جاء القانون 19.12 بتحديد شروط التشغيل والشغل المتعلقة بالعمال المنزليين، في27 مادة موزعة على خمسة أبواب، ويكتسي هذا القانون أهمية خاصة في ظل الوضعية التي يعرفها بعض العمال المنزليين دون السن القانوني للتشغيل، والذين غالبا ما يستثنون من تطبيق مدونة الشغل كعمال البستنة والحراسة وشؤون البيت، الأمر الذي بات فرض على السلطة التشريعية التدخل مع الأخذ بعين الاعتبار التزامات المغرب الدولية باعتباره مصادقا على كل من الاتفاقية الدولية رقم 182 بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها، والاتفاقية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، فهل فعلا أخد هذا المشروع في الاعتبار هذين الوضعين؟ هو تساؤل سنحاول الإجابة عنه من خلال اتباع التقسيم الذي اعتمده القانون نفسه. العلاقة الشغلية تطرق القانون 19.12 في الباب الأول منه إلى تحديد تعريف لأطراف العلاقة الشغلية، وذلك حتى يسهل تحديد مجال تطبيق هذا القانون، فما المقصود بكل من العامل المنزلي وصاحب البيت وما هي الفئات التي تخضع لنطاق تطبيق هذا القانون والفئات التي لا ينطبق عليها ؟. لقد تم استخدام مصطلح «العامل المنزلي» عوضا عن مصطلح «خدم البيوت» الذي استخدمه مشروع مدونة الشغل في المادة الرابعة، والذي لاقى انتقادا من طرف البعض لما يشكله من تعبير عن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وقد عرفت الاتفاقية الدولية رقم 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين، العامل المنزلي بالقول «أي شخص مستخدم في العمل المنزلي في إطار علاقة استخدام»، كما اعتبرت الاتفاقية أنه لا يعتبر عاملا منزليا الشخص الذي يؤدي عملا منزليا من حين إلى آخر، أو على نحو متقطع فهل كان للمشروع نفس التوجه في تحديد تعريف للعمال المنزليين؟. حاول القانون أن يسير في نفس الاتجاه، فأعطى تعريفا للعامل المنزلي مفاده أن العامل المنزلي هو «العامل الذي يقوم بصفة دائمة واعتيادية مقابل أجر، بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت كما هي محددة في المادة 2 من هذا القانون سواء عند صاحب بيت واحد أو أكثر»، وهو ما يفيد أن عمل العامل المنزلي ينبغي أن يكون متصفا بوصف الدوام والاعتياد، وإذا كان مصطلح الدوام يفيد الاستمرارية فإن مصطلح الاعتياد يفيد تكرار العمل ولو بشكل متقطع، وذلك حتى لا يدخل في حظيرة العمال المنزليين الأشخاص الذين يقومون بأعمال مؤقتة التي يستغرق شغلها بضع ساعات في الشهر. كما وقف القانون على تعريف صاحب البيت باعتباره مشغلا للعامل المنزلي، وهو بذلك «كل شخص ذاتي يستأجر عمل عامل منزلي لإنجاز الأشغال المنصوص عليها في المادة 2 أو أحدها»، ويؤخذ على هذا التعريف استخدامه لمصطلحات مدنية من قبيل «الاستئجار» و»الإنجاز» وحبذا لو تم استخدام مصطلحات مثل «الاشتغال» و «أداء»، كما أن التعريف وقف عند اعتبار صاحب البيت ذلك الشخص الذاتي فهل يدخل في هذا التحديد كل من الزوج والزوجة. من خلال كل ما سبق يتضح أن القانون نحى نفس التوجه الذي سار عليه المشرع في مدونة الشغل، حيث لم يعمد إلى إعطاء تعريف لعقد الشغل وإنما اكتفى بتعريف أطراف هذا العقد، وإذا كانت مدونة الشغل قد وقفت على أهم عنصر في عقد الشغل وهو عنصر التبعية فإن مشروع القانون لم يشر إلى هذا العنصر خلال