عرفت الساحة القانونية المغربية نقاشا حادا قبل صدور القانون رقم 19.12 المتعلق بالعمال المنزليين نظرا لحساسية هذا الموضوع ولطابعه الخاص، ذلك أن المغرب بقي منذ صدور مدونة الشغل سنة 2003 ملتزما بموجب المادة 4 منها باعتماد قانون خاص بهذه الفئة من الأجراء؛ وبناء على دستور 2011 الذي كرس للعديد من التوجهات الجدية والمبادئ التي نصت عليها ديباجة الدستور التي من بينها مبدأ الكرامة والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم؛ كما أن المغرب سواء قبل أو بعد صدور دستور 2011 صادق على العديد من الاتفاقيات التي تهدف إلى حماية هذه الفئة، نذكر منها على وجه الخصوص اتفاقية تشغيل الأطفال عدد 138 و 182 والاتفاقية عدد 29 و 105 بخصوص منع العمل القسري والاتفاقية عدد 110 و 111 المتعلقة بالمساواة وعدم التمييز. وفي ظل الضغوط التي تمارسها بعض المنظمات الدولية وتنامي ظاهرة تشغيل الأطفال، بحيث أنه حسب المندوبية السامية للتخطيط، فإن عدد الأطفال المشغلين سنة 2012 ما بين 7 سنوات وأقل من 15 سنة قد بلغ 123000 طفل أي بنسبة 2.5 في المئة من مجموع هذه الفئة العمرية، وقد تراجعت هذه النسبة مقارنة بسنة 2000 بعدما كانت تشكل نسبة 9.7 في المئة أي 517000 طفل .(1) ، كما أن التدابير الكفيلة بضمان حقوق الإنسان والتقيد بالأحكام المقررة في الاعلان الصادر سنة 1998 والذي تلتزم كل دولة عضو بان تكرس العديد من الحقوق منها :حق العمال المنزليين من الاطلاع على شروط استخدامهم المضمنة في العقود تتضمن شروط العمل، الاستفادة من الحقوق تضاهي باقي العمال، ضمان أداء الأجر نقدا، الحق في العمل في بيئة عمل آمنة وصحية، ضمان تدابير التفتيش وتنفيد العقوبات، ضمان فعالية تقديم الشكاوى وتسوية المنازعات. كل ذلك جعل المشرع المغربي يعمل على اعتماد قانون خاص بهذه الفئة من الفئات الضعفية داخل المجتمع المغربي والتي يلاحظ انتهاك حقوقها كل يوم من أجل محاولة اعادة نوع من التوازن في العلاقة التي تجمع بين المشغل والعامل المنزلي . لذلك فننا سنقوم من خلال محاور هذ الموضوع بمحاولة تقديم قراءة لأهم ما جاء في هذا القانون مع استحضار المبادئ التي كرسها الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية المعمول بها في هذا الصدد؛ محاور المداخلة : بالرجوع إلى القانون رقم 19.12 (2) المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين نجد أنه تضمن خمس أبواب، لذلك فإننا سنتناول هذا المقال خلال خمس نقاط أساسية على النحو التالي. أولا : على مستوى المفاهيم : خصص المشرع الباب الأول لتحديد بعض المفاهيم تحث عنوان أحكام عامة بحيث قام بتعريف كل من العامل المنزلي والمشغل؛ وعرف العامل المنزلي بأنه ” العاملة أو العامل الذي يقوم بصفة دائمة واعتيادية مقابل أجر، بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة كما هي محددة في المادة 2 من هذا القانون سواء عند مشغل واحد أو أكثر “. وحيث يتضح من خلال هذه المادة أنها استعملت مصطلح العامل المنزلي وتفادت الصيغة التي كانت تستعملها المادة 4 (3) من مدونة الشغل قبل صدور هذا القانون التي كانت تستعمل مصطلح خدم البيوت هذا الأخير الذي يعتبر تعبير يسيئ إلى هذه الفئة ويحط من كرامتها بحيث كان البعض يعتبره تعبيرا عن الاستعباد والاسترقاق. ( 4). كما اشترطت أن المادة أعلاه أنه لكي يكتسب العامل المنزلي هذه الصفة أن يقوم بتلك الأعمال بصفة دائمة واعتيادية أي أن الأشخاص الذين يقومون بإنجاز بعض الأعمال المؤقتة داخل المنازل لا يخضعون لأحكام هذا القانون؛ وبالرجوع إلى الاتفاقية الدولية رقم 189 المتعلقة بالعمل اللائق للعمال المنزليين، عرفت العامل المنزلي بأنه هو ” الشخص الذي يستخدم في العمل