 1913 وكان يطبق على كل العاملين في مجالات الصناعة والتجارة والفلاحة والخدمات والمهن الحرة ، وكذلك على عمال المنازل أو خدم البيوت ، وكان يكرس مبدأ سلطان الارادة بجعله العقد شريعة المتعاقدين (الفصل 230 من ذات القانون). وبعد صدور هذا القانون ، صدرت عدة قوانين خاصة شكلت ما يمكن أن نسميه بقانون العمل المغربي القديم ، منها على سبيل المثال لا الحصر : - قانون سنة 1936 المنظم للحد الأدنى للأجور، - وقانون سنة 1946 المتعلق بالإجازة السنوية (العطلة) المؤدى عنها الأجر ، وقانون 1948( النظام النموذجي بتاريخ 23/10/1948) و المتعلق بكيفية إنهاء عقود العمل ... الخ ، وهذه القوانين صدرت بشكل متفرق ، وظلت كذلك ولم تعمل الجهة الحكومية المختصة أو المشرع على تدوينها أو تجميعها في اطار مدونة واحدة وجامعة لكل النصوص المنظمة لعلاقة العمل بين العمال ومشغليهم أو أصحاب العمل، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لم تكن هذه القوانين الخاصة ( أو قانون العمل المغربي القديم) المنظمة لعلاقة العمل تنص صراحة على خضوع فئة عاملات و عمال البيوت لهذه القوانين الخاصة المنظمة لعلاقة العمل ، ومن ثم فهي لم تكن تستفيد من الحماية القانونية التي توفرها هذه القوانين الخاصة للعمل ( أو قانون العمل المغربي القديم)، وطالبت بعض الآراء الفقهية والفعاليات من المجتمع المدني المغربي والنقابات وجمعيات حقوق الانسان بتطبيق قانون العمل المغربي القديم على عمال المنازل أو خدم البيوت ، و لكن القضاء المغربي بشقيه قضاء الموضوع وقضاء النقض من خلال الدعاوى و المنازعات التي عرضت عليه تصدى عن حق لهذه المحاولات ، و كان يرفض دائما تطبيق قانون العمل المغربي القديم على فئة عمال البيوت لأن المادة الأولى من هذه القوانين الخاصة المنظمة لعلاقات العمل لما كانت تحدد نطاق تطبيقها وتحدد من يستفيد منها، كانت دائما تستثني صراحة فئة عاملات و عمال المنازل من انطباق قانون العمل القديم عليهم ، وظل الحال على ما هو عليه إلى أن صدرت مدونة الشغل الجديدة سنة 2003 التي لم تغير في الحقيقة من واقع الأمر شيئا من حيث حماية عاملات و عمال البيوت ، و ذلك بجعل مقتضيات مدونة الشغل تنطبق عليهم ،بل على العكس من ذلك انها استبعدتهم كليا من نطاق تطبيق هذه المدونة عليهم وذلك بقولها في المادة 4 منها على أنه: (( يحدد قانون خاص شروط التشغيل و الشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت ... )) ومنذ صدور مدونة الشغل الجديدة و الأصوات تتعالى وتطالب بإلحاح بإخراج القانون الخاص بعمال البيوت الى حيز الوجود انصافا لهذه الفئة من العمال التي تعتبر فئة هشة والأقل أو الأضعف حماية من بين مختلف العمال والأجراء، ولهذا أولتها المنظمة الدولية للعمل كامل عنايتها، وأصدرت بشأنها الاتفاقية رقم 189 سنة 2011 والمتعلقة بعاملات وعمال المنازل وأرفقتها بالتوصية رقم 201 لسنة 2011 والمتعلقة كذلك بعاملات وعاملات البيوت ،ولم يصادق عليها المغرب بعد. ولكن هذه الاتفاقية كانت من بين العوامل الأخرى التي حثت المشرع المغربي على ضرورة الإسراع بإخراج القانون الخاص بعاملات و عمال المنازل وفق ما نصت عليه المادة 3 من مدونة الشغل لسنة 2003، وبعد انتظار طويل (13 سنة) ونضال جمعوي ، ومشاورات عديدة بين الجهات المعنية بإصدار القانون ، صدر أخيرا هذا القانون فعلا ( ويسمى في القاموس القانوني المغربي بالظهير) بتاريخ 10 أغسطس 2016 تحت رقم 12/19 منشور بالجريدة الرسمية عدد6493 بتاريخ 22 أغسطس 2016. ثانيا - القانون الجديد لعاملات و عمال المنازل : مما لا جدال فيه أن كل قانون جديد إلا و له معنى او اتجاه يسير فيه يمكن الوقوف عليه بتحديد مضمونه و قيمته ( أ ) ، ولا تكتمل الدراسة بدون إعطاء تصور لما سيكون عليه هذا القانون استقبالا من حيث التطبيق العملي وتحديد مدى تأثير القانون الجديد في تنظيم علاقة العمل بين