بعد مُضيِّ شهرين على نشره في الجريدة الرسمية، عادَ موضوع التوظيف بالعقدة ليطفوَ من جديد، بعد المسيرة التي خاضتها تنسيقية 10 آلاف إطار بمدينة الدارالبيضاء نهاية الأسبوع الماضي، وإعلانهم رفضهم لمقترح التوظيف بالتعاقد، الذي تتجه وزارة التربية الوطنية إلى تبنّيه لسدّ الخصاص الحاصل على مستوى نساء ورجال التعليم. وكانَ مرسوم التشغيل بالعقدة قدْ وُوجه بمعارضة شديدة من لدن النقابات العمالية؛ لكنّها لم تُفلح في إرغام الحكومة على التراجع عنه. وينصّ المرسوم على أنه يمكن للإدارات العمومية أن تشغّل، كلما اقتضت الضرورة ذلك، خبراء لإنجاز مشاريع أو دراسات أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهامَّ محددة يتعذر القيام بها من قبل الإدارة بإمكاناتها الذاتية. كما يمكنها أن تشغّل أعوانا للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي. معارضة الهيئات النقابية للتوظيف بالعقدة تنطلق من كون هذا النوع من التوظيف "يهدف إلى تكريس الهشاشة الشُّغلية داخل قطاع الوظيفة العمومية، ويفتح الباب أمام المحسوبية والزبونية ضدا على مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في الدستور"، حسب سعيد صفصافي، الكاتب العام للاتحاد النقابي للموظفين، التابع لنقابة الاتحاد المغربي للشغل. ولا تنحصر مخاوف النقابات المعارضة لمرسوم التشغيل بالعقدة فقط في كون المرسوم سيُغلق أبواب الوظيفة العمومية في وجه "أبناء الشعب"، بل لكونه، أيضا، خاصّة في الشقّ المتعلّق بتوظيف الخبراء، "نافذة سيتمّ استغلالها من لدن الأحزاب السياسية والعائلات النافذة لتوظيف المقرّبين والأصحاب، لكون التشغيل بالمرسوم المذكور يتمّ عبر الانتقاء، أي عن طريق التعيين"، يقول صفصافي. وتنصّ المادة التاسعة من مرسوم التشغيل بالعقدة على أنّ الخبراء الذين جرى انتقاؤهم يتمّ تشغيلهم بعقود لا تتعدّى مدتها سنتين، ويمكن تجديد هذه العقود لمدة إضافية محددة دون أن تتجاوز المدة الإجمالية للعَقد أربع سنوات. ويحصل الخبير المُتعاقَد معه على أجرة جزافية شهرية تُحدد بناء على عدد من المعايير؛ منها المؤهلات العلمية التي يتوفّر عليها المعني بالأمر، وتجربته المهنية، وطبيعة المهامّ المُراد إسنادُها إليه. أمّا الأعوان، فتنصّ المادة ال14 من المرسوم على أنّ تشغيلهم يجري بموجب عقود بناء على مباراة، بعد عملية انتقاء أوّلي بناء على دراسة ملفاتهم. وتُخوَّل للعون المتعاقد معه أجرة جزافية شهرية يتمّ تحديدها في العَقد، استنادا إلى المقادير المحددة بقرار من رئيس الحكومة يُتخذ باقتراح مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتيْن بالمالية والوظيفة العمومية. ولا يطرحُ مرسوم التوظيف بالعقدة، حسب سعيد صفصافي، إشكالية "تكريس الهشاشة الشغلية والمحسوبية والزبونية في التوظيف"؛ بلْ "سيعمِّق من أزمة الصندوق المغربي للتقاعد من خلال تقليص عدد الموظفين النشيطين المساهمين في هذا الصندوق، لكون المتعاقدين سينخرطون بحكم القانون في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد"، يشرح المتحدث. وإذا كان الهدف من التوظيف بالتعاقد يهدف إلى رفع أداء الإدارة العمومية والارتقاء بها إلى مستوى النجاعة والفعالية، كما صرّحَ بذلك محمد مبديع، الوزير المنتدب لدى رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف بالوظيفة العمومية، في مؤتمر حول إستراتيجية المحيط الأزرق بماليزيا شهر غشت الماضي؛ يرى متابعون أنَّ التوظيف بالتعاقد يُمكن أن يقلّص من الميزانية الضخمة التي تُصرف على الوظيفة العمومية، والتي تمثل أكثر من 50 في المائة من نفقات التسيير. وجوابا على سؤال في هذا الإطار، قالَ صفصافي: "هذا غير صحيح، لأن خفض النفقات المخصصة للأجور انطلق منذ تعيين الحكومة المنتهية ولايتها سنة 2011، والتي عمدت إلى تقليص عدد الموظفين الجدد إلى درجة أنه أصبح عدد المحالين على التقاعد أكثر من مناصب الشغل الجديد بالقطاع العام". وأضاف المتحدث أن الأعوان المتعاقدين في إطار التوظيف بالعقدة سيتقاضون الأجور نفسها التي يتقاضاها باقي الموظفين، "أكثر من ذلك فالخبراء الذين سيوظفون بمقتضى مرسوم التشغيل بالعقدة سوف يتقاضون، في تقديري، أجورا تضاعف أجور باقي الموظفين بخمس مرات أو أكثر. وبالتالي فما سيتقاضاه الخبير في ظرف أربع سنوات سوف يتجاوز مجموع ما سيتقاضاه موظف من السلم العاشر طيلة مساره المهني"، يُردف المتحدث. ويرى صفصافي أنَّ التقليص من نفقات أجور الموظفين بدعوى أن كتلة الأجور بالنسبة إلى الناتج الداخلي الخام مرتفعة، "مغالطة كبيرة لجأت إليها الحكومة المنتهية ولايتها للتغطية عن فشلها في إبداع الحلول الاقتصادية"، موضحا "أنَّ تخفيض نسبة كتلة الأجور من الناتج الداخلي الخام يتم إما عن طريق تجميد الأجور وخفض عدد مناصب الشغل؛ وهو الحل الأسهل والجاهز الذي تمليه مؤسسات النقد الدولية على الحكومات الفاشلة، وإما عن طريق الرفع من الناتج الداخلي الخام عبر جلب الاستثمارات وتتمين الموارد الطبيعية وخلق القيمة المضافة"، على حدّ تعبيره.