بعد خروجه من رحاب القصر الملكي بالدار البيضاء حاملا على عاتقه مسؤولية تشكيل الحكومة، تنتظر أغلب الأحزاب السياسية، بما فيها تلك التي ناصبت العداء ل"إخوان بنكيران" خلال الولاية المنصرمة، خلف أبواب مقراتها وصول رئيس الحكومة وفي يده دعوة مفترضة إلى الدخول في ائتلاف حكومي. عديدة هي الأحزاب التي أعلنت، عبر تصريحات قيادييها، أن لا شيء قد يجمعها مستقبلا بحزب العدالة والتنمية، في ظل توقعاتها بخروج بنكيران وإخوانه من معادلة الأغلبية؛ غير أن نتائج الاستحقاقات الانتخابية ليوم السابع من أكتوبر حملت عكس تلك التوقعات، وأكدت أن كل الطرق المؤدية إلى الحكومة الثانية في ظل دستور 2011 تمر عبر حزب العدالة والتنمية، ما يعني أن كل المواقف التي اتخذت قبل السابع من أكتوبر ستذروها رياح ما بعد هذا الموعد. وباستثناء حزب الأصالة والمعاصرة، المنافس السياسي التقليدي ل"البيجيدي"، الذي حسم خيار التموقع في المعارضة مبكرا حتى قبل أن يعين الملك عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة؛ فإن باقي الأحزاب السياسية، ولا سيما تلك التي لم تسعفها صناديق الاقتراع وحصلت على نتائج ضعيفة، قد تكون مرغمة على دخول حكومة بنكيران، حفاظا على ما تبقى من بريقها وخوفا من البرودة الملازمة كراسي المعارضة. محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بكلية المحمدية، سار في الاتجاه نفسه، معتبرا أن عودة الأحزاب الكتلة الوطنية إلى المعارضة يشكل "خطرا كبيرا عليها"، موضحا ذلك بالقول: "بل سيكون بمثابة الموت السريري للأحزاب الوطنية؛ كحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية.. لذلك، ستفضل الدخول مع بنكيران في التحالف الحكومي، بالرغم من الخلافات التي شابت علاقات قيادييها معه". وأقر زين الدين، في تصريح لهسبريس، بكون حزب الاستقلال من أكثر الأحزاب التي ستتصدع في حال عدم الدخول إلى الحكومة، بالنظر إلى "بنيته التنظيمية وموقعه الطبيعي تاريخيا في صفوف الأغلبية"، مستطردا في سرده للأسباب التي تفرض على حزب "الميزان" دخول الحكومة؛ منها "امتلاكه لخزان كبير من الأطر، سيكون مجبرا على تصريفها في المناصب الحكومية وإلا ستقع لها مشاكل داخلية"، على حد تعبيره. وأضاف المتحدث أن "زعيم الاستقلاليين يضع عينه على المنصب الثالث في هرم الدولة؛ وهو رئاسة مجلس النواب، الذي يبقى أقل خسارة يمكن أن يقبلها حميد شباط". وفي تقييمه لخيارات التحالف المطروحة أمام الأحزاب المتضررة من نتائج انتخابات السابع من أكتوبر، أكد المحلل السياسي أن استقالة صلاح الدين مزوار من رئاسة حزب "الحمامة" تعد "مؤشرا واضحا على أن حزب التجمع الوطني للأحرار يريد الدخول إلى الحكومة"، مشددا على كونه الحزب الوحيد داخل المشهد القادر على إحداث التوازن داخل النظام السياسي المغربي، قبل أن يزيد: "لا أرى حزب التجمع خارج الحكومة المقبلة". واعتبر محمد زين الدين، في قراءته للمشهد السياسي الحالي، أن من أكثر الأحزاب التي سيصعب على بنكيران التفاوض معها في مسعاه لإعادة الحياة إلى الكتلة الوطنية هما حزبا الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي، "بالرغم من تضررهما النسبي مقارنة مع باقي الأحزاب، فإن قيادات هذين الحزبين ستطالب البيجيدي بمناصب وحقائب وزارية أكبر" وفق تحليله؛ فيما توقع المتحدث ذاته تحالفا سهلا بين "إخوان بنكيران" و"رفاق بنعبد الله"، بالنظر إلى تمسك الطرفين ببعضهما على المستوى السياسي. وختم زين الدين تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية بالتأكيد على صعوبة مأمورية التفاوض بالنسبة إلى الجانبين معا، موضحا ذلك بالقول: "البيجيدي يملك خيارات محدودة من أجل تشكيل حكومته، بالنظر إلى قلة الأحزاب المتوفرة والتي لا تتجاوز 5 .. لذلك، فإن الهامش سيكون ضيقا بالنسبة إلى بنكيران أيضا"، فيما لا تملك الأحزاب الأخرى خيارات تفاوض عديدة؛ "لكونها تعرف أن نتائجها في الانتخابات كانت ضعيفة جدا، وأن عودتها إلى المعارضة ستؤثر عليها سلبا"، بتعبير زين الدين.