الطرفين ( ب ) أ في معنى وقيمة القانون الجديد : يشتمل القانون الجديد على المحاور الأساسية أو الأبواب التالية: 1 أحكام عامة 2 شروط تشغيل العاملات و العمال المنزليين 3 مدة العمل والراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام العطل 4 الأجر 5 المراقبة والعقوبات وقد جاء هذا القانون خاليا من محور أساسي أو باب يتعلق بكيفية التعويض عن حوادث الشغل و الأمراض المهنية و الضمان الاجتماعي و التغطية الصحية. وربما في نظر البعض هذا الاغفال مقصود من طرف المشرع حتى لا يقع إثقال كاهل بعض الأسر - ولاسيما من الطبقة الوسطى - بهذه التكاليف الاجتماعية ولكن بعض الأسر الأخرى من الطبقة الغنية أو الميسورة يمكنها أن تتحمل بهذه التكاليف الاجتماعية فلماذا حرمان عاملات وعمال المنازل منها ، وحبذا لو أن المشرع ترك تنظيم مسألة التكاليف الاجتماعية - صراحة للمجال التعاقدي ، بمعنى أنه كان على القانون الجديد أن ينص على أنه يجوز للمشغل تمتيع عاملات وعمال المنازل بمزايا التعويض عن حوادث الشغل و الأمراض المهنية والضمان الاجتماعي و التغطية الصحية طبقا للقوانين الجاري بها العمل وهي: 1 ظهير 27(قانون)/07/1972 المتعلق بالضمان الاجتماعي . 2 ظهير(قانون) 03/10/2003 المتعلق بالتغطية الصحية . 3 ظهير (قانون) 29/12/2014 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، علما بأن هذا الظهير أو القانون نص في المادة 6 منه على استفادة العمال المنزليين منه ولم ينص المشرع المغربي في مدونة الشغل أو القانون الخاص بعاملات وعمال المنازل المتفرع عنه على أنه ليس من اختصاص عقد عمل عاملات وعمال المنازل الإشارة إلى استفادتهم من هذه الحقوق الثلاث والمنظمة مسبقا بموجب القوانين الخاصة بها والتي اشرنا إليها أعلاه . وتنص المادة1 من القانون الجديد الخاص بعاملات و عمال المنازل على تعريف العاملة أو العامل المنزلي و أجاز لهما المشرع بالاشتغال لدى أكثر من مشغل واحد ، مما قد يطرح بعض الاشكالات القانونية و العملية فيما يخص أداء الأجر والعلاوات و إنهاء العقد ، فضلا عن كون العمل لدى أكثر من مشغل قد يستنزف طاقاتهم،لاسيما اذا علمنا أنه من بين عاملات المنازل ( ولا سيما الطفلات الصغيرات منهم ) في ظل القانون القديم من يشغل ابتداء من الساعة 6 صباحا وحتى منتصف الليل وبدون توقف ولدى مشغل (صاحب بيت أو منزل ) واحد فقط فبالأحرى الاشتغال لدى أكثر من مشغل واحد. كما عرفت هذه المادة المشغلة أو المشغل وكذلك العمل المنزلي،ووضع هذا القانون شروط تشغيل عاملات وعمال المنازل(المادة 3) ونص على أن العقد يكون كتابيا ،لكن العقد قد يكون كذلك شفويا ، وهو ما تطرق اليه هذا القانون (المادة9) على غرار المدونة الأم - أي مدونة الشغل - التي نصت في المادة 18على أن إثبات عقد الشغل يكون بجميع وسائل الاثبات بما فيها شهادة الشهود وليس الدليل الكتابي أو العقد الكتابي فحسب ، ويمكن للمشغل أن يطلب من عاملة أو عامل المنزل الادلاء بشهادة طبية تثبت سلامتهالصحية(المادة5)، ويبقى أهم مستجد جاء به هذا القانون هو تحديده للحد الأدنى لسن تشغيل عاملات أو عمال المنازل في 18 سنة (المادة 6) ، وهو ما يساهم في مكافحة ظاهرة تشغيل الأطفال الصغار وقبل بلوغهم هذا السن اي السن القانوني ، ويضطرون الى ترك دراستهم للاشتغال كعمال صغار في بيوت ومشغليهم وهو ما يتنافى مع الاتفاقية الدولية للشغل رقم 182 الصادرة عن المنظمة الدولية للعمل لما يتم استغلال عاملات البيوت الصغيرات في اسوأ اشكال العمل المنزلي او الشاق ، ولا يجوز اجبار هؤلاء العمال والعاملات على العمل قهرا(المادة 7)، ويمكن اخضاعهم لفترة اختبار (المادة 8) مدتها 15 يوما والمشغل ملزم بتسليم شهادة العمل لعامل أو عاملة المنزل (المادة10) ويستفيد هؤلاء من برامج التربية و التكوين التي توفرها الدولة (المادة11)،و المشغل ملزم بحماية سلامة عاملات وعمال المنازل