تعريفه لأطراف العقد. مجال التطبيق بدل أن يعمد القانون إلى تحديد الفئات التي ستستفيد من مقتضيات هذا القانون، عمد إلى التعريف بأطراف العلاقة الشغلية وتحديد الأشغال التي تدخل في نطاقه، وبذلك فإن الخضوع لنطاق تطبيق هذا القانون لا يتطلب فقط في العامل المنزلي أداء العمل بصفة دائمة واعتيادية مقابل أجر سواء عند صاحب بيت واحد أو أكثر، بل لابد أن يكون هذا العمل من بين الأعمال التي حددتها المادة 2، وهي أعمال وإن كانت المادة الأولى من القانون أشارت إلى ارتباطها بالبيت كالتنظيف والطبخ وحراسة البيت والبستنة، إلا أنه يمكن أن ترتبط كذلك بشخص صاحب البيت أو ذويه من خلال الاعتناء بالأطفال أو بفرد من أفراد البيت بسبب سنه، أو عجزه أو مرضه أو كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة. هذا وقد استثنى القانون محل هذه القراءة من نطاق تطبيق أحكامه، كل عامل يتم وضعه رهن إشارة المشغل من قبل مقاولة التشغيل المؤقت، على اعتبار أنه يكون في خدمة شخص اعتباري وبالتالي لا تربطه بصاحب البيت أي علاقة تعاقدية، كما أن المادة 496 من مدونة الشغل حصرت حالات اللجوء إلى هذا النوع من العقود، ويخرج من نطاق تطبيق هذا القانون كذلك البوابون في البنايات المعدة للسكنى نظرا لخضوعهم لنظام خاص بهم، وكذلك الحال بالنسبة للعمال الذين ينجزون أشغالا لفائدة المشغل بصفة مؤقتة نظرا لتعارض ذلك مع صفة الدوام والاعتياد التي تميز عمل العمال المنزليين. شروط التشغيل والشغل نظرا لكون القانون 19.12 سيكون تشريعا موازيا لمدونة الشغل، وخاصا بتنظيم تشغيل فئة العمال المنزليين المستثنين من تطبيق هذه المدونة، فإن مقتضياته ينبغي أن تتسم بالشمولية والوضوح مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأعمال التي يقوم بها العمال المنزليين، ومكان قيامه بهذه الأعمال. خصص القانون الباب الثاني لشروط تشغيل العمال المنزليين، والذي جاء في تسع مواد، تطرق من خلالها المشروع إلى كيفية إبرام عقد الشغل وشروط هذا الإبرام والتزامات الأطراف إبان هذا الإبرام، إلا أنه أغفل أهم المراحل التي قد يصل إليها العقد وهي انتهاؤه وأسباب هذا الإنهاء ومسطرته. لقد تم تحديد سن التشغيل في 18 سنة كحد أدنى لا يجوز للمشغل النزول عنه، مادام أن الحد الأدنى لسن الاستخدام كما حددته الاتفاقية رقم 138 يتمثل في 15 سنة فإن المشروع قد جاء موافقا للاتفاقية، غير أن الاشتغال بالمنازل خاصة الأعمال التي تتعلق بالتنظيف والطبخ وكذا رعاية الأطفال، تبقى أعمال يصعب تصور قيام طفل سنه 18 سنة الاضطلاع بها بالشكل المطلوب والذي يرضي صاحب البيت(الزوجة طبعا)، بل إن البيئة الاجتماعية للبيت قد يكون لها تأثير على الصحة النفسية والسلوك الأخلاقي للطفل، خاصة إذا علمنا أن المادة الأولى أعطت لصاحب البيت تشغيل العامل المنزلي في أكثر من عمل واحد من الأعمال المشار إليها في المادة الثانية. و حتى يتم إبرام عقد الشغل بالشكل المطلوب فإن القانون جعل المشغل يضطلع بهذا الدور من خلال إفراغ تراضي الطرفين في عقد الشغل الذي سيتم تحديد نموذج له بنص تنظيمي، وهو ما يفيد أن العقد لا يمكن أن يكون إلا كتابيا ومصادق الإمضاء من طرف السلطة المختصة، وكان الأجدر أن يكون إبرام العقد مند البداية تحت رقابة مفتش الشغل كنوع من الرقابة القبلية، بعد