المنزلي في إطار علاقة استخدام”، كما أن نفس الاتفاقية اشترطت ألا يكون العمل الذي يقوم به العامل المنزلي متقطعا هو ما تبناه القانون رقم 19.12 . وبالرجوع إلى مدونة الشغل، نجدها قامت بتعريف الأجير من خلال الفقرة الأولى من المادة 6 بحيث اعتبرت أنه يعد أجير خاضعا لأحكامها كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحث تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين وذلك لقاء أجر أيا كان نوعه أو طريقة أدائه بشرط أن يكون هذا الأجير بالغا على الأقل السن الدنيل للقبول في العمل؛(5) وأنه بذلك يتضح أن مفهوم الأجير حسب المدونة يختلف عن العامل المنزلي من حيث طبيعة العمل بحيث أنه في مدونة الشغل يتعلق بنشاط مهني وهو عام بالمقارنة مع العمل في مفهوم قانون عمال المنازل الذي يبقى محصورا فيما يتعلق بالأسرة والبيت؛ (6) كما أن المادة الأولى قامت بشكل صريح باستثناء بعض الفئات بشك صريح من الخضوع لأحكام هذا القانون وهذ الفئات هي كالتالي : الأجراء التابعين لمقاولات التشغيل المؤقت والأجراء الذين ينجزون اشغالا لفائدة مشغل بصفة مؤقتة بخصوص هذه الفئة من الأجراء التي استثناها المشرع من الخضوع لأحكام هذا القانون تعين الإشارة إلى ان مدونة الشغل خصصت أحكاما خاصة بها في المواد من 495 إلى 506 . ( 7) وبخصوص هذه الفئة، فإن النص على استتنائها من نطاق تطبيق هذا القانون ما هي إلا زيادة بحيث ما كنت هناك أي ظرورة للنص على ذلك مادام أن الأجراء العاملين لحساب مقاولات التشغيل المؤقت وشركات الحراسة يوجدون حتما في خدمة شخص اعتباري وفق أحكام مدونة الشغل ولا تربطهم برب المنزل علاقة تعاقدية ولا ينبطق عليهم ما جاء به تعريف المشغل الوارد بهذا القانون وبالتالي ليس هناك أي داعي لذكرهم. (8) البوابون في البنايات المعدة للسكنى الخاضعون لظهير 8 أكتوبر 1977 كما قامت المادة بتعريف المشغل بما يلي : المشغلة أو المشغل : كل شخص ذاتي يستأجر عمل عاملة أو عامل منزلي لإنجاز الأشغال المنصوص عليها في المادة 2 أدناه أو أحدها” وبالرجوع إلى مدونة الشغل يتضح أنها قامت بتعريف المشغل من خلال الفقرة الثانية من المادة 6 بأنه “يعد مشغلا كل شخص طبيعي أو اعتباري خاصا كان أو عاما يستأجر خدمات شخص ذاتي واحد أو أكثر . وبالمقارنة بين مفهوم المشغل في هذا القانون ومدونة الشغل يتضح القانون موضوع الدراسة اشترط في المشغل أن يكون شخص داتي طبيعي عكس مدونة الشغل الذي اعتبرته شخصا داتي أو معنوي خاصا أو عاما أي أنه قد يكون شخص من أشخاص القانون العام ومع ذلك إن توفرت الشروط فهو يخضع لأحكام مدونة الشغل عكس القانون 12.19 الذي اشترط أن يكون المشغل شخص داتي يستأجر العامل المنزلي للقيام المنصوص عليها في المادة 2 ،ويعود سبب اشتراط أن يكون المشغل في العمل المنزلي شخص طبيعي هو عدم استغلال المقاولات ذلك والقيام بتشغيل العمال المنزليين في أنشطة مدرة للربح تحث غطاء العمل المنزلي والتهرب من الخضوع لأحكام مدونة الشغل؛ كما عرفت نفس المادة العمل المنزلي ” هو العمل المنجز لدى أسرة أو عدة أسر “ وحيث يتضح من المادة أعلاه أنها قامت بتعريف العامل المنزلي والمشغل كما تم تعريف العمل المنزلي دون العمل على تعريف عقد العمل المنزلي ؟ وأنه بالمقارنة بين أحكام مدونة الشغل وهذا القانون موضوع الدراسة بخصوص هذا النقطة يتضح أن مدونة الشغل بدورها لم تعمل على بتعريف عقد الشغل وقامت فقط بتعريف أطرافه أو بالأحرى تحديد العناصر الأساسية لعقد الشغل والتي هي الأجر والعمل والعلاقة التبعية، (9). وانه بالرجوع إلى القانون 12.19 يتضح أنه لئن كان قد نص على العمل وعلى الأجر وعلى العالقة التبعية وإن كان ذلك ليس بالواضح في أحكام هذا القانون ( الاشتغال لأكثر من شخص) فإن التساؤل الذي يطرح في هذا الصدد لماذا لم يعتبر المشرع بشكل صريح عقد العمل المنزلي عقد شغل مادام أنها تتوفر على جميع العناصر الضرورية لتكوين عقد شغل؛ولماذا فيما يخص المصطلح لم يستعمل المشرع مصطلح الأجير واستعمل مصطلح العامل ألا تعتبر هذه الفئنة من الأجراء تقوم بإنجاز عمل مقابل أجر لصالح شخص معين وإن كانت هذه العلاقة لها بعض الخصوصية ؛خصوصا وأن المشرع في هذا القانون استعمل مصطلح الأجير في المادة 10 عندما نص على أنه ” يجب على المشغل عند انتهاء عقد الشغل تحث طائلة أداء تعويض أن يسلم الأجير شهادة شغل داخل أجل أقصاه ثمانية 8 أيام “. الهوامش وردت هذه الاحصائية في التقرير الذي تقدم به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص مشروع القانون رقم 19.12 القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين الصادر بموجب الظهير الشريف رقم 1.16.121 بتاريخ 10 أغسطس 2016 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6493 بتاريخ 22 أغسطس 2016 الصفحة 6175 . 3 – كانت الفقرة الأولى من المادة 4 من مدونة الشغل تنص على أنه ” يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت…” قبل أن تعدل هذه المادة بموجب المادة 26 من القانون 19.12 بحيث جاء فيها ما يلي : تحل تسمية ” العاملات أو العمال المنزليين” محل تسمية ” خدم البيوت ” وتسمية المشغل محل “صاحب البيت” المنصوص عليهما في القانون رقم 65.99 السالف الذكر. 4 – تتعين الإشارة في هذا الصدد أن القضاء البلجيكي ينظر حاليا في قضية 8 أميرات من أبو ظبي بتهمة معاملة 20 عاملة منزلية مثل الرقيق بحيث اتضح أن الأميرات كان يقمن في فندق فاخر بعد حجز طابق منه لمدة سنة وتم اختيار العاملات على أساس أنهن مربيات أطفال وطاهيات ومساعدات في الأعمال المنزلية إلا أنهن اجبرن على البقاء تحث تصرف الأميرات طوال النهار والليل ولم يتم السماح لهن بالخروج كما تمت مصادرة جوازات سفرهن ورفض أداء الأجور وكن يجعلنهن ينمن على حشايا خارج غرف الأميرات” 5 -ينص الفصل 723 من قانون الالتزامات والعقود على أن ” اجارة الخدمة أو العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته الشخصية لأجل محدد أو من أجل أداء عمل معين في نظير أجر يلتزم هذا الأخير بدفعه له …” 6 – هذا وتتعين الإشارة إلى أن صفة أجير رهينة بتوفر ثلاثة شروط وهي أن يؤدي العمل لحساب شخص أخر يسمى المشغل وأن يتم ذلك في إطار من الإشراف والرقابة والتوجيه ثم يكون أداء العمل نظير أجر أيا كان نوعه أو صورته فبتوافر هذه الشروط تتوافر في الشخص الطبيعي صفة أجير. للتوسع حول ذلك أنظر أستاذنا عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل الجزء الأول علاقات الشغل الفردية المطبعة والوراقة الوطنية الطبعة الأولى 2004 الصفحة 271 . 7 – تنص المادة 495 من مدونة الشغل على أنه ” يقصد بقاولات التشغيل المؤقت كل شخص اعتباري مستقل عن السلطة العمومية يقتصر عمله على ممارسة النشاط المشار إليه في الفقرة ج من المادة 477 أعلاه. تشغل مقاولات التشغيل المؤقت هؤلاء الأجراء مع أداء أجورهم والوفاء بكل الالتزامات القانونية الناشئة عن عقد الشغل.” 8 -أنظر ذك في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في القانون رقم 19.12 لما كان مشروع منشور بالموقع الالكتروني www.cese.ma 9 – العناصر الأساسية لعقد الشغل حسب مفهوم مدونة الشغل هي عمل يلتزم بالقيام به أحد الطرفين لمصلحة الطرف الأخر وأجر يلتزم بدفعه هذا الأخير للطرف الأول بالإضافة إلى عنصر التبعية وهي علاقة الإشراف والرقابة التي ينشئها العقد بين الطرفين للتوسع أنظر عبد اللطيف خالفي مرجع سابق الصفحة 275. بقلم: د – يوسف حنان