وصحتهم وصيانة كرامتهم(المادة 12)وحدد المشرع مدة عملهم في 48 ساعة مبدئيا (المادة13) ولهم الحق في راحة أسبوعية (المادة 14) كما تستفيد الأم العاملة من استراحة خاصة للرضاعة مدتها ساعة واحدة (المادة 15). وتستفيد أيضا عاملة أو عامل المنزل من العطلة السنوية (اجازة ) مدفوعة الأجر (المادة 16) و من راحة الأعياد مؤدى عنها و من رخص للتغيب لأسباب مبررة ذكرها القانون في المادة 18 ، ويعادل الأجر 60 بالمئة من الأجر المطبق في قطاعات الصناعة و التجارة و المهن الحرة ويؤدى عند نهاية كل شهر مالم يتفق الطرفان على خلاف ذلك (المادة 19) ، ويخصم من الأجر مقابل تغيب العاملة أو العامل عن يوم أو أيام التغيب دون ترخيص (المادة20)،أما اذا تم فصل العاملة أو العامل المنزلي فانهما يستحقان تعويضا محددا عن الفصل نصت عليه وحددته المادة 21 من خلال قاعدة آمرة لايجوز الاتفاق على مايخالفها كلما كانت المخالفة في غير صالح عاملة أو عامل المنزل. وللأعوان المكلفين بفتيش الشغل دور جد محدود في مراقبة تطبيق هذا القانون من قبل الأطراف المعنية ولم يذهب هذا الدور الى حد السماح هؤلاء مفتشي الشغل بزيارة أو تفقد للمنزل مقر عمل أو اشتغال العاملات و العمال ليعاينوا كيفية أداءعاملات وعمال البيوت لعملهم وفي أية ظروف يتم هذا العمل وهذا الدور المحدود الذي اعترف به المشرع لمفتشي الشغل مفهوم - حسب البعض - لأن المنزل أو بيت الأسرة ليس بمقاولة صناعية أو تجارية او ضيعة زراعية او مكتب مهني تمارس فيه مهنة حرة ، بل هذه المنازل لها حرمتها ، والأسر لها حياتها الخاصة والحميمية ولاتحتمل الأسر المس بها سبب بزيارات مفاجئة أو متكررة لمفتشي الشغل قد تكون مزعجة في غالب الاحيان ، ولكن تبقى مراقبة تطبيق أصحاب البيوت لكيفية التزامهم و احترامهم لهذا القانون الجديد واردة وغير مستبعدة وقد نظمتها المادة 22 من هذا القانون الذي تضمن عقوبات جنائية نصت عليها المواد من 23 الى 25 يمكن الرجوع إليها ، ولم يفت المادة 26 من القانون الجديد أن تسمي هؤلاء الأجراء رسميا ب :"العاملات أو العمال المنزليين " وليس خدم البيوت كما جاء في مدونة الشغل ، وحلت تسمية "المشغل" محل "صاحب البيت" ، وسيدخل القانون الجديد حيز التطبيق ابتداء من تاريخ 21/8/2017(المادة 27). ب في مدى القانون الجديد: يمكن اعتبار القانون الجديد لعاملات وعمال المنازل بمثابة مدونة صغرى للمشغل أو قانون عمل بحجم صغير لا يمنحهم نفس الحقوق الواردة بمدونة الشغل الكبرى الصادرة سنة 2003 والمشار اليها اعلاه ، وسوف يوضع القانون الجديد على المحك عند التطبيق سواء من طرفي عقد العمل المنزلي ، أو من طرف جهاز مفتشية الشغل ، او من طرف الجهاز القضائي الذي يبقى هو الاساس في مراقبة تطبيق اي قانون كيفما كان ، وقد عرف عن القضاء الاجتماعي او العمالي ميله الى حماية الطرف الضعيف في علاقة العمل لما يكون لهذه الحماية اساس في القانون بطبيعة الحال . ويرى بعض الفقه الغربي من أمثال الفقيه الفرنسي كامرلانك أن احدى خصائص قانون العمل في قطاعات الصناعة و التجارة و الفلاحة و المهن الحرة و المقاولات هو أنه قانون لا يطبق في معظمه من طرف المشغلين و اصحاب العمل ، وإذا كان هذا الأمر يصدق على المدونة الكبرى للشغل أو العمل ، فبالأحرى " المدونة الصغرى " mini code du travail ، ونعني بها القانون الجديد لعاملات و عمال المنازل ، لاسيما و أن هذا القانون تضمن العديد من الالتزامات القانونية قد لا تستطيع بعض الأسر وما أكثرها الوفاء بها وتنفيذها ماديا ، ناهيك عن ان حسن تطبيق كل قانون رهين بتطور المجتمع اقتصاديا ونضجه اجتماعيا ، وهذ كلها امور تتحقق مع مرور الوقت ، ولهذا ربما الوقت يحتاج الى وقت ، ولننتظر الاحكام القضائية الاولى للوقوف على مدى نجاح او فشل القانون الجديد في تنظيم علاقة العمل بين عاملات وعمال المنازل من جهة ، ومشغليهم من جهة ثانية . *دكتور في الحقوق