ذلك يتم تسليم نسخة من العقد إلى العامل المنزلي. و تعزيزا للدور الحمائي وتماشيا مع الاتفاقية الدولية رقم 182 بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها المصادق عليها من طرف المغرب، فإن القانون قد منع أي تشغيل للعمال المنزليين يشكل مخاطر بينة تضر بصحتهم أو سلامتهم أو بسلوكهم الأخلاقي أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة، كما يمنع تشغيل العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو جبرا، غير أن القانون لم يبين الإجراءات الضرورية والفورية الممكن القيام بها بخصوص الممارسات التي يوجد فيها بعض الأطفال، و في حالة الوقوف على أي شكل من أشكال هذه الممارسات بعد دخول هذا القانون حيز التطبيق. لقد تطرق القانون محل هذه القراءة ضمن شروط الشغل، إلى مدة الشغل و الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام العطل، بالإضافة للأجر والذي خصه بالباب الرابع. ومادام أن القانون سيكون تشريعا موازيا لمدونة الشغل ومستقلا عنها كليا فإن تمتع عمال المنازل بالحقوق الأساسية في العمل يقتضي الإشارة إلي هذه الحقوق بشكل واضح وصريح، وقد أغفل القانون مجموعة من هذه الحقوق كعدم تحديده لساعات العمل الإضافية والتعويض عنها وإغفاله لإجازة الأمومة، كما لم يبين مدى أحقية العمال المنزليين في الحرية النقابية والحق في التنظيم النقابي وحق المفاوضة الجماعية كما هو مقرر بالاتفاقية 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين. وإذا كان لعمال المنازل الحق في الحماية الاجتماعية طبقا للقانون رقم 12.18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل وظهير نظام الضمان الاجتماعي فإننا لم نجد أي نص يربط ما بين عمال المنازل وهذه الحماية. لقد حدد القانون مدة العمل في 48 ساعة في الأسبوع يتم توزيعها باتفاق الطرفين، دون أن يعمد إلى التفرقة بين العمال المنزليين الذين يقل سنهم عن 18 سنة و الذين يتجاوزون هذا السن الأمر الذي لا يتماشى والاتفاقية 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام. وإذا ما حاولنا مقارنة بعض المقتضيات التي جاء بها القانون بما هو منصوص عليه بمدونة الشغل بالنسبة لباقي الأجراء، نجد أن البعض منها جاء موافقا لما هو مكرس ضمن الكتاب الثاني من مدونة الشغل، خاصة ما يتعلق بالراحة الأسبوعية والراحة في أيام الأعياد المؤدى عنها، مع استثناء العطل ولو أن عنوان الباب الثالث أشار إلى العطل في حين تم التنصيص في متن المشروع على الأعياد الوطنية والدينية فقط، بالإضافة إلى مدة العطلة السنوية المؤدى عنها والاستراحة الخاصة بالرضاعة، على أن المشروع لم يبين مدى اعتبار هذه الراحة مؤدى عنها من عدمه، وسيطرح الإشكال بلا شك في الحالة التي يقيم فيها العامل المنزلي مع المشغل وكيفية استفادته من هذه المقتضيات، وهي نقطة لم يتطرق إليها مشروع القانون. أما بخصوص بعض التغيبات القانونية فقد أشار القانون إلى نفس التغيبات التي نظمتها مدونة الشغل في المواد 269 و 274، وما يلاحظ أنها موافقة لما جاء بمدونة الشغل باستثناء زيادة المشروع لثلاث أيام عن التغيب بسبب زواج العامل المنزلي، لتصير المدة سبعة أيام مؤداة الأجر عن أربعة أيام منها فقط. كما تطرق المشروع للأجر واعتبره مبلغا نقديا لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار مزايا الإطعام والمسكن تدخل ضمن مكونات هذا الأجر، في مقابل ألا يقل هذا المبلغ النقدي عن نصف الحد الأدنى القانوني للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، وهو ما يؤكد بشكل ضمني اعتبار مشروع القانون للإطعام والمسكن بمثابة الجزء الثاني للحد الأدنى القانوني لأجر العامل المنزلي. هذا وإذا كان القانون قد أغفل كيفية إنهاء عقد شغل العامل المنزلي وأسباب هذا الإنهاء، فإنه قد تطرق من خلال المادة 21 إلى استحقاق العامل المنزلي لتعويض عند فصله، غير أنه اشترط على هذا العامل أن يكون قضى ما لا يقل عن سنة متواصلة من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل، وهي مدة طويلة قد تدفع بعض المشغلين إلى التحايل من خلال فصل العامل المنزلي قبل مرور تلك المدة وتعويضه بعامل آخر، لدى يستحسن جعل هذه المدة في ستة أشهر كما هو الشأن بالنسبة للمادة 52 من مدونة الشغل. المراقبة والعقوبات جاء الباب الخامس من القانون 19.12 كآخر باب ليؤكد على الجانب الجزري لهذا القانون حيث تناول من خلاله الدور الرقابي لجهاز مفتش الشغل، والعقوبات الممكن أن تطال كل مخالف لأحكام هذا القانون. في ظل الانتقادات التي توجه بين الفين والآخر للضعف الذي يعرفه جهاز تفتيش الشغل، سواء من خلال تعدد الوظائف والمهام الموكولة بهذا الجهاز أو من خلال الأعداد القليلة التي تضطلع بهذه المهام، نجد القانون محل هذه القراءة قد أولى مهمة أخرى هي السهر على مراقبة تطبيق أحكام هذا القانون إلى جهاز تفتيش الشغل، الأمر الذي سيؤدي لا محال إلى عدم فعالية مراقبة هذا الجهاز. وقد تم حصر نطاق تدخل مفتش الشغل بموجب المادة 22 من القانون في القيام بتلقي الشكايات من طرف أطراف العلاقة الشغلية، والسهر على إجراء عملية التصالح بين الطرفين، وهو ما يبين أن مشروع القانون يخلط بين المهام التصالحية لمفتش الشغل والمهام الرقابية التي تفترض وقوف مفتش الشغل على المخالفات التي قد يقترفها المشغليين في حق العمال المنزليين، كتشغيل المشغل لعمال منزليين في أشغال تشكل مخاطر قد تضر بصحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي. العقوبات عمل مشروع القانون 19.12 على حصر العقوبات الزجرية التي تطال كل مخالف لأحكام هذا القانون في ثلاث مواد، وقد جعل من الغرامة عقوبة أصلية والتي يمكن أن تتحول إلى الحبس في حالة العود بالنسبة للمخالفات المشار إليها في المادة 23. و إذا كان مشرع مدونة الشغل قد جعل للغرامة حدا أدنى وأقصى يتمثل في 300 و30.000 درهم فإن هذا المشروع قد رفع من الحد الأدنى ليصل به إلى 500 درهم، هذا وقد جرم مشروع القانون مجموعة من الأفعال التي قد تقترف من طرف المشغل أو أي شخص آخر كتشغيل العمال المنزليين دون سن 16 سنة أو التوسط في تشغيلهم بصفة اعتيادية بمقابل، كما تم تجريم الأفعال التي تستهدف شروط الشغل كعدم تقيد المشغل بإلزامية إتاحة الراحة الأسبوعية أو امتنع من تمتيع العامل المنزلي بحقه في العطلة السنوية أو الامتناع عن أداء الأجر أو التماطل في أدائه. إن ما يمكن أن نختم به هذه القراءة القول بأنه إذا كان يصعب تنظيم علاقة شغلية ما بين طرفين يجمعهما مكان الشغل فقط، فكيف الحال بالنسبة لأطراف يجمعهما مكان الشغل وفي نفس الوقت هو بيت الأسرة.